اليوان الصيني يسجل أعلى مستوى في شهر مع تحسن العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين.

قفز اليوان الصيني إلى أعلى مستوى له في أكثر من شهر أمام الدولار الأميركي، مدعوماً بأجواء التفاؤل التي تسود الأسواق عقب التوصل إلى إطار اتفاق تجاري أولي بين الصين والولايات المتحدة، ما انعكس إيجاباً على أداء الأسواق المالية الآسيوية، ورسخ التوقعات بإمكانية تهدئة التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

ارتفاع اليوان الصيني لأعلى مستوى في شهر

سجل اليوان الصيني يوم الاثنين ارتفاعاً ملحوظاً أمام الدولار الأميركي، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من شهر، بعد أن أظهرت التطورات الأخيرة في العلاقات التجارية بين بكين وواشنطن انفراجاً نسبياً في مسار التوتر القائم منذ سنوات.


فقد تخطت العملة الصينية، سواء في السوق المحلية أو الخارجية، المستوى النفسي المهم عند 7.11 يوان لكل دولار، لتتداول عند مستويات شوهدت آخر مرة في سبتمبر/أيلول الماضي، ما اعتبره المحللون إشارة واضحة على عودة الثقة التدريجية في الاقتصاد الصيني والأسواق الناشئة.

اتفاق تجاري أولي يعيد الأمل للأسواق

جاء هذا الارتفاع في أعقاب إعلان كبار المسؤولين الاقتصاديين من الصين والولايات المتحدة عن التوصل إلى إطار اتفاق تجاري سيتم عرضه قريباً على الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ خلال الأسبوع الجاري.


ويرى مراقبون أن هذا التطور يمثل خطوة مهمة على طريق تهدئة الحرب التجارية الطويلة التي أرهقت سلاسل الإمداد العالمية وأثرت على النمو الاقتصادي لكلا البلدين.

 

وقال بول ماكيل، رئيس أبحاث العملات الأجنبية العالمية في بنك إتش إس بي سي، إن هذا التطور “يرفع الآمال بإمكانية تجنّب الزيادة المقررة بنسبة 100% في الرسوم الجمركية الأميركية على الصين والمقررة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني”، مضيفاً أن “الاتفاق يشير إلى نية الصين زيادة مشترياتها من فول الصويا الأميركي، وتقييد إمدادات مادة الفنتانيل، وتأجيل فرض ضوابط تصدير معادن الأرض النادرة لمدة عام إضافي”.

بوادر انفراج في العلاقات بعد أسابيع من التوتر

تأتي هذه الخطوة بعد أسابيع من التوتر الحاد الذي طبع العلاقات التجارية بين البلدين، إذ تبادلت واشنطن وبكين الاتهامات والرسوم المتبادلة، مما أدى إلى تقلبات حادة في الأسواق العالمية.


لكن الإعلان عن هذه التفاهمات الجديدة بعث برسالة إيجابية للأسواق، ورفع معنويات المستثمرين الذين رأوا فيها بداية مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي، ولو بشكل محدود.

 

وقد انعكس هذا التفاؤل بشكل مباشر على أسواق الأسهم في الصين وهونغ كونغ، حيث شهدت مؤشرات السوقين ارتفاعات ملحوظة مع تحسن توقعات المستثمرين حيال الأوضاع التجارية والنمو المستقبلي.

دعم إضافي من السياسة النقدية الصينية

إلى جانب العوامل التجارية، تلقت العملة الصينية دعماً إضافياً من البنك المركزي الصيني (بنك الشعب)، الذي واصل توجيه اليوان نحو مستويات أقوى من خلال تحديد سعر منتصف رسمي أقوى من المتوقع.


فقد حدد البنك سعر منتصف اليوان عند 7.0881 يوان للدولار قبل افتتاح السوق، وهو الأقوى منذ 15 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وأقل بـ265 نقطة عن تقديرات وكالة رويترز التي بلغت 7.1146 يوان.


ويُسمح للعملة بالتداول ضمن نطاق ±2% حول هذا السعر المركزي يومياً، ما يعكس سياسة دقيقة لتوجيه السوق دون السماح بتقلبات مفرطة.

تحركات الأسواق الفورية وموقف البنوك الحكومية

في التداولات الفورية، ارتفع اليوان المحلي إلى 7.1083 يوان للدولار، وهو أقوى مستوى منذ 18 سبتمبر/أيلول، قبل أن يستقر عند 7.1128 بحلول الساعة 03:50 بتوقيت غرينتش، بارتفاع طفيف نسبته 0.12%.


أما اليوان الخارجي، فقد ارتفع بدوره إلى 7.1091 وهو الأعلى منذ 19 سبتمبر/أيلول، قبل أن يتراجع قليلاً إلى 7.1133 عند التوقيت نفسه.

 

ومع ذلك، تراجعت بعض المكاسب لاحقاً بعد أن تدخلت بنوك صينية مملوكة للدولة في السوق الفورية المحلية لشراء الدولار وبيع اليوان، في خطوة يُعتقد أنها تهدف إلى منع اليوان من الارتفاع السريع والمفرط الذي قد يضر بتنافسية الصادرات الصينية.

تعليقات المحللين: إشارة إلى قرار سياسي محسوب

وقال راي أترل، رئيس استراتيجية العملات الأجنبية في ناشونال أستراليا بنك، إن “تثبيت اليوان عند أقوى مستوى له منذ أكثر من عام ليس مجرد مصادفة، بل يبدو أنه جزء من سياسة مدروسة”.


وأضاف أن “من المرجح أن تكون مسألة سعر الصرف ضمن النقاط التي نوقشت خلال اللقاءات الثنائية بين البلدين في عطلة نهاية الأسبوع، في محاولة لإظهار حسن النية وإعادة بناء الثقة”.

 

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تحمل رسائل مزدوجة:
من جهة، طمأنة المستثمرين إلى استقرار السوق، ومن جهة أخرى إظهار انفتاح الصين على التنسيق المالي مع الولايات المتحدة في إطار توازن اقتصادي أوسع.

ترقب الأسواق لمنتدى “الشارع المالي” في بكين

تتجه الأنظار هذا الأسبوع إلى منتدى "الشارع المالي" في بكين، الذي سيشكل حدثاً محورياً لمتابعة توجهات السياسة الاقتصادية الصينية المقبلة.


ومن المقرر أن يُلقي عدد من كبار المنظمين الماليين كلمات مهمة، من بينهم محافظ بنك الشعب الصيني بان غونغشنغ، الذي يتوقع أن يقدم رؤية أوضح حول مسار السياسة النقدية وسعر الصرف في المرحلة المقبلة، وسط استمرار التحديات الاقتصادية العالمية وتباطؤ الطلب الخارجي.

التحليل العام والتوقعات المستقبلية

يشير المحللون إلى أن استمرار تحسن العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين قد يدفع اليوان نحو مزيد من القوة التدريجية خلال الأسابيع المقبلة، خاصة إذا ما تم تأكيد الاتفاق التجاري بشكل رسمي.


لكن في المقابل، سيبقى البنك المركزي الصيني حذراً في السماح بارتفاع مفرط للعملة، حتى لا يؤثر سلباً على تنافسية الصادرات.


كما أن تطورات الاقتصاد الأميركي، بما في ذلك توجهات الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة، ستظل عاملاً رئيسياً في تحديد مسار الدولار وبالتالي اليوان.

التحليل الفني لليوان مقابل الدولار الأميركي

من الناحية الفنية، يُظهر اليوان الصيني إشارات على مزيد من القوة قصيرة المدى أمام الدولار الأميركي، مدعوماً بالزخم الإيجابي الناتج عن تحسن العلاقات التجارية والدعم المستمر من البنك المركزي الصيني.


عند النظر إلى الرسوم البيانية اليومية، نلاحظ أن الزوج (الدولار/يوان USD/CNY) يتحرك حالياً ضمن اتجاه هابط معتدل منذ قمته الأخيرة عند 7.30، ليتداول حالياً قرب مستويات 7.11، وهو مستوى نفسي ومحوري يمثل مقاومة مقلوبة في حال الثبات دونه.

  • مؤشر القوة النسبية (RSI):
    يتداول حالياً قرب مستوى 45 نقطة، ما يشير إلى توازن نسبي بين قوى الشراء والبيع، مع ميل بسيط نحو الزخم الصعودي لصالح اليوان. اختراق مستوى 40 نزولاً سيؤكد استمرار الاتجاه الهابط للدولار أمام اليوان.

  • مؤشر MACD:
    يظهر تقاطعاً سلبياً طفيفاً أسفل خط الإشارة، ما يدعم استمرار النظرة الإيجابية للعملة الصينية على المدى القصير، خاصة مع انخفاض الزخم البيعي وضعف الطلب على الدولار في الأسواق الآسيوية.

  • المتوسطات المتحركة:
    يشير تقاطع المتوسط المتحرك لـ50 يوماً دون متوسط 200 يوم إلى استمرار الاتجاه الهبوطي للدولار أمام اليوان، وهو ما يُعرف بـ"العبور الذهبي المعاكس"، ويمثل إشارة تأكيد على تحوّل الميل العام لصالح العملة الصينية.

مستويات الدعم والمقاومة المحتملة:
  • الدعم الأول: 7.0950

  • الدعم الثاني: 7.0700

  • المقاومة الأولى: 7.1250

  • المقاومة الثانية: 7.1450

في حال كسر مستوى 7.09 نزولاً، قد يتجه الزوج نحو 7.05 كهدف فني تالي، ما يعني تعزيز مكاسب اليوان، بينما سيُعدّ أي ارتداد فوق 7.13 إشارة مؤقتة لجني الأرباح قبل استئناف الاتجاه الهابط مجدداً.

 

خلاصة فنية

يبقى الاتجاه العام لليوان إيجابياً بحذر، مدعوماً بالعوامل الأساسية والسياسات النقدية المتوازنة من قبل بنك الشعب الصيني، إلى جانب الانفراج النسبي في العلاقات التجارية بين بكين وواشنطن.
لكن من المهم مراقبة أي تطورات سياسية أو بيانات اقتصادية أميركية جديدة، إذ قد تعيد الزخم للدولار وتؤثر على المسار الفني الحالي للعملة الصينية في الأسابيع المقبلة.

تم التحديث في: الاثنين, 27 تشرين الأول 2025 11:39
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول