اليوان الصيني يرتفع أمام الدولار الأمريكي رغم التوترات التجارية بين أميركا والصين

شهدت الأسواق المالية الآسيوية يوم الأربعاء تحركات لافتة في أسعار صرف اليوان الصيني، حيث ارتفعت العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي رغم استمرار الضغوط الاقتصادية الداخلية وتصاعد التوترات التجارية بين بكين وواشنطن.

 

هذا الارتفاع، الذي فاجأ بعض المتعاملين في سوق العملات، جاء نتيجة إشارة واضحة من بنك الشعب الصيني إلى التزامه الصارم بالحفاظ على استقرار العملة، بما يعكس استراتيجية نقدية متزنة تهدف إلى تهدئة الأسواق ومنع أي تذبذبات حادة قد تهدد الثقة في الاقتصاد الصيني.

 

ورغم الظروف الصعبة التي تواجهها الصين – من تباطؤ اقتصادي مستمر وأزمة عقارية ممتدة إلى تحديات تجارية متزايدة مع الغرب – فإن تحركات اليوان الأخيرة تظهر أن بكين لا تنوي استخدام العملة كسلاح تجاري أو كوسيلة لتحفيز الصادرات، بل تسعى إلى تعزيز مكانتها كعملة مستقرة نسبياً في النظام المالي العالمي.

أداء اليوان الصيني اليوم

قام بنك الشعب الصيني يوم الأربعاء بتثبيت سعر صرف اليوان في منتصف النطاق عند 7.0995 مقابل الدولار الأميركي، وهو أقوى مستوى منذ السادس من نوفمبر، متجاوزاً حاجز 7.1 الذي يُعتبر نقطة مراقبة حرجة لدى المستثمرين والمحللين.


هذا التثبيت القوي من البنك المركزي أرسل إشارة واضحة للأسواق مفادها أن السلطات النقدية الصينية مستعدة للتدخل بحزم لدعم العملة إذا اقتضت الحاجة، وأنها لن تسمح بانخفاض حاد قد يؤدي إلى اضطرابات مالية أو إلى هروب رؤوس الأموال.

 

في السوق المحلية، ارتفع اليوان إلى أعلى مستوى في أسبوع مسجلاً 7.1252 مقابل الدولار قبل أن يقلص جزءاً من مكاسبه، بينما ارتفع في السوق الخارجية إلى 7.1287، بزيادة قدرها 0.16% خلال التداولات الآسيوية.


ويُعتبر هذا الأداء إيجابياً بالنظر إلى الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها اليوان منذ أشهر، مع تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع التوترات التجارية والسياسية.

اليوان يتجاهل التصريحات العدائية بين واشنطن وبكين

جاء صعود اليوان رغم الأجواء المشحونة بين الولايات المتحدة والصين، حيث لمح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى احتمال تقليص بعض الروابط التجارية مع الصين، بما في ذلك واردات زيوت الطهي، في خطوة تمثل تصعيداً جديداً في السجال التجاري المستمر منذ سنوات بين أكبر اقتصادين في العالم.


هذا التلميح أثار مخاوف من عودة الحروب التجارية إلى الواجهة، خاصة أن واشنطن وحلفاءها في الاتحاد الأوروبي أعلنوا عزمهم على مواجهة القيود الصينية على صادرات المعادن النادرة، وهي معادن استراتيجية تدخل في صناعات التكنولوجيا والطاقة المتقدمة.

 

هذه التطورات قد تضع اليوان أمام اختبارات جديدة خلال الأشهر المقبلة، إذ أن أي تصعيد إضافي قد يزيد الضغط على العملة الصينية ويختبر قدرة البنك المركزي على الحفاظ على الاستقرار النسبي. ومع ذلك، فإن التحركات الأخيرة تشير إلى أن الصين تراهن على الثقة المحلية والدولية بمرونتها الاقتصادية أكثر من اعتمادها على التنافس عبر خفض العملة.

تحليل Goldman Sachs: بكين لن تستخدم ضعف العملة كسلاح اقتصادي

في تعليق تحليلي حديث، أكد محللو غولدمان ساكس أن بكين unlikely أن تسمح بضعف العملة لمواجهة الرسوم الجمركية الأميركية، مشيرين إلى أن ذلك قد يثير تدفقات رأسمالية خارجة تهدد استقرار النظام المالي الداخلي.


وأوضح البنك أن القدرات التنافسية للصناعة الصينية لا تزال قوية بفضل تطورها التكنولوجي وتكامل سلاسل التوريد، وبالتالي فإن السماح بضعف اليوان لن يكون حلاً جذاباً أو ضرورياً في الوقت الحالي.

 

وأشار التقرير إلى أن بنك الشعب الصيني وجّه سعر تثبيت اليوان تدريجياً نحو الانخفاض بمقدار يتراوح بين 200 و300 نقطة أساس شهرياً خلال الفترة من مايو إلى أغسطس، وذلك في محاولة لجعل العملة تواكب تحركات العملات الأخرى في ظل بيئة ضعف الدولار.


كما يسمح البنك بتداول اليوان الفوري ضمن هامش ±2% حول السعر اليومي، ما يمنحه قدراً من المرونة التي تتيح استيعاب التقلبات دون التخلي عن الاستقرار العام.

الضغوط الانكماشية والاقتصاد المحلي تحت الاختبار

على الصعيد الداخلي، أظهرت البيانات الرسمية الصادرة يوم الأربعاء أن الاقتصاد الصيني لا يزال يواجه ضغوطاً انكماشية ملحوظة، إذ تراجعت أسعار المستهلكين والمنتجين خلال سبتمبر نتيجة أزمة قطاع العقارات الممتدة وضعف ثقة المستهلكين والشركات.


يُعد هذا التراجع استمراراً لسلسلة من المؤشرات السلبية التي تعكس هشاشة التعافي الاقتصادي الصيني، رغم السياسات التحفيزية التي أطلقتها الحكومة في الأشهر الأخيرة لدعم الطلب المحلي وتحفيز القطاعات الإنتاجية.

 

ومع ذلك، فإن صحيفة مدعومة من البنك المركزي نقلت عن مسؤول صيني رفيع قوله إن الصين ستبقي سعر صرف اليوان مستقراً عند مستويات "معقولة ومتوازنة"، ما يعني أن السلطات تدرك تماماً أهمية استقرار العملة في الحفاظ على التوازن بين النمو الاقتصادي وجاذبية الاستثمارات الأجنبية.

الدولار الأميركي يتراجع بعد تصريحات باول

في المقابل، تراجع مؤشر الدولار الأميركي أمام سلة من العملات الرئيسية بنسبة 0.185% إلى مستوى 98.88، بعد أن عززت تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول رهانات الأسواق على خفض أسعار الفائدة الأميركية خلال الشهر الحالي.


هذا التراجع في الدولار ساهم بدوره في دعم العملة الصينية، إذ إن ضعف الدولار عالمياً يمنح اليوان مساحة للتحرك الإيجابي دون الحاجة إلى تدخلات قوية.

تحليل شامل: التوازن الصيني بين التحديات والسياسات النقدية

يُظهر المشهد العام أن الصين تسير بخطى حذرة ومدروسة في تعاملها مع سعر صرف اليوان، فهي تحاول تحقيق التوازن بين ثلاثة أهداف رئيسية:

  1. دعم النمو الاقتصادي الداخلي دون إثارة التضخم أو هروب رؤوس الأموال.

  2. الحفاظ على استقرار العملة لتجنب زعزعة الثقة في الأسواق الدولية.

  3. مواجهة الضغوط الخارجية الناتجة عن سياسات واشنطن وشركائها التجاريين.

ومع استمرار التوترات التجارية وتباطؤ الاقتصاد العالمي، يتضح أن السياسة النقدية الصينية تسعى إلى تعزيز الانضباط المالي وإرسال رسالة للأسواق بأن اليوان ليس أداة سياسية، بل عملة مدعومة بمؤسسات مالية قوية واحتياطات ضخمة من النقد الأجنبي.


هذا النهج قد يجعل اليوان على المدى المتوسط أحد أكثر العملات الآسيوية استقراراً، رغم العواصف الجيوسياسية المحيطة به.

 

خاتمة

ارتفاع اليوان أمام الدولار في ظل الظروف الراهنة لا يُعد مجرد تحرك فني أو استجابة مؤقتة للأسواق، بل هو رسالة سياسية واقتصادية في آنٍ واحد من بكين إلى العالم مفادها أن استقرار العملة الوطنية جزء أساسي من استراتيجية الصين للحفاظ على مكانتها كقوة اقتصادية عالمية.


ومع اقتراب نهاية العام، ستبقى الأنظار مركزة على تحركات البنك المركزي الصيني، وعلى مدى قدرته على الموازنة بين دعم الاقتصاد المحلي ومواجهة التحديات العالمية المتزايدة.

تم التحديث في: الأربعاء, 15 تشرين الأول 2025 12:10
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول