اليوان الصيني يهبط لأدنى مستوى في أسبوع بعد قرار خفض الفائدة لأول مرة منذ أكتوبر 2024
شهدت العملة الصينية تراجعًا ملحوظًا خلال تداولات يوم الثلاثاء في السوق الآسيوية، حيث انخفض اليوان الصيني مقابل سلة من العملات العالمية، مسجلًا أدنى مستوياته في أسبوع، وذلك في أعقاب قرار بنك الشعب الصيني خفض أسعار الفائدة الرئيسية لأول مرة منذ أكتوبر 2024، في خطوة تهدف إلى دعم الاقتصاد المتباطئ وتخفيف تداعيات التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.
وترافق ذلك مع تغيرات مهمة في سوق العملات، وتصريحات من كبار الاقتصاديين بشأن مستقبل السياسة النقدية في الصين.
أداء اليوان الصيني اليوم
تواصل الضغط البيعي على اليوان الصيني في الأسواق المالية الآسيوية، حيث سجلت العملة الصينية يوم الثلاثاء انخفاضًا جديدًا مقابل الدولار الأمريكي وسلة من العملات العالمية وجاء هذا التراجع لليوم الثالث على التوالي، ليصل اليوان إلى أدنى مستوى له في أسبوع، متأثرًا بشكل مباشر بالإجراءات الجديدة التي اتخذها بنك الشعب الصيني ضمن سياسته النقدية.
ويُعزى هذا الهبوط بشكل رئيسي إلى إعلان البنك المركزي الصيني عن خفض أسعار الفائدة الرئيسية، في خطوة وصفت بأنها الأولى من نوعها خلال عام 2025، وتهدف إلى تحفيز الاقتصاد الصيني الذي يواجه تحديات كبيرة على رأسها الحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة.
أداء سعر صرف اليوان الصيني في تداولات اليوم
في تفاصيل أداء العملة، ارتفع الدولار الأمريكي مقابل اليوان الصيني بنسبة 0.2% ليصل إلى مستوى 7.2260، وهو الأعلى منذ 12 مايو الجاري، مقارنة بسعر افتتاح تداولات اليوم عند 7.2125، في حين تم تسجيل أدنى مستوى عند 7.2093.
وكان اليوان قد أنهى تعاملات يوم الإثنين الماضي على انخفاض بنسبة 0.1% أمام الدولار الأمريكي، لتكون تلك الخسارة اليومية الثانية على التوالي، مدفوعة ببيانات اقتصادية سلبية صدرت مؤخرًا بشأن مبيعات التجزئة في الصين، والتي عكست تباطؤ النشاط الاستهلاكي المحلي.
الصين تخفض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أكتوبر 2024
في تحرك لافت للأسواق، أعلن بنك الشعب الصيني عن قراره خفض أسعار الفائدة الرئيسية على الإقراض بمقدار 10 نقاط أساس، وذلك بعد سلسلة من الإجراءات التي تبنتها بكين مؤخرًا ضمن إطار التيسير النقدي لدعم الطلب المحلي المتراجع. وتزامن هذا القرار مع مفاجأة الأسواق بإعلان هدنة مؤقتة في النزاع التجاري مع الولايات المتحدة.
وشمل القرار تخفيض الفائدة على القروض لمدة عام واحد من 3.1% إلى 3.0%، إلى جانب خفض الفائدة على القروض لمدة خمس سنوات – والتي تُعد معيارًا رئيسيًا لقروض الرهن العقاري – من 3.6% إلى 3.5%. وتُعد هذه الخطوة أول خفض لتلك المعدلات منذ أكتوبر 2024، ما يعكس توجهاً أكثر وضوحًا نحو تحفيز الاقتصاد.
وفي خطوة متزامنة، أعلنت أربعة من أكبر البنوك الحكومية في الصين يوم الثلاثاء عن قرارها خفض الفائدة على الودائع بما يصل إلى 25 نقطة أساس، في إشارة إلى تنسيق السياسة النقدية على نطاق واسع لتشجيع الإنفاق والاستثمار.
ويجدر بالذكر أن أسعار الفائدة قصيرة الأجل (لمدة عام) تُستخدم كمرجعية لقروض الشركات ومعظم القروض الشخصية، بينما تُستخدم أسعار الفائدة لمدة خمس سنوات لتحديد معدلات الفائدة على الرهون العقارية.
توقعات باستمرار التيسير النقدي في الصين خلال 2025
بحسب مذكرة بحثية صادرة عن شركة "كابيتال إيكونومكس"، نقلتها شبكة CNBC، يتوقع زيتشون هوانغ، كبير الاقتصاديين لدى الشركة، أن يواصل بنك الشعب الصيني تبني سياسة تيسيرية خلال العام الجاري.
وأشار هوانغ إلى احتمال خفض إضافي بمقدار 40 نقطة أساس في معدلات الإقراض قبل نهاية 2025، في ظل الحاجة الملحة لتحفيز الاقتصاد الصيني ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
من جانبه، صرّح تينغ لو، كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك "نومورا"، أن الحكومة الصينية ستجد صعوبة كبيرة في تحقيق هدفها للنمو الاقتصادي والمقدر بنحو 5%، ما لم تُطلق حزمة تحفيز كبيرة وشاملة لدعم مختلف القطاعات الاقتصادية.
وأوضح لو أن هدوء الحرب التجارية مع الولايات المتحدة قد يخفف من الضغوط السياسية والاقتصادية على بكين، لكنه في الوقت ذاته قد يقلل من دافعها لتطبيق إصلاحات هيكلية أو تنفيذ برامج تحفيزية واسعة النطاق.
وفي السياق نفسه، قام الخبير الاقتصادي في شؤون الصين لدى بنك "Denske Bank"، آلان فون مهرن، بتعديل توقعاته المستقبلية لسعر صرف اليوان الصيني في الأسواق الخارجية خلال الاثني عشر شهرًا القادمة، حيث خفض هدفه من 7.35 إلى 7.15.
وأوضح مهرن أن هذا التعديل يأتي في ضوء تراجع حدة التوترات التجارية، إلى جانب تأكيد السلطات الصينية على التزامها بسياسة استقرار سعر صرف العملة المحلية.
رفع توقعات النمو الاقتصادي للصين بعد هدنة تجارية مع واشنطن
شهدت الأسواق موجة من التفاؤل الحذر عقب الاتفاق المؤقت بين الصين والولايات المتحدة على تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا. وأدى هذا الاتفاق إلى قيام العديد من البنوك الاستثمارية العالمية برفع توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني خلال العام الجاري، رغم حالة الضبابية التي لا تزال تحيط بمسار المفاوضات التجارية بين الجانبين.
هذا التطور يعكس تحسنًا نسبيًا في مناخ الأعمال والاستثمار، لكنه لا يلغي المخاوف من استمرار التباطؤ في بعض القطاعات الحيوية، لا سيما قطاع العقارات والتصدير.
استقرار العملات وتحركات في الدولار الأسترالي
على صعيد العملات الآسيوية، شهدت معظمها، إلى جانب الدولار الأمريكي، حالة من الاستقرار يوم الثلاثاء، وذلك قبيل تصويت مرتقب في الولايات المتحدة على مشروع قانون يتعلق بتخفيضات ضريبية شاملة. وفي المقابل، سجل الدولار الأسترالي تراجعًا طفيفًا مع ترقب الأسواق لقرار بنك الاحتياطي الأسترالي بشأن أسعار الفائدة لاحقًا خلال اليوم نفسه.
أما مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من العملات الرئيسية، فقد استقر دون تغيير يُذكر، بعد أن سجل انخفاضًا في الجلسات السابقة.
تحذير وكالة موديز وتأثيره على معنويات المستثمرين
تأثرت الأسواق أيضًا بتقرير صادر عن وكالة التصنيف الائتماني العالمية "موديز"، التي قررت خفض التصنيف الاستثماري للولايات المتحدة بدرجة واحدة، وذلك بسبب استمرار ارتفاع الدين العام الأمريكي، الذي بلغ مؤخرًا حوالي 36 تريليون دولار.
ويرى مراقبون أن تمرير مشروع قانون التخفيضات الضريبية الشاملة المقترح من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في عجز الميزانية، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم الضغوط على الوضع المالي الأمريكي، ويؤثر على أداء الدولار مستقبلاً.
خلاصة وتوقعات مستقبلية
يبدو أن الاقتصاد الصيني يدخل مرحلة جديدة من التحديات والفرص، في ظل تحركات نقدية مدروسة من قبل السلطات لتخفيف الضغوط وتحفيز النمو. وفي الوقت نفسه، فإن استمرار التوترات التجارية، وتقلبات الأسواق العالمية، وقرارات السياسة النقدية الدولية، ستلعب دورًا محوريًا في تحديد مسار اليوان الصيني وسوق العملات الآسيوية خلال الأشهر القادمة.
ويتطلع المستثمرون الآن إلى المزيد من البيانات الاقتصادية والاجتماعات القادمة للبنوك المركزية حول العالم، لتقييم اتجاهات النمو والتضخم والسياسات النقدية.