النحاس يسجل مستويات تاريخية هي الأعلى له على الإطلاق وسط شح الإمدادات وتفاؤل الطلب
سجّل سعر النحاس ارتفاعًا قياسيًا جديدًا ليقترب من مستوى 12,000 دولار للطن، في ختام عام يُعد من أكثر الأعوام تقلبًا في تاريخ أسواق المعادن، حيث تداخلت عدة عوامل جوهرية في دفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، أبرزها اضطرابات التجارة العالمية، وتقلص المعروض، إلى جانب تفاؤل واسع النطاق حيال الطلب طويل الأجل.
ويأتي هذا الارتفاع في وقت تتجه فيه الأنظار إلى بورصة لندن للمعادن مع تبقّي أيام تداول محدودة فقط على نهاية العام، إذ يتجه النحاس لتسجيل أكبر مكاسب سنوية له منذ عام 2009، بعدما ارتفعت أسعاره بنحو 40% منذ بداية العام، وهو أداء استثنائي يعكس تحولات هيكلية عميقة في سوق المعادن الأساسية.
أداء أسعار النحاس
شهد النحاس خلال العام الجاري صعودًا لافتًا جعله من بين أفضل السلع أداءً في الأسواق العالمية، حيث تجاوزت مكاسبه السنوية 35% إلى 40%، وهو ما يُعد أكبر ارتفاع سنوي منذ أكثر من 15 عامًا.
وخلال تعاملات يوم الإثنين، ارتفعت أسعار النحاس في بورصة لندن للمعادن إلى مستوى قياسي جديد، لتقترب من حاجز 12 ألف دولار للطن، مدفوعة بزخم قوي في الطلب الاستثماري وعمليات شراء مكثفة للعقود الآجلة.
هذا الأداء القوي جاء رغم وجود مخاوف متعلقة بتباطؤ الطلب في بعض الاقتصادات الكبرى، إلا أن تأثير هذه المخاوف تراجع أمام تصاعد القلق العالمي بشأن الإمدادات المتاحة، وهو ما منح الأسعار دعمًا قويًا ومستدامًا.
النحاس في قلب التحول العالمي للطاقة النظيفة
يُعد النحاس عنصرًا استراتيجيًا وأساسيًا في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، إذ يدخل في صناعة شبكات الكهرباء، والطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، وأنظمة تخزين الطاقة.
وقد ساهم هذا الدور المحوري في تعزيز الطلب طويل الأجل على المعدن، حيث ينظر المستثمرون وصناع القرار إلى النحاس بوصفه أحد أعمدة البنية التحتية المستقبلية للاقتصاد العالمي منخفض الانبعاثات.
وخلال الأشهر الماضية، واصل النحاس صعوده بدعم من هذه الرؤية المستقبلية، متجاوزًا تأثير أي تباطؤ مؤقت في الطلب الصناعي، في ظل توقعات باستمرار التوسع في مشاريع الطاقة النظيفة والبنية التحتية حول العالم.
شحنات قياسية إلى الولايات المتحدة تفاقم أزمة المعروض
العامل الفوري والأكثر تأثيرًا في موجة الصعود الأخيرة يتمثل في تدفق كميات ضخمة من النحاس نحو الولايات المتحدة، في محاولة من التجار والمستثمرين لاستباق فرض رسوم جمركية محتملة على واردات النحاس.
هذا السباق المحموم نحو السوق الأميركية أدى إلى استنزاف الإمدادات المتاحة في بقية أنحاء العالم، ما أثار مخاوف جدية من نقص المعروض في الأسواق الأوروبية والآسيوية، وساهم في تشديد الأوضاع داخل بورصة لندن للمعادن.
وقد انعكس هذا الوضع سريعًا على الأسعار، حيث تزايدت علاوات التسليم وارتفعت تكلفة الحصول على المعدن في السوق الفورية، في ظل منافسة حادة على الكميات المتاحة.
توقفات مفاجئة في المناجم تزيد الضغوط
إلى جانب العوامل التجارية، جاء توقف عدد من المناجم بشكل غير مخطط له ليضيف مزيدًا من التعقيد إلى مشهد الإمدادات العالمية.
هذه التوقفات، سواء كانت لأسباب فنية أو تشغيلية أو تنظيمية، ساهمت في تقليص الإنتاج العالمي من النحاس، في وقت يشهد فيه الطلب نموًا متسارعًا، ما خلق فجوة واضحة بين العرض والطلب.
وقد دفع هذا الوضع المستثمرين إلى زيادة انكشافهم على النحاس، سواء من خلال العقود الآجلة أو أسهم شركات التعدين، رغم إدراكهم للتحديات الإنتاجية الواسعة التي تواجه القطاع.
الذكاء الاصطناعي يدخل على خط الطلب بقوة
من العوامل الحديثة التي عززت الطلب على النحاس، التوسع السريع في البنية التحتية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، حيث تتطلب مراكز البيانات العملاقة، وشبكات الحوسبة المتقدمة، كميات ضخمة من المعادن الأساسية، وعلى رأسها النحاس.
هذا الطلب الجديد أضاف بعدًا استراتيجيًا إضافيًا للسوق، إذ لم يعد النحاس مرتبطًا فقط بالبناء والطاقة، بل أصبح عنصرًا رئيسيًا في الاقتصاد الرقمي المتقدم، ما عزز من النظرة الإيجابية طويلة الأجل للأسعار.
رسوم معالجة صفرية تكشف عمق أزمة المعروض
في مؤشر بالغ الدلالة على شدة التوترات في جانب العرض، انتهت مفاوضات عقود توريد الخام السنوية بصعوبة كبيرة، وأسفرت عن اتفاق يمنح شركات الصهر رسوم معالجة تبلغ صفر دولار للطن.
ويُعد هذا المستوى الأدنى في التاريخ، ويعكس ضعف موقف المصاهر أمام نقص المعروض من الخام، وتزايد المنافسة بين المشترين للحصول على الإمدادات.
وقد أجبر هذا الوضع بعض شركات الصهر على إغلاق منشآتها مؤقتًا أو خفض الإنتاج نتيجة تآكل هوامش الربحية، فيما يُتوقع أن تؤدي أي توقفات إضافية إلى زيادة الضغوط على إمدادات النحاس المكرر المتداول في بورصة لندن والأسواق الآجلة العالمية.
توقعات شديدة التفاؤل لأسعار النحاس في 2026
تعزز هذه التطورات التوقعات الإيجابية لأداء النحاس خلال الفترة المقبلة، حيث صدرت عدة تقديرات متفائلة من مؤسسات مالية كبرى.
-
سيتي غروب توقّع أن تصل أسعار النحاس إلى 13,000 دولار للطن بحلول الربع الثاني من عام 2026، مدفوعة باستمرار السباق العالمي لتوجيه الشحنات نحو الولايات المتحدة.
-
غولدمان ساكس أعلن بوضوح أن النحاس يُعد المعدن المفضل للاستثمار في العام المقبل، في ظل التحولات الهيكلية في الطلب، لا سيما المرتبطة بالطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي.
هذه التوقعات تعكس قناعة متزايدة بأن السوق يواجه مرحلة طويلة من الشح النسبي في الإمدادات، مقابل نمو مستدام في الطلب العالمي.
ختام الأداء السنوي: أسعار قرب الذروة واهتمام استثماري واسع
في آخر تعاملاته، ارتفع النحاس بنسبة 0.9% ليصل إلى 11,982 دولارًا للطن، مقتربًا بشكل كبير من مستوى 12 ألف دولار، في إشارة واضحة إلى استمرار الزخم الصعودي مع نهاية العام.
ويعكس هذا الأداء حالة القلق العالمي المتزايدة حيال الإمدادات، إلى جانب تنامي الطلب على المعادن الأساسية، ما يجعل النحاس في صدارة اهتمامات المستثمرين والمتداولين حتى نهاية عام 2025 ومع بداية العام الجديد.
وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن سوق النحاس يدخل مرحلة جديدة تتسم بتوازنات أكثر حساسية، حيث تلعب الجغرافيا السياسية، والتحول الطاقي، والتكنولوجيا دورًا محوريًا في رسم ملامح الأسعار خلال السنوات المقبلة.