البتكوين تهبط لأدنى مستوى منذ مايو وسط ضغوط بيعية قوية وتقلّص رهانات خفض الفائدة

تشهد أسواق العملات الرقمية واحدة من أكثر الفترات اضطراباً منذ بداية العام، بعدما تراجعت أسعار البتكوين بشكل حاد لتكسر حاجز 95 ألف دولار، في انعكاس واضح لضغوط بيع قوية تضرب سوق الأصول الرقمية وتعيد تشكيل توقعات المستثمرين بشأن المسار المستقبلي للعملة الأكبر في العالم.

أدى هذا الهبوط السريع إلى محو معظم المكاسب التي كانت البتكوين قد حققتها منذ مطلع عام 2025، حيث انكمشت الزيادة السنوية المتبقية إلى نحو 1% فقط، مقارنةً بارتفاع تجاوز 35% في ذروة شهر أكتوبر الماضي.

عند تلك الذروة، كان التفاؤل المؤسسي وتدفقات الصناديق الداعمة يدفعان بالعملة نحو مستويات قياسية، في ظل موجة شراء قوية غذّتها توقعات بمزيد من التدفقات المؤسسية والإقبال على المنتجات الاستثمارية المرتبطة بالعملات المشفرة.

هذا الأداء الضعيف يأتي بعد عامين اعتبرا استثنائيين في تاريخ العملة، إذ ارتفعت البيتكوين بنسبة 157% في عام 2023، ثم سجلت مكاسب إضافية قدرها 120% في عام 2024، مدفوعة باعتماد مؤسسي متزايد وإطلاق أدوات مالية جديدة جذبت طبقة واسعة من المستثمرين.

التراجع الحالي، بحسب تحليلات السوق، يعكس حالة من الحذر الشديد لدى المستثمرين وتقلبات حادة في شهية المخاطرة، ما يجعل حركة البتكوين خلال الفترة المقبلة مرهونة بصورة كبيرة بتطورات السيولة العالمية وتوجهات السياسة النقدية لدى البنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

أداء سعر البيتكوين اليوم

في أحدث تداولات اليوم عند الساعة 11:40 بتوقيت تركيا، سجلت البتكوين مستوى 96,140 دولاراً، بعدما انخفضت خلال الجلسة إلى 93,910 دولارات، وهو أدنى مستوى منذ 7 مايو.

جاء هذا الهبوط وسط موجة ضغوط واسعة على الأصول عالية المخاطر خلال الأيام الماضية، بعد أن تراجعت رهانات السوق بشأن إمكانية خفض أسعار الفائدة في ديسمبر. هذا التراجع جاء نتيجة لهجة أكثر حذراً من قبل عدد متزايد من صانعي السياسة في الاحتياطي الفيدرالي، الذين أشاروا إلى ضرورة التريث قبل إجراء مزيد من التيسير النقدي.

وقد دفع هذا التحول المستثمرين إلى تقليص مراكزهم في العملات المشفرة، التي تعتمد بشكل جوهري على توقعات السيولة الرخيصة، مما زاد الضغط على الأسعار وأدى إلى خروج سريع ومكثف من السوق.

بحسب البيانات الحديثة، سجلت سوق العملات المشفرة خسائر ضخمة بلغت تريليون دولار من قيمتها السوقية مقارنة بذروتها في السابع من الشهر الماضي، حيث تراجعت القيمة الإجمالية من نحو 4.28 تريليون دولار إلى 3.28 تريليون دولار اليوم. هذا الانخفاض يعكس حجم الضغوط المتصاعدة، وتشير التوقعات إلى إمكانية استمرار الهبوط، خصوصاً بالنسبة للبتكوين.

هل تهبط البتكوين إلى 90 ألف دولار؟

بحسب البيانات الأخيرة، هبط سعر البتكوين بنسبة 20% خلال 17 يوماً فقط، متراجعةً من مستوى ذروة قريب من 116 ألف دولار إلى حدود 97,168 دولاراً، فيما خسرت نحو 6% خلال 24 ساعة فقط.

عوامل رئيسية وراء الانخفاض الحاد

تشمل الأسباب المباشرة لهذه الموجة من التراجع:

• تدفقات خارجة تاريخية من صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs).

• عمليات بيع مكثفة من قبل حاملي العملة على المدى الطويل.

• إشارات فنية سلبية عززت موجة البيع.

ووفقاً لبيانات «كوين ماركت كاب»، فقد شهدت الصناديق الأميركية المتداولة لبيتكوين عمليات خروج ضخمة بلغت حوالي 869 مليون دولار في يوم واحد، وهو ثاني أكبر تدفق خارجي يومي في تاريخ هذه الصناديق.

خبراء: البتكوين لم تعد ملاذاً آمناً في هذه المرحلة

قال جورج خوري، رئيس قسم الأبحاث والتعليم في شركة «سي إف آي» CFI، إن العملات المشفرة، وعلى رأسها بيتكوين، لم تعد تُعتبر ملاذاً آمناً كما كانت في بداية العام الجاري، مشيراً إلى أن ما يحدث حالياً هو بداية عملية تصحيح طبيعية بعد موجة الارتفاع القياسية السابقة.

وأضاف خوري أن السياسة النقدية الأميركية، وما رافقها من تراجع في توقعات تخفيض الفائدة نتيجة الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة، شكّلت عاملاً ضاغطاً على الأصول عالية المخاطر. كما ساهم "التناغم بين قطاع التكنولوجيا والأصول الرقمية" في زيادة الضغط على العملات المشفرة ومعنويات المستثمرين.

التحليل الفني للبيتكوين

من منظور فني، يرى خوري أن مستويات 96,000 – 98,000 دولار تمثل منطقة دعم رئيسية تحدد المسار القادم للبتكوين. وفي حال كسر هذه المستويات، قد تهبط العملة مجدداً نحو 90 ألف دولار أو أقل، لكنه يرى أن هذا السيناريو — حتى لو وقع — لن يستمر طويلاً.

خوري أكد أن الأسابيع المقبلة ستشهد تركيزاً مكثفاً من قبل المستثمرين على البيانات الاقتصادية الصادرة عن الولايات المتحدة، والتي ستكون العامل الأكثر تأثيراً في تحديد اتجاه البتكوين، سواء نحو تعافٍ جديد أو نحو مرحلة تراجع أعمق.

الخلاصة

تراجعت البتكوين بقوة لتكسر مستوى 95 ألف دولار، ما أدى إلى محو معظم مكاسبها منذ بداية 2025 وانكماش مكاسبها السنوية إلى 1% فقط، بعد أن كانت قد تجاوزت 35% في أكتوبر. يأتي هذا الهبوط عقب عامين من الارتفاعات الاستثنائية، لكنه يعكس حالياً ضغوط بيع واسعة وتراجع شهية المخاطرة نتيجة انخفاض توقعات خفض الفائدة الأميركية.

القيمة السوقية للعملات المشفرة خسرت نحو تريليون دولار خلال شهر، فيما سجلت البتكوين أكبر موجة خروج من صناديق الاستثمار المتداولة منذ أشهر، مع عمليات بيع من حامليها على المدى الطويل وإشارات فنية سلبية.

ويرى محللون أن مستويات الدعم بين 96 و98 ألف دولار هي الفاصلة، وفي حال كُسرت قد تهبط العملة نحو 90 ألف دولار، لكن التوقعات تشير إلى أن أي تراجع محتمل لن يدوم طويلاً. ويظل المسار القادم للعملة مرتبطاً بشكل أساسي بالبيانات الاقتصادية الأميركية وتوجهات السياسة النقدية خلال الأسابيع المقبلة.