الذهب يتراجع مع ارتفاع الدولار وسط ترقب المستثمرين لبيانات التضخم الأمريكية

تراجعت أسعار الذهب يوم الجمعة، متجهة نحو تسجيل خسارة أسبوعية، في ظل ارتفاع طفيف لقيمة الدولار الأمريكي وترقب الأسواق لصدور بيانات حاسمة حول التضخم في الولايات المتحدة، والتي من المتوقع أن تؤثر مباشرة على توجهات السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي.

وفي الوقت الذي يُعيد فيه المستثمرون تقييم رهاناتهم على خفض الفائدة، تشهد الأسواق توترات تجارية وقضائية متجددة تلعب دوراً مضاداً عبر تعزيز الطلب على الذهب كملاذ آمن.

أداء أسعار الذهب اليوم

سجلت أسعار الذهب انخفاضاً خلال تعاملات يوم الجمعة، متأثرةً بصعود طفيف في مؤشر الدولار الأمريكي، ما زاد من تكلفة شراء المعدن الأصفر بالنسبة للمستثمرين الأجانب، في وقت تترقب فيه الأسواق العالمية صدور تقرير "الإنفاق الاستهلاكي الشخصي" في الولايات المتحدة، والذي يُعد مقياس التضخم المفضل لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

ومن المقرر صدور هذا التقرير عند الساعة 15:30 بتوقيت الرياض، وسط توقعات بأن يُظهر ارتفاعاً في معدل التضخم بنسبة 2.2% خلال أبريل، مقارنة بزيادة نسبتها 2.3% في مارس، وفقًا لتقديرات محللين استطلعت "رويترز" آراءهم.

ويعتبر هذا التقرير حاسماً لأنه قد يوفر إشارات إضافية بشأن وتيرة أو توقيت أي تخفيضات محتملة في أسعار الفائدة الأمريكية خلال النصف الثاني من عام 2025، وهي الخطوة التي يترقبها المستثمرون بشغف منذ أشهر.

الذهب في مرحلة "تماسك" رغم حركة السوق الواسعة

قال بريان لان، المدير الإداري لشركة جولد سيلفر سنترال (GoldSilver Central) في سنغافورة، إن "أسعار الذهب تمر حاليًا بمرحلة تماسك". وأضاف أن "ما نشهده هو تحركات طبيعية في السوق، إلا أن نطاق الحركة أصبح أوسع نسبيًا، نتيجة للثقة المتزايدة في الدولار الأمريكي".

هذا التقييم يشير إلى أن الأسواق لا تزال غير حاسمة تجاه الاتجاه التالي للذهب، مع وجود ضغوط متضادة بين صعود العملة الأمريكية ومخاوف التضخم وعدم اليقين الجيوسياسي.

السياسة النقدية الأمريكية 

أضافت تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي بعدًا جديدًا إلى حالة الترقب، إذ صرحت ماري دالي، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، يوم الخميس، أن صناع القرار لا يزالون يحتفظون بإمكانية خفض أسعار الفائدة مرتين هذا العام، لكنها شددت في الوقت ذاته على أهمية الحفاظ على المعدلات دون تغيير في الوقت الراهن، لضمان استمرار تراجع التضخم نحو المستوى المستهدف البالغ 2%.

ويُعرف عن الذهب أنه لا يدرّ عوائد، ما يجعله أكثر جاذبية في بيئة أسعار فائدة منخفضة، حيث تتراجع جاذبية الأصول المدرة للفائدة، ويزيد الإقبال على الأصول الآمنة.

ارتفاع الذهب في تسوية الخميس رغم المخاطر التجارية

رغم التراجع في تعاملات الجمعة، فقد سجل الذهب مكاسب خلال جلسة الخميس، حيث ارتفعت العقود الآجلة للمعدن الأصفر تسليم أغسطس -الأكثر نشاطًا- بنسبة 0.64%، أو ما يعادل 21.5 دولار، لتصل إلى 3343.90 دولارًا للأوقية.

جاء ذلك بعد صدور بيانات أمريكية أظهرت ارتفاعًا في طلبات إعانة البطالة بأكثر من المتوقع، مما زاد من المخاوف بشأن تباطؤ سوق العمل.

في الوقت ذاته، هدأت جزئيًا المخاوف المرتبطة بالتوترات التجارية، بعد حكم قضائي سابق أبطل معظم الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلا أن هذه الهدنة لم تدم طويلًا.

القضاء الفيدرالي يعيد تفعيل الرسوم الجمركية

في تطور مفاجئ، أصدرت محكمة استئناف فدرالية قرارًا مؤقتًا يوم الخميس بإعادة تفعيل الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على واردات صينية، بعدما كانت محكمة تجارية أمريكية قد اعتبرت تلك الرسوم غير قانونية، وأمرت بوقف فوري لتطبيقها يوم الأربعاء.

هذا القرار يُعيد من جديد أجواء التوتر التجاري بين واشنطن وبكين، ما قد يسهم في تعزيز جاذبية الذهب كأداة تحوط ضد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية.

سعر الذهب والدولار الآن

انخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 0.65% ليصل إلى 3296.67 دولارًا للأونصة خلال تداولات الجمعة، بينما تراجعت العقود الأمريكية الآجلة بنسبة 0.71% لتسجل 3320.09 دولارًا عند الساعة 10:30 بتوقيت تركيا.

وفي المقابل، ارتفع مؤشر الدولار بنسبة 0.29% ليصل إلى 99.495 نقطة، مما يزيد من الضغوط على أسعار الذهب من خلال تقليص الطلب الدولي عليه.

أداء المعادن النفيسة الأخرى

تراجعت أسعار المعادن الثمينة الأخرى، حيث انخفضت الفضة الفورية بنسبة 0.50% إلى 33.15 دولارًا للأونصة، كما تراجع البلاتين بنسبة 0.6% مسجلًا 1076.33 دولارًا، وهبط البلاديوم بنسبة 0.79% إلى 972.25 دولارًا للأونصة مما يعكس ضغوطًا واسعة على سوق المعادن النفيسة.

بيانات اقتصادية سلبية وتجدد التوترات مع الصين

أظهرت بيانات أمريكية يوم الخميس أن الاقتصاد الأمريكي انكمش في الربع الأول من العام الجاري، مدفوعًا بضعف الإنفاق الاستهلاكي والتأثير المتزايد للتوترات التجارية.

وفي هذا السياق، أعلنت الإدارة الأمريكية عن خطوات جديدة ضد الصين، تضمنت إلغاء تأشيرات لطلاب صينيين وفرض قيود على مبيعات برمجيات تصميم الرقائق، ما أثار ردود فعل غاضبة من بكين وزاد من حدة التوترات الجيوسياسية.

ورغم الخسائر الأسبوعية، يرى محللو "غولدمان ساكس غروب" أن الذهب سيظل يُشكّل وسيلة فعالة للتحوط ضد التضخم على المدى الطويل، إلى جانب النفط الخام، خاصة في ظل تقلب السياسات النقدية والتجارية الأمريكية واحتدام النزاعات العالمية.

خلاصة وتوقعات

بين ضغوط الدولار القوي، وترقب بيانات التضخم، ومخاوف الأسواق بشأن النمو الأمريكي والعلاقات التجارية، يجد الذهب نفسه في تقاطع مسارات اقتصادية وجيوسياسية معقدة. ومع احتمال استمرار ارتفاع الدولار، قد يواصل المعدن الأصفر تراجعه على المدى القريب، إلا أن التوترات الدولية ومخاطر التضخم تظل عناصر دعم قوية تعزز من جاذبيته كملاذ آمن للمستثمرين العالميين.