ارتفاع أسعار الذهب مع تراجع الدولار بعد تخفيض موديز التصنيف الائتماني الأمريكي

سجلت أسعار الذهب صعودًا ملحوظًا مع بداية تداولات الأسبوع، مدعومة بتراجع مؤشر الدولار الأمريكي وتجدد التوترات التجارية العالمية، في أعقاب قرار وكالة موديز بخفض التصنيف الائتماني السيادي الأعلى للولايات المتحدة من Aaa إلى Aa1.

وقد عزز هذا القرار، إلى جانب تصريحات وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، من الإقبال على المعدن النفيس كملاذ آمن، على الرغم من التراجعات الحادة التي شهدها الأسبوع الماضي.

أداء أسعار الذهب اليوم

شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا واضحًا خلال جلسة تداولات الإثنين، مستفيدة من تراجع مؤشر الدولار الأمريكي، وتجدد المخاوف بشأن مستقبل العلاقات التجارية الدولية، خاصة بعد تصريحات لوزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أكّد فيها تهديدات الرئيس دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة على بعض الشركاء التجاريين، ما أعاد القلق للأسواق وعزّز الطلب على أصول الملاذ الآمن مثل الذهب.

ورغم أن الذهب قلّص جزءًا من مكاسبه التي حققها في بداية الجلسة، إلا أن حالة القلق المتزايد بشأن الوضع الاقتصادي الأمريكي وتفاقم عجز الموازنة العامة أسهما في تعزيز الاتجاه الصعودي للمعدن النفيس، الذي يُعتبر تاريخيًا أحد أهم الأدوات للتحوط في أوقات الغموض الاقتصادي والسياسي.

موديز تُشعل الأسواق بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة

في خطوة أثارت قلق المستثمرين حول العالم، أعلنت وكالة "موديز" العالمية للتصنيف الائتماني، مساء يوم الجمعة، عن تخفيض التصنيف السيادي الأعلى للولايات المتحدة الأمريكية درجة واحدة، لينتقل من Aaa إلى Aa1، وهو ما شكل ضربة جديدة لثقة الأسواق في المالية العامة الأمريكية.

وذكرت موديز في بيان رسمي أن القرار يعود إلى فشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة في اتخاذ خطوات فعالة للحد من عجز الميزانية، مشيرة إلى أن نقاط القوة الاقتصادية والمالية للولايات المتحدة لم تعد كافية لتعويض التدهور الملحوظ في المؤشرات المالية للبلاد.

هذا القرار يجعل موديز آخر وكالات التصنيف الائتماني الكبرى التي تقدم على خفض تصنيف الولايات المتحدة، في مؤشر على تزايد المخاوف بشأن الاستدامة المالية طويلة الأجل لأكبر اقتصاد في العالم.

الدولار يتراجع والذهب يستفيد

ترافق خفض التصنيف مع تراجع حاد في أداء الدولار الأمريكي، حيث انخفض مؤشر الدولار يوم الإثنين بنسبة 0.67%، ليصل إلى 100.26 نقطة، ما جعل الذهب المسعّر بالدولار أكثر جاذبية للمستثمرين من حاملي العملات الأخرى، ودفع الأسعار نحو الصعود.

وقال "تيم ووترر"، كبير محللي السوق لدى شركة KCM Trade:

"خفض وكالة موديز للتصنيف الائتماني الأمريكي ورد الفعل الحذر في الأسواق أسهما في إعادة الزخم لصعود أسعار الذهب."

وأكد ووترر أن حالة الانخفاض في شهية المخاطرة، مدفوعة بقرار موديز ورد فعل الأسواق، شكّلت بيئة داعمة للذهب، الذي طالما يُنظر إليه كأصل يُحتفظ به في أوقات عدم اليقين المالي والجيوسياسي.

تهديدات ترامب التجارية تعيد إشعال التوترات العالمية

جاء هذا الارتفاع في أسعار الذهب أيضًا بالتزامن مع تجدد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها الرئيسيين، بعد أن أكد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، في مقابلات تلفزيونية يوم الأحد، أن الرئيس دونالد ترامب عازم على تنفيذ الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الشهر الماضي ضد الدول التي لا تتفاوض مع واشنطن بـ"نية حسنة".

وتسببت هذه التهديدات في اضطراب واضح بتدفقات التجارة العالمية، وأعادت إلى الأذهان أجواء "الحروب التجارية" التي طبعت فترة رئاسة ترامب، حيث أشار بيسنت إلى أن الرئيس الجمهوري يتبنى ما وصفه بـ"الغموض الاستراتيجي" كأداة لإعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية الدولية بما يخدم مصلحة الولايات المتحدة.

هذا التصعيد في اللهجة أعاد القلق للأسواق العالمية، وزاد من توجه المستثمرين نحو الذهب كأداة تحوط وحماية من تقلبات محتملة في الأسواق.

الذهب في بيئة غير مستقرة: قوة الملاذ الآمن تتجدد

لطالما اعتُبر الذهب ملاذًا آمنًا في فترات الاضطرابات السياسية والاقتصادية. وفي بيئات انخفاض أسعار الفائدة، غالبًا ما يحقق أداءً إيجابيًا.

وقد أظهرت البيانات الاقتصادية الأمريكية الصادرة الأسبوع الماضي إشارات تباطؤ واضحة، تمثلت في تراجع غير متوقع في أسعار المنتجين، وضعف في نمو مبيعات التجزئة، إلى جانب ارتفاع أقل من المتوقع في أسعار المستهلكين، ما زاد من التوقعات بإمكانية خفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال الأشهر القادمة.

وأشار "ووترر" إلى أن:

"الاحتمالات باتت قائمة لخفض الفائدة الأمريكية في يوليو أو سبتمبر، ولكن توقيت هذا القرار سيعتمد بشكل كبير على نتائج المفاوضات التجارية التي يقودها الرئيس ترامب، ومدى تأثيرها على النمو الاقتصادي."

الذهب عند التسوية يوم الجمعة الماضي

رغم المكاسب التي حققها الذهب مع بداية الأسبوع، إلا أن المعدن الأصفر كان قد تكبد خسائر حادة في نهاية تداولات الجمعة الماضية، متأثرًا بانحسار التوترات التجارية العالمية مؤقتًا، بعد الإعلان عن اتفاق أمريكي صيني لخفض الرسوم الجمركية المتبادلة.

وانخفضت العقود الآجلة للذهب تسليم يونيو بنسبة 1.22% أو ما يعادل 39.4 دولارًا، لتغلق عند 3187.20 دولار للأوقية، مسجلة خسارة أسبوعية بنحو 4.69%، وهي أكبر خسارة أسبوعية منذ نوفمبر الماضي.

سعر الذهب اليوم

عند الساعة 10:50 صباحًا بتوقيت تركيا، سجلت أسعار الذهب الفوري ارتفاعًا بنسبة 0.93% لتصل إلى 3,231.75 دولار للأونصة، بينما ارتفعت العقود الآجلة الأمريكية بنسبة 1.50% لتبلغ 3,235.24 دولار.

وفي المقابل، تراجع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.67%، فيما ارتفعت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4.4696%، مسجلة ارتفاعًا نسبته 0.68%.

أداء المعادن النفيسة الأخرى

لم يكن الذهب وحده المستفيد من أجواء عدم اليقين، إذ شهدت المعادن النفيسة الأخرى ارتفاعًا ملحوظًا أيضًا:

• الفضة الفورية صعدت بنسبة 0.51% لتصل إلى 32.45 دولار للأونصة.

• البلاتين ارتفع بنسبة 0.2% ليسجل 989.31 دولار.

• البلاديوم كسب 1.41% من قيمته ليصل إلى 973 دولار.

وتأتي هذه التحركات في إطار موجة من التقلبات السعرية التي شهدتها أسواق المعادن في الأشهر الأخيرة، حيث كان الذهب قد تجاوز حاجز 3500 دولار للأونصة للمرة الأولى الشهر الماضي، قبل أن يتراجع بشكل حاد.

التوقعات المستقبلية: هل يتجه الذهب إلى مستويات قياسية جديدة؟

رغم التقلبات، لا يزال الذهب مرتفعًا بأكثر من 20% منذ بداية العام، مدفوعًا بالصراعات الجيوسياسية، وزيادة التدفقات نحو صناديق المؤشرات المتداولة، والتوترات الناتجة عن سياسات ترامب التجارية.

ويرى "فاسو مينون"، العضو المنتدب لاستراتيجيات الاستثمار في "أوفرسي-تشاينيز بانكينغ كورب"، أن:

"سوق الذهب يتسم حاليًا بتقلبات حادة نتيجة تداخل الأخبار السلبية والإيجابية. وعلى المدى الطويل، تمثل سياسات ترامب الاقتصادية، إلى جانب توجهات تنويع الأصول بعيدًا عن الدولار، عوامل هيكلية داعمة للمعدن الأصفر."

وأضاف مينون أن هذه العوامل قد تمهد الطريق أمام الذهب لتحقيق مستويات قياسية جديدة خلال السنوات المقبلة، ما يعزز من أهميته كأداة للتحوط وإدارة المخاطر في بيئة مالية تتسم بالغموض والتغيرات المتسارعة.