أسعار الذهب تنخفض بقوة مع انحسار مخاوف الأسواق عقب الاتفاق بين أمريكا والصين

شهدت أسعار الذهب تراجعًا ملحوظًا في بداية تعاملات الأسبوع، متأثرة بموجة تفاؤل في الأسواق العالمية عقب محادثات إيجابية بين الولايات المتحدة والصين بشأن النزاع التجاري. وأدى الاتفاق بين القوتين الاقتصاديتين على خفض الرسوم الجمركية مؤقتًا إلى تحول كبير في توجهات المستثمرين نحو الأصول الأكثر مخاطرة، ما انعكس سلبًا على الطلب على الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا.

أداء أسعار الذهب اليوم

بدأت أسعار الذهب تعاملات يوم الاثنين بتراجع حاد، متأثرة بالمناخ الإيجابي الذي ساد الأسواق المالية عقب الإعلان عن إحراز تقدم في المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وأدى هذا التقدم إلى خفض التوترات الجيوسياسية والاقتصادية، وهو ما قلل من إقبال المستثمرين على الذهب كأداة للتحوط.

وقد تكبد الذهب خسائر كبيرة في التعاملات المبكرة من الجلسة، في ظل اتجاه رؤوس الأموال نحو الأسهم والأسواق عالية العائد، بعد أن سجلت المحادثات بين الطرفين إشارات واضحة على تحسن العلاقات التجارية، وهو ما هدّأ من المخاوف التي خيمت على الأسواق طيلة الفترة الماضية.

تصاعد خسائر الذهب بعد إعلان تفاصيل الاتفاق التجاري

مع استمرار تدفق الأخبار الإيجابية من الجانبين الأمريكي والصيني، تفاقمت خسائر الذهب خلال تعاملات الاثنين. ويُعزى هذا التراجع إلى عاملين رئيسيين: أولهما، الارتفاع الملحوظ في مؤشر الدولار الأمريكي؛ وثانيهما، تنامي شهية المستثمرين للمخاطرة على حساب أصول الملاذ الآمن.

فقد أعلنت الولايات المتحدة والصين عن التوصل إلى اتفاق مرحلي يتضمن تعليق معظم الرسوم الجمركية المفروضة بين الجانبين لمدة 90 يومًا، ما فتح الباب أمام آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي وخفض التوترات التجارية.

هذا التوافق أعاد تشكيل مشهد الأسواق، دافعًا المستثمرين إلى تفضيل الأصول ذات العوائد المرتفعة مثل الأسهم، بينما تراجع الإقبال على الذهب، الذي يعتمد أساسًا على حالات عدم اليقين الجيوسياسي أو الاقتصادي ليحافظ على جاذبيته الاستثمارية.

أوضح جيجار تريفيدي، كبير محللي السلع في شركة ريلاينس سيكيوريتيز، أن الدولار الأمريكي ارتفع بقوة بعد تصريحات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أكدت إحراز تقدم ملموس في المحادثات التجارية مع الصين، خلال الاجتماعات التي عُقدت في عطلة نهاية الأسبوع في سويسرا. وأضاف تريفيدي أن هذا الصعود في مؤشر الدولار زاد من الضغوط السلبية على أسعار الذهب.

أبرز ما جاء في الاتفاق الجمركي بين الصين والولايات المتحدة

أعلن الطرفان عن اتفاق على تعليق معظم الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا، وهي خطوة اعتُبرت بادرة إيجابية نحو تهدئة الحرب التجارية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي منذ سنوات. وفي مؤتمر صحفي، صرّح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أن الاتفاق يتضمن خفضًا كبيرًا في الرسوم الجمركية المفروضة على السلع المتبادلة.

أبرز بنود الاتفاق:

• خفض التعريفات الأمريكية على الواردات الصينية من 145% إلى 30%.

• خفض الرسوم الصينية على الواردات الأمريكية من 125% إلى 10%.

• يشمل الاتفاق أيضًا الرسوم المفروضة على الفنتانيل، وهي مادة تُستخدم في الصناعات الدوائية ولكنها تشكل تهديدًا في السوق السوداء.

• التزام الطرفين بتخفيض الرسوم المتبادلة بنسبة 115% خلال فترة التهدئة.

وأكد بيسنت خلال المؤتمر أن هناك "آلية مستمرة للتفاوض"، مشيرًا إلى نية الولايات المتحدة في فتح السوق الصينية أمام المزيد من المنتجات الأمريكية، وخاصة في قطاعات الزراعة والتكنولوجيا والخدمات المالية.

وشارك في المؤتمر أيضًا جيمسون غرير، الممثل التجاري الأمريكي، الذي استعرض التطورات في مسار التفاوض الثنائي، مع تأكيد الجانبين على أهمية التوازن التجاري وضرورة التوصل إلى حلول طويلة الأجل.

ردود فعل الأسواق العالمية على الاتفاق

جاءت استجابة الأسواق العالمية سريعة وقوية عقب الإعلان عن الاتفاق، حيث شهدت الأسواق المالية تقلبات حادة تعكس إعادة تموضع المستثمرين استنادًا إلى البيئة الاقتصادية الجديدة.

أبرز التحركات:

• ارتفاع عائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوياته خلال شهر، ما يشير إلى تفاؤل المستثمرين بتعافي النمو الاقتصادي.

• تراجع العقود الآجلة للسندات الصينية لأجل 5 سنوات بنسبة 0.3% لتصل إلى 105.790 نقطة.

• تراجع اليورو بنسبة 1.1% أمام الدولار الأمريكي، وسط توقعات بتشديد السياسة النقدية الأمريكية.

• ارتفاع مؤشر الدولار بنسبة 1.2%، ما يعكس قوة الطلب على العملة الأمريكية.

• تراجع أسعار الذهب الفورية بنسبة 2.87% لتصل إلى 3222 دولارًا للأوقية.

هذه التحركات تُبرز أن الاتفاق بين واشنطن وبكين قد يُسهم في تهدئة المخاوف التضخمية، ويدعم التوقعات الإيجابية بشأن النمو العالمي، وبالتالي تقويض مبررات التمسك بالذهب كأداة للتحوط.

تصريحات من الاحتياطي الفيدرالي وتوقعات السياسة النقدية

في هذا السياق، أدلت بيث هاماك، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، بتصريحات يوم الجمعة أكدت فيها أن البنك المركزي يحتاج إلى مزيد من الوقت لتقييم تأثير السياسات الجمركية التي تنتهجها إدارة ترامب، قبل اتخاذ قرارات جديدة بشأن السياسة النقدية.

وينتظر المستثمرون صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي يوم الثلاثاء المقبل، والتي ستوفر مؤشرات مهمة حول الاتجاه القادم لسياسات الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة، وسط توقعات بإبقاء الفائدة ثابتة إذا استمرت التوترات التجارية في الانحسار.

توقعات مستقبلية للذهب وتحذيرات من استمرار التراجع

قال المحلل تريفيدي إن أسعار الذهب قد تستمر في التراجع على المدى القريب، خصوصًا في حال واصل الدولار الأمريكي ارتفاعه. ومع تراجع المخاطر الجيوسياسية، من المتوقع أن ينخفض الطلب على أصول الملاذ الآمن، ما قد يدفع أسعار الذهب نحو مستوى 3200 دولار للأوقية خلال الفترة القادمة.

أداء الذهب في نهاية الأسبوع الماضي

على الرغم من التراجع الحاد بداية الأسبوع، إلا أن الذهب كان قد أنهى تعاملات يوم الجمعة على ارتفاع، محققًا مكاسب أسبوعية قوية، بدعم من تراجع الدولار آنذاك وترقب نتائج المحادثات التجارية.

• العقود الآجلة للذهب تسليم يونيو ارتفعت بنسبة 1.1% لتصل إلى 3344 دولارًا للأوقية.

• المكاسب الأسبوعية بلغت 3.1%.

الذهب والدولار الآن – تحديث مباشر

• الذهب الفوري تراجع بنسبة 2.87% إلى مستوى 3,228 دولارًا للأوقية (حتى الساعة 11:00 صباحًا بتوقيت تركيا).

• العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة هبطت بنسبة 3.34% إلى 3,232 دولارًا.

• عقود مؤشر الدولار ارتفعت بنسبة 0.26%، ما يضغط مجددًا على أسعار الذهب.

أداء المعادن النفيسة الأخرى

إلى جانب الذهب، شهدت بقية المعادن النفيسة تحركات متفاوتة في الأسواق:

• الفضة الفورية تراجعت بنسبة 1.83% إلى 32.09 دولارًا للأوقية.

• البلاتين ارتفع بنسبة 1.25% إلى 989.10 دولارًا للأوقية.

• البلاديوم انخفض بنسبة 0.6% إلى 975.0 دولارًا للأوقية.

توقعات مستقبلية صادمة من "جيه بي مورجان"

أصدر محللو بنك جيه بي مورجان مذكرة بحثية توقعت أن يصل سعر الذهب إلى 6,000 دولار للأوقية بحلول عام 2029، شريطة إعادة تخصيص 0.5% فقط من الأصول الأمريكية التي يملكها مستثمرون أجانب إلى الذهب.

• إعادة تخصيص هذا الحجم من الأصول يُترجم إلى تدفق نحو 273.6 مليار دولار إلى الذهب على مدى 4 سنوات.

• من شأن هذه الخطوة أن ترفع الطلب على المعدن النفيس بنحو 2500 طن متري.

• معدل النمو السنوي المتوقع للذهب في هذا السيناريو يبلغ 18%.

• أشار البنك إلى أن المعروض من الذهب لا يشهد توسعًا كبيرًا، ما يجعل أي زيادة في الطلب تؤثر بشكل كبير على الأسعار.

وأضاف المحللون: "رغم أن هذه الرؤية افتراضية، فإنها تسلط الضوء على الأسباب التي تجعلنا نظل متفائلين بشأن الذهب على المدى الطويل، ونعتقد أن هناك مجالًا كبيرًا لمزيد من الارتفاع في أسعاره".

خلاصة

تُظهر التطورات الأخيرة أن أسعار الذهب أصبحت أكثر تأثرًا بالمتغيرات الجيوسياسية، وخاصة تلك المتعلقة بالعلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وبينما تهدئة النزاع التجاري قد تؤدي إلى انخفاض الطلب على الذهب مؤقتًا، إلا أن التوقعات بعيدة المدى لا تزال إيجابية في ضوء تذبذب السياسات الاقتصادية العالمية وضعف النمو في بعض الأسواق. يظل الذهب أداة استراتيجية للتحوط، رغم التقلبات قصيرة الأجل.