أسعار الذهب ترتفع بعد خسائر حادة بالجلسة السابقة والدولار يتراجع عن أعلى مستوياته

شهدت أسعار الذهب اليوم الثلاثاء ارتفاعًا من أدنى مستوياتها في أكثر من أسبوع، مستفيدة من عمليات شراء انتقائية بعد تراجعها الحاد في الجلسة السابقة، وسط تهدئة في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

يأتي هذا وسط ترقب الأسواق لبيانات التضخم الأمريكية التي قد ترسم ملامح السياسة النقدية للفيدرالي، إلى جانب تحركات ملحوظة في أسواق العملات العالمية.

أداء أسعار الذهب اليوم

استعادت أسعار الذهب بعضاً من بريقها في تعاملات اليوم الثلاثاء، بعدما شهدت جلسة الأمس تراجعًا حادًا إلى أدنى مستوياتها في أكثر من أسبوع، مدفوعة بتحسن شهية المخاطرة في الأسواق عقب الإعلان عن اتفاق مؤقت بين الولايات المتحدة والصين لتقليص الرسوم الجمركية المتبادلة.

وقد أدى هذا الاتفاق إلى تهدئة المخاوف بشأن التصعيد في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، ما قلل من الإقبال على الذهب كملاذ آمن.

وأدى التحسن المفاجئ في العلاقات التجارية إلى زيادة الإقبال على الأصول ذات المخاطر مثل الأسهم، مما أضعف الطلب على الذهب الذي يُعتبر تقليديًا ملاذًا في أوقات عدم اليقين السياسي أو الاقتصادي.

أداء الدولار الأمريكي وتأثيره على الذهب

شهد الدولار الأمريكي تراجعًا طفيفًا خلال تعاملات اليوم، بعد موجة صعود قوية دفعته إلى أعلى مستوياته في شهر خلال جلسة الإثنين. وبحلول الساعة 11:30 صباحاً بتوقيت السعودية، انخفض مؤشر الدولار — الذي يقيس أداء العملة الأمريكية أمام سلة من ست عملات رئيسية — بنسبة 0.2% ليسجل 101.410 نقطة، بعدما قفز بنسبة 1.6% في اليوم السابق.

هذا التراجع النسبي في الدولار ساعد الذهب على التعافي، نظرًا للعلاقة العكسية التقليدية بين العملة الأمريكية والمعدن النفيس، حيث يجعل ضعف الدولار الذهب أكثر جاذبية لحاملي العملات الأخرى.

تفاصيل الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين

أعلنت كل من واشنطن وبكين، في أعقاب مفاوضات استمرت يومين في جنيف، عن اتفاق مشترك لخفض الرسوم الجمركية المتبادلة على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة. ووفقًا لما تم الإعلان عنه، قامت الولايات المتحدة بتخفيض الرسوم الجمركية على وارداتها من الصين من 145% إلى 30%، بينما خفضت الصين الرسوم على السلع الأمريكية من 125% إلى 10%.

هذا الاتفاق، الذي يُعد هدنة مؤقتة في الحرب التجارية، أسهم في تعزيز أداء الأسهم العالمية وأدى إلى ارتفاع المؤشرات الرئيسية، كما عزز التوقعات بإمكانية التوصل إلى حلول أكثر استدامة في المستقبل القريب.

تصريحات وتحليلات: أثر الهدنة التجارية على الأسواق

قال تيم ووترر، كبير محللي الأسواق لدى شركة KCM Trade، في تصريحات لوكالة رويترز:

"إن احتمالات تحسن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد أدت إلى زيادة الإقبال على الأصول عالية المخاطر، وهو ما قلل من شهية المستثمرين تجاه الملاذات الآمنة مثل الذهب".

وأوضح ووترر أن الأسواق الآن تترقب نتائج البيانات الاقتصادية، خاصة تقرير التضخم الأمريكي، لتقييم مدى الحاجة إلى استمرار التشديد النقدي من جانب الفيدرالي، أو إمكانية تخفيف السياسة النقدية في المستقبل القريب.

ترقب حذر في الأسواق: التضخم الأمريكي وموقف الفيدرالي

ينتظر المستثمرون حول العالم صدور تقرير مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة، المقرر لاحقًا اليوم، للحصول على دلائل جديدة بشأن مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.

وقد أكدت أدريانا كوجلر، عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، أن التراجع المؤقت في الرسوم الجمركية قد يقلل من الضغوط التي قد تدفع المركزي الأمريكي إلى خفض أسعار الفائدة في حال حدوث تباطؤ اقتصادي ملموس.

تشير التوقعات الحالية إلى أن الفيدرالي قد يقوم بخفض أسعار الفائدة بمقدار 55 نقطة أساس خلال العام الجاري، بدءًا من شهر سبتمبر المقبل، إذا ما استمر التحسن في الأوضاع الاقتصادية مع انحسار التضخم.

وأكد ووترر أن أي قراءة لبيانات التضخم تأتي دون التوقعات قد تضغط على الدولار، مما يسمح للذهب بتحقيق مزيد من المكاسب على المدى القصير.

الذهب عند التسوية : خسائر قوية

تعرض الذهب في جلسة الأمس الإثنين لضغوط بيعية قوية، متأثرًا بارتفاع الدولار وانحسار التوترات التجارية بين واشنطن وبكين. وتراجعت العقود الآجلة للمعدن الأصفر تسليم شهر يونيو بنسبة 3.5%، أي ما يعادل 116 دولارًا، لتغلق عند مستوى 3228 دولارًا للأوقية، بعد أن كانت قد حققت مكاسب تفوق 3% في الأسبوع السابق بدعم من التصعيد التجاري.

الذهب والمعادن الآن: انتعاش نسبي في الأسواق

بحلول منتصف تعاملات اليوم، ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.5% ليصل إلى 3250.50 دولارًا للأوقية، بينما زادت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة بنسبة 0.9% لتسجل 3255.30 دولارًا، معوضة بعض خسائر الجلسة السابقة التي شهدت فيها الأسعار هبوطًا بنسبة 2.7%.

ارتفعت الفضة الفورية بنسبة 1.3% لتصل إلى 33.02 دولارًا للأوقية، وصعد البلاتين بنسبة 1.1% إلى 985.31 دولارًا، بينما زاد البلاديوم بنسبة 0.2% إلى 947.51 دولارًا.

تحركات العملات العالمية

في القارة الأوروبية، شهد اليورو/دولار ارتفاعًا بنسبة 0.2% ليسجل 1.1107، في ظل تعافي العملة الموحدة من خسائر حادة تكبدتها في الجلسة السابقة، والتي بلغت نحو 1.4%. ويتطلع المستثمرون إلى نتائج مسح ZEW الألماني لثقة المستثمرين، والذي من المتوقع أن يظهر تحسنًا ملحوظًا مقارنة بالقراءات الأخيرة التي تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وأشار محللو بنك ING إلى أن اليورو/دولار قد دخل في مرحلة تصحيحية، لكنها تبقى ضمن مسار صعودي قد يمتد لعدة سنوات، متوقعين أن يشهد الزوج عمليات شراء قوية في نطاق 1.1030–1.1050، مع هدف نهاية العام عند 1.13.

الجنيه الإسترليني يقاوم رغم ضعف البيانات

ارتفع الجنيه الإسترليني مقابل الدولار بنسبة 0.3% ليصل إلى 1.3211، بالرغم من البيانات الاقتصادية السلبية التي أظهرت تراجع التوظيف وتباطؤ نمو الأجور في بريطانيا، بالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 4.5% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في مارس، مقارنة بـ4.4% في الفترة السابقة.

الين الياباني واليوان الصيني

وفي آسيا، تراجع الدولار/ين بنسبة 0.4% ليسجل 147.87، مع تسجيل الين بعض المكاسب الطفيفة بعد خسائر يوم الإثنين التي جاءت نتيجة الإعلان عن الاتفاق التجاري الأمريكي-الصيني.

أما الدولار/يوان، فقد انخفض بنسبة 0.1% إلى 7.1995، حيث لقيت العملة الصينية دعمًا نسبيًا من الأجواء الإيجابية الناتجة عن خفض التوترات التجارية.

خلاصة: الذهب بين ضغوط الدولار وآمال التيسير النقدي

تأتي تحركات الذهب الحالية في سياق حساس بين مؤثرات متعارضة: فمن جهة، يؤثر التفاؤل التجاري وارتفاع الدولار سلبًا على المعدن الأصفر، ومن جهة أخرى، يترقب المستثمرون أي إشارات على تيسير السياسة النقدية الأمريكية، خاصة في حال تباطؤ التضخم، وهو ما قد يوفر بيئة داعمة لارتفاع الذهب مجددًا خلال الأشهر المقبلة.

ومع استمرار ترقب الأسواق لتطورات المشهد الاقتصادي العالمي، تبقى تحركات الذهب مرهونة بعوامل متعددة أبرزها: قوة الدولار، توجهات الفيدرالي، ومستجدات العلاقات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى.