اليوان الصيني ينتعش من أدنى مستوياته في شهرين بدعم من تدخل مفاجئ للبنك المركزي

استعاد اليوان الصيني بعضًا من زخمه المفقود يوم الخميس 31 يوليو/تموز، بعد أن ارتد بقوة من أدنى مستوياته المسجلة خلال شهرين أمام الدولار الأميركي، مدفوعًا بإجراءات قوية وتوجيه رسمي من بنك الشعب الصيني، في خطوة فسّرها المتعاملون على أنها رسالة مباشرة من السلطات النقدية بأن الحفاظ على استقرار العملة الصينية لا يزال أولوية استراتيجية في ظل التحديات العالمية الراهنة، وفي مقدمتها صعود الدولار الأميركي وتباطؤ الاقتصاد المحلي.

أداء اليوان الصيني اليوم

جاء هذا التعافي في العملة الصينية نتيجة مباشرة لتدخل البنك المركزي من خلال تحديد سعر التوجيه الرسمي (Midpoint) عند 7.1494 يوان للدولار، وهو مستوى أقوى بكثير من التقديرات السوقية التي توقعتها «رويترز» عند 7.2062، بفارق بلغ 568 نقطة أساس، وهو الأوسع منذ 30 أبريل/نيسان الماضي.

هذا الفارق الكبير مثّل إشارة غير تقليدية ومقصودة من السلطات الصينية بأنها مستعدة لاستخدام أدوات السياسة النقدية المتاحة لديها لحماية العملة من التراجع الحاد، خاصة في مواجهة صعود الدولار العالمي وضغوط الأسواق الخارجية. ويُسمح لليوان بالتداول ضمن هامش ±2% من هذا السعر التوجيهي يوميًا، ما يجعل قرار التوجيه مرآة واضحة لاتجاهات السياسة النقدية.

وأكد عدد من المتعاملين أن هذه الخطوة فُسّرت على نطاق واسع على أنها محاولة من السلطات لإبطاء وتيرة التراجع في اليوان، ورسالة للأسواق بأنها تراقب تحركات العملة عن كثب ولن تسمح بانفلاتها.

انتعاش في الأسواق المحلية والخارجية لليوان

في السوق المحلية، ارتفع اليوان إلى 7.1921 للدولار بحلول الساعة 04:02 بتوقيت غرينتش، مقارنةً مع أدنى مستوياته خلال الليلة السابقة عند 7.2 يوان للدولار.

أما في الأسواق الخارجية، فقد انتعش اليوان الخارجي أيضًا ليسجل ارتفاعًا بنسبة 0.19% إلى 7.1995 يوان للدولار، مدفوعًا بالثقة التي عكستها الخطوة المفاجئة للبنك المركزي.

وقد أشار متعامل في أحد البنوك الأجنبية إلى أن:

"سعر التوجيه الرسمي الذي حدده البنك المركزي كان بمثابة رسالة صريحة للأسواق مفادها أن السلطات ترغب في الحفاظ على استقرار سعر صرف اليوان، خاصة في ظل التوقعات باستمرار قوة الدولار الأميركي."

أداء الدولار الأمريكي اليوم

في المقابل، واصل الدولار الأميركي أداءه القوي، مستقرًا بالقرب من أعلى مستوياته خلال شهرين أمام سلة من العملات العالمية، بعد أن تبنّى رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول نبرة حذرة خلال تصريحاته الأخيرة، حيث لم يقدّم إشارات واضحة بشأن موعد خفض أسعار الفائدة.

هذا الغموض منح الدولار مزيدًا من الدعم، في الوقت الذي يترقّب فيه المستثمرون خطوات الفيدرالي المقبلة وسط حالة من الانقسام في الأسواق المالية.

وفي هذا السياق، قال ديريك هولت، رئيس قسم الاقتصاد في أسواق المال لدى بنك «سكوشيا»:

"طالما استمرت الرسوم الجمركية في رفع معدلات التضخم، ورافقها مرونة في سوق العمل، ومعدلات فائدة توازنية منخفضة، مع استمرار السياسات المتشددة بشأن الهجرة، فإن احتمالات خفض الفائدة في سبتمبر تبدو ضعيفة."

رغم صدور بيانات تشير إلى انكماش نشاط المصانع الصينية للشهر الرابع على التوالي خلال يوليو/تموز، فإن الأسواق لم تُظهر رد فعل سلبي كبير، ويُعزى ذلك إلى التصريحات الصادرة عن المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، والتي تضمنت لهجة إيجابية تجاه الآفاق الاقتصادية للنصف الثاني من العام.

وقد تعهّد القادة الصينيون بإصلاح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، من خلال معالجة المنافسة غير المنضبطة في بعض القطاعات، وتخفيض القدرات الإنتاجية الزائدة في الصناعات الثقيلة، بهدف تحفيز النمو وتعزيز الاستقرار في السوق المحلية والدولية على حد سواء.

في موازاة ذلك، شهدت هونغ كونغ استمرار الضغوط على العملة المحلية، حيث واصل الدولار الهونغ كونغي التداول قرب الحد الأدنى من نطاقه الثابت أمام الدولار الأميركي، ما اضطر مجلس النقد في هونغ كونغ إلى التدخل في السوق النقدية في أكثر من مناسبة بهدف الحفاظ على استقرار سعر الصرف.

وعلّقت فرانسيس تشيونغ، رئيسة استراتيجية أسعار الصرف والفائدة لدى بنك "OCBC"، بالقول:

"جاذبية العائد المرتفع على الدولار الأميركي لا تزال تضغط على عملات مثل الدولار الهونغ كونغي، ما سيستدعي على الأرجح المزيد من التدخلات التنظيمية."
وأضافت:
"عملية التكيف في أسعار الفائدة ستستمر حتى ترتفع معدلات الفائدة في هونغ كونغ إلى مستويات أقرب لتلك في السوق الأميركية، مما يقلل الفجوة في العوائد ويعيد التوازن إلى السوق."

تحليل ختامي: 

تُظهر هذه التطورات المتسارعة أن السلطات الصينية تتحرك بشكل حاسم لمواجهة تحديات بيئة الاقتصاد العالمي، حيث تتصاعد الضغوط الناتجة عن صعود الدولار، تباطؤ النشاط الصناعي، والتغيّرات في السياسات النقدية العالمية، لا سيما من قبل الفيدرالي الأميركي.

التوجيه القوي لسعر صرف اليوان من قبل بنك الشعب الصيني يبعث برسالة واضحة إلى الأسواق بأن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تراجعات مفرطة في عملتها، خصوصًا وأن استقرار سعر الصرف يُعتبر مفتاحًا مهمًا للحفاظ على الثقة الاقتصادية محليًا ودوليًا.

وفي ظل التوازن الدقيق بين الرغبة في الحفاظ على القدرة التنافسية للصادرات وبين منع هروب رؤوس الأموال، يبدو أن بكين ستواصل استخدام أدواتها النقدية باحترافية، في وقت يتأرجح فيه الاقتصاد العالمي بين أمل التعافي ومخاطر الركود.