الانقطاع الأكبر منذ سنوات .. ماذا حدث في بورصة شيكاغو التجارية؟ وكيف انعكس العطل على الأسواق العالمية؟

شهدت بورصة شيكاغو التجارية (CME)—أكبر بورصة مشتقات مالية في العالم ومحور تسعير السلع العالمية—توقفاً مفاجئاً أربك المتداولين حول العالم وأدى إلى تجمد أسعار النفط والذهب والعملات، وألقى الضوء من جديد على هشاشة البنية التحتية التي تعتمد عليها الأسواق العالمية في التداول الإلكتروني.

بورصة شيكاغو التجارية (Chicago Mercantile Exchange – CME) هي واحدة من أهم وأكبر البورصات العالمية المتخصصة في تداول العقود الآجلة والمشتقات المالية. وتُعد اليوم جزءاً من مجموعة CME Group التي تضم عدداً من أكبر البورصات في العالم.

تدير CME عدة بورصات، منها مجلس شيكاغو للتجارة، وبورصة نيويورك التجارية، وبورصة السلع. كما تمتلك حصصاً في بورصات أخرى، بينها بورصة الخليج للسلع، 

ما الذي حدث في بورصة شيكاغو التجارية؟

وقع الانقطاع صباح الجمعة عندما تعرض أحد مراكز البيانات التابعة لشركة CyrusOne، المسؤولة عن تشغيل الأنظمة الإلكترونية لبورصة CME، إلى خلل كبير في نظام التبريد.

ومع انهيار القدرة التبريدية في المركز، تعطلت منصة التداول الشهيرة Globex، وهي المحرك الأساسي لتسعير ملايين العقود الآجلة التي يجري تداولها على مدار 23 ساعة يومياً.

هذا التوقف لم يكن مجرد انقطاع عابر؛ بل شلّ إحدى أهم نقاط السيولة في العالم، ما جعل الأسواق في آسيا وأوروبا تعمل «بنصف قدرة» وسط غياب أسعار لحظية يعتمد عليها المتعاملون في إدارة المراكز المفتوحة والتحوط.

تجمّد عالمي في أسعار النفط والذهب والعملات والمؤشرات

بمجرد توقف CME، توقفت معها تسعير عقود خام غرب تكساس والذهب والفضة، إضافة إلى عقود العملات الرئيسية، كما تجمدت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية مثل:

• S&P 500

• ناسداك 100

• داو جونز

وتُعد هذه العقود مؤشراً أساسياً يحرك معنويات الأسواق قبل افتتاح جلسة وول ستريت وتسبب توقفها في حالة ضبابية شديدة لدى المتعاملين، إذ لم تتوفر أي تحديثات حول الاتجاهات اللحظية للأسعار.

تأثير مضاعف بسبب تزامن الانقطاع مع ظروف حرجة

كان التوقيت أكثر ما أثار القلق، إذ جاء الانقطاع في جلسة الجمعة السوداء، التي تُعد جلسة قصيرة بانخفاض كبير في السيولة، في وقت تتفاعل فيه الأسواق مع:

• التوترات الجيوسياسية

• تذبذب أسعار السلع

• توقعات خفض الفائدة الأميركية

• انتقال المتداولين بين عقود شهرية خلال نهاية الشهر

وكل هذه العوامل تجعل الأسواق في وضع حساس، ما جعل الانقطاع بمثابة ضربة مباشرة لمراكز السيولة العالمية.

آسيا وأوروبا الأكثر تضرراً

وقع الانقطاع في ساعات التداول الآسيوية والأوروبية، وهو ما فاقم الضرر، إذ يعتمد المتداولون في تلك المناطق على CME لمتابعة الأسعار خلال ساعات عطلة السوق الأميركية أحد المتداولين وصف الوضع قائلاً:

«كان الأمر مثل القيادة دون أضواء… لا مؤشرات، لا اتجاه، لا سيولة حقيقية».

اضطر كثيرون للتداول بأسعار ثابتة، وهو أمر خطير في أسواق تُبنى قراراتها على أجزاء من الثانية.

تفاصيل الخلل… انهيار محطة تبريد مركز البيانات

وفقاً لبيانات نقلتها وكالة «بلومبرغ»، فقد بدأت المشكلة مساء الخميس عندما تعطلت محطة تبريد رئيسية داخل مركز بيانات «سايروس ون»، ما أدى إلى خروج وحدات التبريد عن الخدمة بشكل كامل.

ورغم أن الفرق التقنية تمكنت من إعادة تشغيل بعض الوحدات بطاقة محدودة، إلا أن الأنظمة لم تصل إلى مستوى يسمح باستئناف العمل الطبيعي.

وأكدت الشركة أنها تعمل «على مدار الساعة» لاستعادة الطاقة الكاملة لأنظمة التبريد، في الوقت الذي تواصل فيه CME مراقبة الوضع تمهيداً لإعادة الإقلاع الآمن للأنظمة.

انتقال التداول إلى منصات بديلة… ولكن!

مع توقف CME، لجأ المتداولون إلى منصات سيولة بديلة، بما فيها:

• منصات تداول العملات الإلكترونية

• أنظمة خارج البورصات التقليدية

• بعض مكاتب التداول المؤسسية

لكن هذه المنصات لا توفر حجماً يعادل CME، ما يعني أن الأسواق كانت تعمل في وضع طوارئ.

ووفق محللين، فإن نقص السيولة يزيد احتمالية حركات سعرية حادة وغير مبررة في حال ورود أخبار مؤثرة خلال فترة الانقطاع.

تأثيرات ممتدة على أسواق أخرى

لم تكن CME الوحيدة المتأثرة، إذ أعلنت بورصة الخليج للسلع أيضاً توقف التداول بسبب الاعتماد على نفس مركز البيانات.
كما امتد التأثير إلى:

• منصة العملات الأجنبية EBS

• عقود الخزانة الأميركية

• عقود النفط والغازولين

• عقود زيت النخيل في ماليزيا

ما أكد أن الخلل لم يكن محصوراً جغرافياً، بل كان عابراً للقارات.

انقطاع هو الأطول منذ 2019… وتحذيرات من «مخاطر البنية التكنولوجية»

في 2019 شهدت CME انقطاعاً مشابهاً، لكن الانقطاع الحالي يُعد الأطول والأوسع تأثيراً.

ومما يثير القلق لدى خبراء التقنية المالية هو اعتماد الأسواق العالمية على عدد محدود جداً من مراكز البيانات، ما يجعل أي خلل في البنية التحتية قادراً على تعطيل أسواق بقيمة تريليونات الدولارات.

هذا الانقطاع يعيد طرح تساؤلات مهمة حول:

• مدى قدرة البورصات على توفير أنظمة احتياطية

• خطط الطوارئ خلال توقف مزودي البنية التحتية

• مدى جاهزية الأسواق لتقلبات غير متوقعة في السيولة

التقلبات الأخيرة في نوفمبر تزيد الصورة تعقيداً

شهدت أسواق الأسهم الأميركية تقلبات قوية خلال نوفمبر، إذ تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 4.7% قبل أن يعود لتقليص خسائره وجاء توقف CME في وقت كان المستثمرون يستعدون فيه لدخول ديسمبر وسط ترقب لاجتماع الفيدرالي ومع غياب بيانات اقتصادية أميركية في يوم العطل، كان من الممكن أن يمر اليوم بهدوء نسبي… لولا الانقطاع المفاجئ.

قال غناناسيكار ثياغاراجان، رئيس استراتيجيات التداول في «كاليسواري إنتركونتيننتال»:

«المتداولون الذين لديهم مراكز مفتوحة يشعرون بالغضب الشديد… كان الوضع فوضوياً».

فيما أشار نيك تويدال من AT Global Markets إلى أن الأسواق فقدت «أكبر مصدر للسيولة»، محذراً من مخاطر «تحركات عشوائية» عند عودة السوق.

يثبت هذا الانقطاع أن الأسواق مهما بلغت من تقدم، تبقى رهينة بنية تكنولوجية هشة قد تعرّضها لخطر التجمد الكامل بسبب عطل ميكانيكي بسيط مثل تعطل وحدة تبريد.

ما هي بورصة شيكاغو التجارية (CME)؟

بورصة شيكاغو التجارية هي منصة مالية عالمية تسمح للمستثمرين بتداول عقود مرتبطة بالسلع والعملات والمؤشرات والفائدة وغيرها. وتُعرف بأنها قلب سوق المشتقات العالمي، إذ توفر تسعيراً مستمراً على مدار 23 ساعة يومياً لملايين العقود التي تساعد الشركات والمستثمرين على التحوط وإدارة المخاطر تستضيف البورصة مجموعة هائلة من المنتجات المالية، أبرزها:

1) عقود المؤشرات العالمية

• S&P 500

• ناسداك 100

• داو جونز

• راسل 2000

2) السلع والطاقة

• النفط الخام

• الغاز الطبيعي

• الذهب والفضة

• القمح والذرة وفول الصويا

3) العملات الأجنبية

• الدولار

• اليورو

• الين

• الجنيه الإسترليني

• الفرنك السويسري

4) معدلات الفائدة

• سندات الخزانة الأميركية

• الفائدة القصيرة الأجل

لماذا تُعد بورصة شيكاغو التجارية CME مهمة جداً؟

لأنها:

✔ أكبر مصدر للسيولة في العالم في العقود الآجلة

وهي المرجع الأساسي لتسعير السلع والمؤشرات عالمياً.

✔ تعمل 23 ساعة يومياً

ما يجعلها البورصة التي يعتمد عليها المتداولون الدوليون خلال جلسات آسيا وأوروبا وأميركا.

✔ توفر أدوات التحوط الرئيسية

مثل عقود النفط والذهب وسندات الخزانة، والتي تعتمد عليها الشركات والبنوك لإدارة المخاطر.

✔ تؤثر مباشرة على حركة الأسواق تُعد البوصلة العالمية قبل افتتاح وول ستريت

ماذا يعني تعطل بورصة شيكاغو التجارية CME ؟

أي خلل في البورصة يؤدي إلى:

• تجمد أسعار العقود الآجلة

• فقدان المتداولين القدرة على إدارة مراكزهم

• انخفاض السيولة عالمياً

• ارتباك شديد في الأسواق في آسيا وأوروبا

• تأخر تسعير السلع والعملات

وهذا ما حدث بالفعل في الساعات الأخيرة عندما تسبب خلل التبريد في توقف منصة Globex.

تاريخ موجز لبورصة شيكاغو التجارية CME

• تأسست في عام 1898 كبورصة لبيع منتجات الألبان والزبدة والبيض.

• تطورت لتصبح بورصة عالمية للمشتقات المالية.

• في 2007 اندمجت مع CBOT لتصبح مجموعة CME.

• لاحقاً استحوذت على بورصة NYMEX وبورصة COMEX.

• اليوم تُعتبر عملاق المشتقات الأكبر في العالم.

ماذا تعني بورصة شيكاغو التجارية CME للمتداولين في منطقتنا؟

بالنسبة للمتداولين في الشرق الأوسط وتركيا وأوروبا، تمثل CME:

• مصدر التسعير الأساسي لعقود النفط والذهب التي يعتمدون عليها يومياً

• مؤشر اتجاه مبكر للأسواق الأميركية

• وسيلة للتحوط من تقلبات العملات والسلع