مصرف سورية المركزي يعلن إعداد التعليمات التنفيذية لقانون المصارف الاستثمارية

في خطوة جديدة تؤكد توجه سورية نحو تحديث المنظومة المالية وتعزيز بيئة الاستثمار والشفافية، أعلن مصرف سورية المركزي إعداد مشروع التعليمات التنفيذية لقانون المصارف الاستثمارية رقم (56) لعام 2010، بالتوازي مع العمل على إحداث مديرية متخصصة لحماية المستهلك في الخدمات المالية.


وتأتي هذه التحركات في إطار رؤية متكاملة تهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس مؤسساتية حديثة، تواكب المتغيرات الإقليمية والدولية، وتدعم مسار إعادة الإعمار والتنمية المستدامة.

قانون المصارف الاستثمارية 

خطوة نوعية لتطوير المنظومة المالية والمصرفية

أكد حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور عبد القادر الحصرية عبر منشور على صفحته الشخصية في فيسبوك أن إعداد مشروع التعليمات التنفيذية لقانون المصارف الاستثمارية يمثل “خطوة نوعية على طريق تطوير المنظومة المالية والمصرفية في سورية وتلبية الحاجات التمويلية لإعادة الإعمار”.

 

وأوضح الحصرية أن القانون رقم (56) يشكل محطة مفصلية في تنظيم وترخيص المصارف الاستثمارية، من حيث دوره في تعزيز بيئة الاستثمار الوطني بما يتماشى مع التحولات الإقليمية والدولية في مجال الخدمات المالية، ويتيح فرصاً جديدة لتدفق رؤوس الأموال باتجاه القطاعات الإنتاجية والمشروعات الاستراتيجية.

أهداف القانون وتعليماته التنفيذية

وأشار الحاكم إلى أن القانون وتعليماته التنفيذية يهدفان إلى تنظيم عمل المصارف الاستثمارية وفق أفضل الممارسات والمعايير الدولية، وتمكين القطاع المالي السوري من أداء دور فاعل في تمويل مشاريع التنمية وإعادة الإعمار.


كما يركز القانون على تحقيق التوازن بين تشجيع الاستثمارات الخاصة وضمان الرقابة العامة والشفافية المؤسسية، إضافة إلى تعزيز حماية المستثمرين وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة والمسؤولية المؤسسية في إدارة المؤسسات المالية.

دور المصارف الاستثمارية في الاقتصاد السوري

يرى حاكم المصرف المركزي أن ترخيص المصارف الاستثمارية في سورية، عقب صدور التعليمات التنفيذية المرتقبة، سيُشكل خطوة استراتيجية نحو بناء اقتصاد سوري حديث قائم على الاستثمار والشفافية والمساءلة، ويمهد لإطلاق مرحلة جديدة من النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، بما يعزز موقع سورية كمركز مالي واستثماري فاعل ومؤثر في المنطقة.

 

ويُعرّف القانون رقم (56) المصرف الاستثماري بأنه مؤسسة مالية تهدف إلى تمويل النشاط الاستثماري للقطاع الخاص والمساهمة في تمويل مشاريع القطاع العام الاقتصادي، إضافة إلى تقديم الخدمات الاستشارية والمساهمة في تأسيس الشركات، وفق الضوابط المنصوص عليها في القانون.

رأس المال والمساهمة الأجنبية

وتنص مواد القانون على أن رأس مال المصرف الاستثماري لا يقل عن عشرين مليار ليرة سورية، كما تسمح مواده، بقرار من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح مجلس النقد والتسليف، بقبول زيادة نسبة مساهمة الشخص الاعتباري المتخصص في أعمال المصرف – بغض النظر عن جنسيته – بما لا يتجاوز 49% من رأسمال المصرف.


ويُسمح بتسديد قيمة مساهمات العرب والأجانب والسوريين غير المقيمين بالقطع الأجنبي، ما يعكس انفتاحاً مدروساً على رؤوس الأموال الأجنبية ضمن إطار رقابي واضح.

إنشاء مديرية متخصصة لحماية المستهلك في الخدمات المالية

وفي سياق متصل، أعلن الدكتور عبد القادر الحصرية أن مصرف سورية المركزي بصدد إحداث مديرية متخصصة لحماية المستهلك في الخدمات المالية، وذلك بهدف ترسيخ مبادئ العدالة والمساءلة في تعامل المؤسسات المالية مع عملائها، وتعزيز الشفافية وحماية حقوق المتعاملين.

 

وأوضح الحاكم أن القرار يأتي في وقت يواجه فيه القطاع المالي مجموعة من التحديات المرتبطة بـ حماية المستهلك وتطوير جودة الخدمات، مؤكداً أن إنشاء المديرية الجديدة يعكس توجه المصرف نحو تعزيز الثقة بالقطاع المالي وضمان بيئة مصرفية أكثر توازناً وإنصافاً.

مهام المديرية الجديدة

وستتولى المديرية وفق ما أعلن الحاكم المهام التالية:

  • وضع الأطر التنظيمية والتشريعية الكفيلة بحماية حقوق المستهلك المالية.

  • استقبال الشكاوى ومعالجتها ضمن إجراءات شفافة وعادلة.

  • مراقبة التزام المؤسسات المالية بمعايير السلوك المهني والإنصاف.

  • تنفيذ برامج توعية مالية لرفع مستوى الثقافة المصرفية لدى الجمهور.

وأشار الحصرية إلى أن المصرف المركزي يعمل حالياً على إعداد مشروع قانون لحماية المستهلك في الخدمات المالية، يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية ويهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي في سورية.

آراء الخبراء – خطوة نوعية لكن مشروطة بالتطبيق العملي

في تعليق على هذه المبادرة، قال الدكتور عبد الرحمن محمد، أستاذ التمويل والمصارف في كلية الاقتصاد بجامعة حماة، في تصريح لصحيفة الوطن، إن مبادرة مصرف سورية المركزي بإنشاء مديرية متخصصة لحماية المستهلك في الخدمات المالية تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الشفافية والعدالة في القطاع المالي، وتؤكد التزام المصرف بتطوير البنية التحتية المالية وحماية حقوق المتعاملين وتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية.

 

وأضاف الدكتور محمد أن نجاح هذه المبادرة يعتمد بشكل أساسي على تطبيقها الفعلي على أرض الواقع، وقدرتها على مواجهة التحديات الهيكلية التي يعاني منها القطاع المالي السوري.

 

وأوضح أستاذ الاقتصاد أنه لضمان تطبيق مبادئ العدالة والشفافية، يجب أن تعمل المديرية على وضع أطر تنظيمية واضحة تُلزم المؤسسات المالية بمعايير السلوك المهني والإنصاف، مع تفعيل آليات رقابة صارمة على شركات الحوالات والصرافة، وفرض عقوبات رادعة على المخالفين.

 

وأشار إلى إمكانية تحقيق ذلك عبر إنشاء قاعدة بيانات مركزية لمراقبة العمليات المالية، وتعزيز التعاون مع الجهات الأمنية والرقابية لمكافحة السوق السوداء وصرافي الطرقات، إضافة إلى توفير قنوات اتصال مباشرة وسهلة للمواطنين للإبلاغ عن أي تجاوزات.

التحديات المحتملة أمام المديرية

وبيّن محمد أن أبرز التحديات التي قد تواجه المديرية تتمثل في:

  • ضعف البنية التحتية التقنية اللازمة لمراقبة العمليات المالية.

  • نقص الكوادر المؤهلة في مجال حماية المستهلك المالي.

  • مقاومة بعض المؤسسات المالية للتغيير بسبب تضارب المصالح أو غياب ثقافة المساءلة.

تسهيل آلية استقبال الشكاوى وضمان السرية

وحول آلية استقبال الشكاوى، أكد الدكتور محمد ضرورة أن تكون عملية تقديم الشكاوى سهلة ومباشرة، سواء عبر الإنترنت أو من خلال مكاتب مخصصة في المصارف، مع ضمان سرية بيانات المشتكي وحمايته من أي تبعات قد تؤثر على تعاملاته المصرفية.

 

كما شدد على أهمية الشفافية في معالجة الشكاوى عبر إصدار تقارير دورية توضّح عدد الشكاوى وطريقة معالجتها، ما يعزز الثقة في النظام المصرفي، إضافة إلى ضرورة وجود إطار قانوني واضح يضمن حق المواطن في المطالبة بحقوقه دون تعقيدات بيروقراطية.

برامج التوعية المالية ودورها في بناء ثقافة مصرفية

وفيما يتعلق ببرامج التوعية المالية، اعتبر أستاذ الاقتصاد أنها تلعب دوراً محورياً في تغيير السلوك المالي لدى المواطنين، من خلال رفع مستوى الوعي بحقوقهم وواجباتهم وتعزيز ثقتهم بالمؤسسات المالية الرسمية.

 

وأشار إلى أن هذه البرامج تسهم في تحسين القرارات المالية وتمكين الأفراد من اختيار القروض المناسبة أو الاستثمار الآمن، وتقليل الأمية المالية عبر حملات توعية تستهدف الفئات الأكثر تأثراً مثل الشباب والنساء من خلال الإعلام وورش العمل.


لكنه نبه إلى أن استمرارية هذه البرامج وتكيّفها مع احتياجات المجتمع يعدان شرطين أساسيين لنجاحها.

مشروع قانون حماية المستهلك المالي

وأكد الدكتور محمد أن مشروع قانون حماية المستهلك في الخدمات المالية يُعد خطوة أساسية، لكنه غير كافٍ بمفرده لاستعادة الثقة بالقطاع المالي.
وأوضح أن نجاحه يتطلب بيئة تشريعية ومؤسسية متكاملة تشمل:

  • تعزيز استقلالية القضاء المالي لضمان تطبيق القانون بعدالة وشفافية.

  • تطوير البنية التحتية التقنية لمراقبة العمليات وتنفيذ التشريعات.

  • التنسيق بين الجهات الرقابية مثل المصرف المركزي ووزارة المالية والجهات الأمنية.

  • إشراك المجتمع المدني لضمان تمثيل مصالح المواطنين في صياغة وتنفيذ السياسات المالية.

 

خاتمة: نحو نظام مالي شفاف وعادل

وختم الدكتور محمد تصريحه قائلاً إن إنشاء مديرية متخصصة لحماية المستهلك المالي يمثل خطوة إيجابية في مسار تطوير القطاع المالي السوري، ويعزز الثقة بين المواطن والمؤسسات المصرفية.


وأكد أن نجاح هذه المبادرة يتطلب مواجهة التحديات الهيكلية التي يعاني منها القطاع وتوفير بيئة تشريعية ومؤسسية داعمة، مشدداً على أن التوعية المالية وبناء ثقافة مصرفية سليمة لدى المواطنين تُعدان شرطاً أساسياً لضمان استدامة الإصلاحات.

 

وختم بالقول: “تحقيق العدالة والشفافية في القطاع المالي ليس هدفاً قصير المدى، بل عملية مستمرة تتطلب التزاماً طويل الأمد من جميع الأطراف المعنية.”

تم التحديث في: الاثنين, 06 تشرين الأول 2025 10:43
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول