هبوط حاد في البيتكوين والعملات المشفرة عقب الغارات الإسرائيلية على إيران
شهدت أسواق العملات المشفرة تراجعاً ملحوظاً، وعلى رأسها عملة "بتكوين"، إثر الضربات الجوية الإسرائيلية على إيران فجر الجمعة، في تطور خطير يُنذر بتصعيد عسكري إقليمي واسع النطاق.
وتزامن هذا الانخفاض مع تحركات مماثلة في الأسواق العالمية التي اتجهت نحو الملاذات الآمنة، في ظل تزايد المخاوف من رد فعل إيراني قد يفتح باباً لصراع مفتوح في الشرق الأوسط.
أداء سعر البيتكوين اليوم
تراجعت عملة بتكوين، أكبر الأصول الرقمية من حيث القيمة السوقية، بنسبة تصل إلى 3% صباح الجمعة في أسواق سنغافورة، لتُتداول دون مستوى 103,000 دولار، بحسب بيانات جمعتها وكالة "بلومبرغ".
هذا الانخفاض المفاجئ أتى بعد أنباء عن انفجارات في العاصمة الإيرانية طهران، ما دفع المستثمرين إلى التخارج السريع من الأصول عالية المخاطر.
كما شهدت عملة إيثر (Ethereum)، ثاني أكبر العملات الرقمية، خسارة أكبر نسبياً بلغت نحو 7.6% في لحظة من لحظات التداول، في حين تكبدت العملات الرقمية الأصغر خسائر أكثر حدة، ما يعكس حجم الذعر السائد في السوق الرقمي.
خلفية الأحداث الجيوسياسية
أكدت وسائل إعلام محلية في إيران وقوع انفجارات متعددة في طهران، بينما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، فرض "حالة طوارئ خاصة" عقب "ضربة وقائية ضد إيران"، مشيراً إلى أن إسرائيل تتوقع رداً انتقامياً من إيران عبر طائرات مسيّرة وصواريخ.
وتُعد هذه الضربة واحدة من أكثر التحركات العسكرية الإسرائيلية جرأة في السنوات الأخيرة، مما زاد من حالة القلق في الأسواق العالمية، ودفع المستثمرين نحو تقليص تعرضهم للأصول عالية المخاطر، وعلى رأسها العملات المشفرة.
رد فعل السوق الرقمي: نظرة تحليلية
صرّحت كارولين مورون، الشريكة المؤسسة لشركة "أوربت ماركتس" المتخصصة في سيولة مشتقات العملات المشفرة، أن:
"العملات المشفرة تتفاعل سلباً مع أنباء الضربات الإسرائيلية، بما يتماشى مع سلوك الأصول الأخرى عالية المخاطر، مثل الأسهم."
وأضافت:
"نتوقع أن تجد بتكوين دعماً فنياً حول مستوى 101,000 دولار، لكن التطورات الجيوسياسية ستكون العامل الرئيسي في تحريك الأسعار خلال المدى القصير."
أما شون ماكنولتي، رئيس تداول المشتقات لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة الوساطة المالية "فالكون إكس"، فأوضح أن:
"رغم أن بتكوين تُتداول أحياناً كأداة تحوّط كلي، إلا أنه في أوقات التوتر الحاد، لا سيما في حالات الصراع العسكري المباشر، فإن السيولة تصبح أولوية تتجاوز السرد السائد في السوق."
وأكد ماكنولتي أن المتداولين يلجأون إلى تسييل مراكزهم وتحويلها إلى دولار أميركي، لتقليص تعرضهم للمخاطر وتقلبات السوق.
وفقاً لمنصة كوين غلاس (CoinGlass) لتحليلات سوق العملات المشفرة، تم تصفية مراكز شراء Long Positions بقيمة تفوق 1 مليار دولار أميركي خلال الـ 24 ساعة الماضية فقط، في موجة بيع جماعي سريعة عكست حالة الهلع التي اجتاحت المتداولين وفي مذكرة صادرة عن محلل الأسواق توني سيكامور لدى "آي جي"، حذّر من أن الوضع لا يزال قابلاً للتدهور، قائلاً:
"طالما أن هناك ترقباً ورد فعل محتملاً من إيران، فمن المرجح أن نشهد مزيداً من التدهور في معنويات المخاطرة، حيث يسعى المتداولون إلى خفض مراكزهم قبيل عطلة نهاية الأسبوع."
وفي أحدث تحديث، تم تداول عملة بتكوين عند مستوى 103,714 دولاراً بحلول الساعة 09:30 بتوقيت تركيا يوم الجمعة.
تداعيات الضربة على الأسواق المالية العالمية
لم تقتصر موجة القلق على سوق العملات الرقمية فقط، بل امتدت إلى الأسهم العالمية والعقود الآجلة للمؤشرات، والتي تراجعت بشكل جماعي مع تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية.
في المقابل، شهدت الملاذات الآمنة طلباً متزايداً، حيث ارتفعت عائدات سندات الخزانة الأميركية، وقفزت أسعار النفط الخام بأكثر من 9%، كما صعد الذهب في ظل سعي المستثمرين إلى التحوّط من أي صدمات مستقبلية في الأسواق.
التحول المؤسسي في سوق البيتكوين
عندما وافقت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على أول صندوق متداول للبيتكوين -العملة المشفرة الأشهر في العالم- في البورصة في يناير كانون الثاني 2024، شكك الكثيرون في إمكانية إحداثها تغييراً إيجابياً في عالم العملات المشفرة المليء بالتقلبات.
بعد أقل من 18 شهراً، تجاوزت أصول صندوق (آي شيرز بيتكوين ترست) «iShares Bitcoin Trust» التابع لشركة بلاك روك رسمياً 70 مليار دولار أميركي، ما يجعله أسرع صندوق مؤشر متداول نمواً في التاريخ.
أدى صعود صناديق بيتكوين المتداولة في البورصة إلى ما يُطلق عليه بعض المحللين المرحلة «المؤسسية للعملات المشفرة»، فبعد أن كانت تُعتبر سابقاً فئة أصول هامشية، أصبحت بيتكوين الآن جزءاً من محافظ الثروات وصناديق التقاعد وحتى المنتجات الاستثمارية المدعومة من البنوك.
وتدير بلاك روك وفيديليتي وفرانكلين تمبلتون -وجميعها أسماء معروفة في عالم المال- بشكل روتيني تعرّض عملائها للعملات المشفرة.
تجاوز صندوق بيتكوين المتداول في البورصة التابع لبلاك روك رسمياً 70 مليار دولار من الأصول المدارة لأول مرة، واستغرق الأمر 341 يوم تداول فقط للوصول إلى هذا الحد، وهو الأسرع لأي صندوق تداول متداول على الإطلاق.
وتجاوز هذا أيضاً الرقم القياسي السابق البالغ 1691 يوماً الذي سجله صندوق الذهب المتداول في البورصة والذي كان أبطأ بخمس مرات.
بالمقارنة بالنسبة لصندوق تداول مؤشر ستاندرد آند بوزر 500 في البورصة، فقد احتاج 1701 يوم من أجل تحقيق هذا الإنجاز في الوقت نفسه ارتفعت قيمة بيتكوين بنسبة 57 في المئة خلال العام الماضي
خاتمة: مستقبل بتكوين رهن بالأحداث الجيوسياسية
على الرغم من المكاسب المؤسسية الطويلة الأمد التي حققتها "بتكوين"، فإن التطورات السياسية والأمنية المفاجئة لا تزال تُلقي بظلالها على السوق. وتُظهر التحركات الأخيرة أن العملات المشفرة، رغم كونها أدوات استثمارية مبتكرة، تبقى مرتبطة بشكل وثيق بتقلبات البيئة الجيوسياسية.
وفي الوقت الذي يراقب فيه المستثمرون عن كثب تداعيات الضربة الإسرائيلية ورد إيران المحتمل، فإن مسار "بتكوين" والعملات المشفرة سيكون مرهوناً إلى حد كبير بمسار التصعيد أو التهدئة في الشرق الأوسط.