التضخم الأسترالي يقفز لأعلى مستوى في عام ويعقّد مسار سياسة بنك الاحتياطي الأسترالي

شهد الاقتصاد الأسترالي تطورات مفاجئة في يوليو، حيث أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الأسترالي ارتفاعاً أكبر من المتوقع في مؤشر أسعار المستهلك، مما دفع معدل التضخم إلى أعلى مستوى له منذ عام كامل.

هذا الارتفاع، خصوصاً في التضخم الأساسي، أثار شكوكاً حول قدرة بنك الاحتياطي الأسترالي على المضي قدماً في مسار خفض أسعار الفائدة، الذي كان السوق يتوقعه بعد إشارات سابقة من البنك المركزي.

بيانات التضخم في أستراليا

أوضح تقرير مكتب الإحصاءات الأسترالي الصادر يوم الأربعاء أن مؤشر أسعار المستهلك ارتفع بنسبة 2.8% على أساس سنوي في يوليو، متجاوزاً التوقعات البالغة 2.3%، ومرتفعاً من 1.9% في يونيو.

• هذه الزيادة جعلت المؤشر عند أعلى مستوى منذ يوليو 2024.

• أما التضخم الأساسي، المتمثل في التضخم المتوسط المقتطع السنوي، فقد ارتفع إلى 2.7% من 2.1% في يونيو، وهو أعلى مستوى في ثلاثة أشهر ويقترب من الحد الأعلى للنطاق المستهدف لبنك الاحتياطي الأسترالي (2% – 3%).

• كذلك ارتفع مؤشر أسعار المستهلك باستثناء العناصر المتقلبة وسفر العطلات إلى 3.2% في يوليو مقارنة بـ 2.5% في يونيو.

أسباب ارتفاع التضخم في أستراليا

جاءت القفزة في التضخم نتيجة مزيج من العوامل الاقتصادية والاجتماعية، أبرزها:

1. زيادة الإنفاق على السكن والغذاء والكحول، والتي مثلت ضغطاً متواصلاً على الأسعار.

2. عطلة المدارس في يوليو، التي ساهمت في تعزيز معدلات الاستهلاك والطلب.

3. ارتفاع تكاليف الكهرباء، خاصة مع عدم حصول بعض الأسر على الخصومات الحكومية المخصصة لدعم فواتير الطاقة.

هذه العوامل مجتمعة عمّقت الضغوط التضخمية، لتضع البنك المركزي الأسترالي في موقف أكثر تعقيداً من السابق.

موقف بنك الاحتياطي الأسترالي

تأتي البيانات الجديدة بعد يوم واحد فقط من محضر اجتماع بنك الاحتياطي الأسترالي لشهر أغسطس، حيث أعاد البنك تأكيد استعداده لخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر، شرط استمرار التراجع التدريجي للتضخم.

• في أغسطس، قام البنك بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، مبرراً ذلك بالتقدم في تهدئة الضغوط التضخمية، وبالمخاطر الاقتصادية المرتبطة بالاضطرابات التجارية العالمية.

• لكنه في يوليو كان قد أبقى على أسعار الفائدة دون تغيير، في خطوة غير متوقعة، على أساس توقعاته بأن التضخم سيتراجع تدريجياً.

ومع ذلك، فإن قراءة يوليو المفاجئة للتضخم تشير إلى أن مسار التضخم قد لا يتماشى مع توقعات البنك المركزي، ما يجعل قرارات السياسة النقدية المقبلة أكثر تعقيداً وحساسية.

ردود الأسواق على البيانات

أدت البيانات الاقتصادية الجديدة إلى تحركات ملحوظة في الأسواق:

• ارتفع الدولار الأسترالي مقابل نظيره الأميركي بنسبة 0.2% بعد صدور الأرقام إلى 0.6481.

• في المقابل، قلص مؤشر الأسهم الأسترالي ASX 200 مكاسبه المبكرة، حيث أبدى المستثمرون حذراً بشأن المسار المستقبلي للسياسة النقدية.

تحليلات الخبراء: مخاطر تراجع التيسير النقدي

أشار محللو مؤسسة Capital Economics إلى أن ارتفاع التضخم الأساسي في يوليو زاد من مخاطر تقليص تخفيضات الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الأسترالي.

كتبوا في مذكرة بحثية أن: "لا يزال أساسنا هو أن بنك الاحتياطي الأسترالي سيواصل تقديم ثلاثة تخفيضات أخرى لأسعار الفائدة، ولكن المخاطر تميل نحو تيسير أقل."

كما أوضحوا أن جزءاً كبيراً من ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك ناتج عن عناصر متقلبة قد يتجاهلها البنك المركزي، لكن الزيادة في التضخم الأساسي أكثر صعوبة في تجاهلها، وربما تمثل إشارة مبكرة على ارتداد التضخم بفعل تخفيضات الفائدة السابقة.

أما محللو IG، فأكدوا أن الأسواق بدأت بالفعل في إعادة تسعير توقعات خفض الفائدة بعد صدور بيانات الأربعاء، ما يعكس تراجع ثقة المستثمرين في استمرار وتيرة التيسير النقدي السابقة.

السياسة النقدية خلال 2025

منذ بداية العام، قام بنك الاحتياطي الأسترالي بخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات بإجمالي 75 نقطة أساس.

• كان الهدف من هذه التخفيضات دعم الاقتصاد المحلي في مواجهة الضغوط التجارية العالمية واحتواء التباطؤ في النمو.

• لكن مع ظهور مؤشرات على عودة الضغوط التضخمية، قد يجد البنك نفسه مضطراً إلى إبطاء أو تعليق سياسة التيسير النقدي مؤقتاً حتى تتضح الصورة الاقتصادية بشكل أكبر.

الخلاصة

تكشف بيانات التضخم الأسترالية لشهر يوليو عن مفترق طرق حاسم للسياسة النقدية. ففي الوقت الذي كان يتوقع فيه المستثمرون استمرار خفض الفائدة لدعم الاقتصاد، جاءت الأرقام لتشير إلى أن التضخم ما زال نشطاً وقد يعيق هذا المسار.

الأسواق الآن تترقب عن كثب قرارات بنك الاحتياطي الأسترالي المقبلة، حيث سيجد نفسه أمام معضلة مزدوجة: موازنة الحاجة لدعم الاقتصاد في مواجهة التحديات العالمية، مع ضرورة الحفاظ على استقرار الأسعار وكبح التضخم.