أسعار الذهب تتراجع من مستويات قياسية مع انتعاش الدولار بعد خفض الفيدرالي للفائدة

شهدت أسعار الذهب العالمية خلال تعاملات الخميس في الأسواق الآسيوية تراجعًا من مستوياتها القياسية التي سجلتها مؤخرًا، وذلك في ظل انتعاش الدولار الأمريكي عقب قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس.

وعلى الرغم من أن هذه الخطوة كانت متوقعة على نطاق واسع، فإن النبرة الحذرة التي اتسمت بها تصريحات الفيدرالي بشأن مستقبل السياسة النقدية دفعت المستثمرين إلى جني الأرباح، بعد أن ارتفع المعدن النفيس بشكل ملحوظ منذ بداية العام مدعومًا بعدة عوامل، أبرزها توقعات التيسير النقدي، والتوترات الجيوسياسية، والمشتريات القوية من البنوك المركزية.

أداء الذهب اليوم

تراجعت أسعار الذهب في الجلسات الآسيوية يوم الخميس، حيث واصلت العقود الأمريكية لشهر ديسمبر خسائرها مسجلة انخفاضًا بنسبة 0.84% لتصل إلى 3,686 دولار للأوقية.

هذا التراجع جاء نتيجة طبيعية لانتعاش الدولار الأمريكي الذي صعد بنسبة 0.4%، متعافيًا من أدنى مستوى له في ثلاثة أعوام ونصف سجله في الجلسة السابقة، ما جعل المعدن الثمين أكثر تكلفة بالنسبة لحاملي العملات الأخرى.

ويشير المحلل "إدوارد مير" من شركة "ماركس" (Marex) إلى أن الرسالة العامة التي بعث بها الفيدرالي من خلال قراره الأخير جاءت أقرب إلى التشدد في ملف الفائدة، إذ لم يُبدِ حماسًا واضحًا لمزيد من التخفيضات.

واعتبر مير أن هذا الموقف، إلى جانب ارتفاع الدولار وصعود عوائد السندات، كان متوقعًا، مؤكداً أن الذهب يبدو في حالة تشبع شرائي على المدى القصير، الأمر الذي قد يدفعه للعودة إلى مستويات أدنى تقترب من 3600 دولار للأوقية.

الفيدرالي يخفض الفائدة

أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء عن خفض سعر الفائدة المرجعي بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل إلى نطاق 4.00% – 4.25%، وهو أول خفض للفائدة منذ ديسمبر الماضي.

وأوضح رئيس الفيدرالي جيروم باول أن هذه الخطوة تُعتبر بمثابة "خفض لإدارة المخاطر" جاء استجابة لضعف ملحوظ في سوق العمل وارتفاع مخاطر البطالة، مؤكدًا أن البنك المركزي يسعى إلى تحقيق توازن بين دعم النمو الاقتصادي والحفاظ على استقرار الأسعار.

ورغم ذلك، فقد تبنى الفيدرالي نبرة حذرة للغاية، إذ أكد أن القرارات المقبلة ستعتمد على البيانات الاقتصادية، وسيتم اتخاذها على أساس اجتماع تلو الآخر، في إشارة واضحة إلى أن سياسة التيسير النقدي القوي لن تكون مطروحة في الوقت الراهن.

كما أشار صناع السياسة إلى توقع تنفيذ خفضين إضافيين خلال العام الجاري، مقابل خفض واحد فقط متوقع في عام 2026، وهو ما يعكس تمسك البنك المركزي بنهج متحفظ في التعامل مع تطورات الاقتصاد.

الأسواق تسعر مزيدًا من التخفيضات

تفاعلت الأسواق المالية بسرعة مع قرار الفيدرالي، حيث ارتفعت توقعات المستثمرين لاحتمالية خفض إضافي للفائدة في اجتماع أكتوبر المقبل.

ووفقًا لبيانات أداة متابعة الفائدة الأمريكية على موقع إنفستنغ السعودية، فإن الأسواق تسعر الآن احتمالاً بنسبة 90% لخفض إضافي بواقع 25 نقطة أساس، مقارنة بنسبة 74.3% فقط في اليوم السابق للقرار.

هذه التوقعات تعكس استمرار حالة الترقب في الأسواق العالمية، حيث يسعى المستثمرون إلى تقييم مدى استعداد الفيدرالي للمضي في مسار التيسير النقدي وسط التباطؤ الاقتصادي وتراجع سوق العمل.

انعكاسات القرار على الذهب

على الرغم من التراجع الذي شهده الذهب بعد قرار الفيدرالي، فإنه لا يزال مرتفعًا بنسبة تقارب 39% منذ بداية العام، مستفيدًا من توقعات خفض الفائدة عالميًا، فضلاً عن عوامل أخرى مثل:

• التوترات الجيوسياسية التي دفعت المستثمرين إلى البحث عن الملاذات الآمنة.

• الطلب القوي من البنوك المركزية التي عززت حيازاتها من الذهب كجزء من استراتيجيات التحوط.

• حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي التي جعلت الذهب خيارًا مفضلاً لحماية الثروة.

لكن النبرة الحذرة للفيدرالي دفعت بعض المستثمرين إلى جني الأرباح، خصوصًا بعد أن سجل المعدن النفيس مستوى قياسيًا عند 3,707.40 دولار للأوقية يوم الأربعاء.

• عند تسوية تعاملات الثلاثاء، ارتفعت العقود الآجلة تسليم ديسمبر بنسبة 0.16% (ما يعادل 6.1 دولار) لتصل إلى 3,725.10 دولار للأوقية.

• في المقابل، تراجع الذهب الفوري بنسبة 0.6% ليسجل 3,637.41 دولار للأوقية.

تأثير قوة الدولار على المعادن الأخرى

لم يقتصر الضغط على الذهب فحسب، بل امتد إلى بقية المعادن الثمينة والصناعية نتيجة قوة الدولار الأمريكي:

• الفضة: تراجعت العقود بنسبة 1.1% إلى 41.72 دولار للأونصة، فيما انخفض السعر الفوري بنسبة 0.6% إلى 41.40 دولار.

• البلاتين: استقر عند 1,370.80 دولار للأونصة دون تغيير يُذكر، قبل أن يسجل ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.5% ليصل إلى 1,371.60 دولار.

• البلاديوم: تراجع بنسبة 0.2% ليصل إلى 1,152.24 دولار.

• النحاس: انخفضت العقود القياسية في بورصة لندن للمعادن بنسبة 0.5% إلى 9,945.80 دولار للطن، كما تراجعت العقود الأمريكية بالنسبة نفسها إلى 4.60 دولار للرطل.

هذا التراجع في المعادن يعكس بوضوح التأثير المباشر لقوة الدولار، حيث يؤدي ارتفاع العملة الأمريكية إلى زيادة تكلفة السلع المقومة بالدولار بالنسبة لحاملي العملات الأخرى، وبالتالي انخفاض الطلب عليها.

صناديق الذهب: مؤشرات على جني الأرباح

أظهرت بيانات "إس بي دي آر غولد تراست" (SPDR Gold Trust)، وهو أكبر صندوق تداول مدعوم بالذهب في العالم، أن حيازاته انخفضت بنسبة 0.44% يوم الأربعاء لتصل إلى 975.66 طنًا، مقارنة بـ979.95 طنًا في اليوم السابق.

هذا التراجع يعكس اتجاه بعض المستثمرين إلى تقليص مراكزهم في الذهب بعد الارتفاع الكبير في الأسعار، ما قد يشير إلى بداية مرحلة من إعادة التوازن في السوق بعد المكاسب القياسية الأخيرة.

السياسة النقدية العالمية: ترقب قرارات جديدة

إلى جانب قرار الفيدرالي، يترقب المستثمرون أيضًا إعلان بنك إنجلترا عن قراره بشأن السياسة النقدية، وسط توقعات قوية بأن يبقي البنك على أسعار الفائدة مستقرة عند 4%.

هذا الترابط بين سياسات البنوك المركزية الكبرى يعكس مدى حساسية الأسواق العالمية للتحولات في السياسة النقدية، حيث تؤثر بشكل مباشر على أسعار الأصول المختلفة بما في ذلك الذهب والمعادن الثمينة.

خلاصة تحليلية

يمكن القول إن الذهب يمر بمرحلة إعادة تقييم بعد الارتفاعات القياسية الأخيرة، حيث دفع موقف الفيدرالي الحذر المستثمرين إلى جني الأرباح، مما أدى إلى تراجعات قصيرة الأجل. ومع ذلك، فإن الاتجاه الصعودي للمعدن الأصفر على المدى المتوسط والبعيد لا يزال مدعومًا بعدة عوامل جوهرية، أبرزها:

• استمرار التوقعات بخفض الفائدة عالميًا.

• تصاعد المخاطر الجيوسياسية.

• تنامي الطلب من البنوك المركزية.

ومع عودة الدولار إلى الانتعاش، فإن الذهب قد يواجه ضغوطًا إضافية، لكنه سيبقى في قلب المشهد الاستثماري كأحد أهم الملاذات الآمنة في ظل الضبابية الاقتصادية العالمية.