النحاس يقترب من مستوى قياسي جديد بدعم من اقتراب الاتفاق التجاري الأميركي الصيني
يتجه النحاس نحو تسجيل مستوى قياسي جديد مع تزايد التفاؤل في الأسواق العالمية بشأن التوصل إلى اتفاق تجاري شامل بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما من شأنه أن يخفف من أحد أبرز المخاطر التي أثقلت كاهل الاقتصاد العالمي خلال الأعوام الأخيرة.
ويأتي هذا الارتفاع بدعم مزدوج من تحسن التوقعات الاقتصادية العالمية، وتراجع الدولار الأميركي، إلى جانب اضطرابات متكررة في سلاسل الإمداد لدى الدول المنتجة الرئيسية للمعدن الأحمر.
أسعار النحاس قرب أعلى مستوياتها التاريخية
سجلت عقود النحاس في بورصة لندن للمعادن ارتفاعاً بنسبة 0.9% لتصل إلى 11,065.5 دولار للطن، أي بفارق 50 دولاراً فقط عن المستوى القياسي البالغ 11,104.5 دولار الذي تحقق في النصف الأول من عام 2024.
هذا الارتفاع يضع النحاس على أعتاب تسجيل رقم قياسي جديد، مدفوعاً بعودة الثقة إلى الأسواق بعد مؤشرات إيجابية من واشنطن وبكين بشأن إبرام اتفاق تجاري طال انتظاره.
اختتم المفاوضون الأميركيون والصينيون محادثاتهم يوم الأحد، وسط توقعات بأن يوقع الرئيسان دونالد ترمب وشي جين بينغ اتفاقاً شاملاً خلال الأيام المقبلة.
وأشار وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إلى أن التهديد السابق من ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% "لم يعد مطروحاً على الطاولة"، فيما وافقت الصين على تعليق خططها لتوسيع قيود تصدير العناصر النادرة لمدة عام كامل — في خطوة اعتبرها المستثمرون مؤشراً واضحاً على رغبة الجانبين في التهدئة.
هذا التطور من شأنه أن يعيد رسم ملامح المشهد التجاري العالمي، ويُخفف الضغط عن سلاسل الإمداد الصناعية، لاسيما تلك التي تعتمد بشكل كبير على المعادن والمواد الخام مثل النحاس والألمنيوم والزنك.
أداء قوي للنحاس رغم الاضطرابات في الإنتاج
شهد عام 2025 أداءً لافتاً للنحاس، إذ ارتفعت أسعاره بأكثر من 25% منذ بداية العام في بورصة لندن، مستفيدة من اضطرابات الإمداد في عدد من أكبر الدول المنتجة.
فقد خفضت شركة "فريبورت-ماكموران" (Freeport-McMoRan) الأميركية توقعاتها لمبيعات النحاس عقب حادث مميت في منجم "غراسبرغ" العملاق بإندونيسيا، أحد أكبر المناجم في العالم.
كما واجه منجم "كاموا-كاكولا" التابع لشركة "إيفانهو ماينز" (Ivanhoe Mines) في جمهورية الكونغو الديمقراطية تراجعاً كبيراً في الإنتاج نتيجة مشكلات فنية ونقص الطاقة، ما ساهم في زيادة الضغوط على جانب العرض العالمي.
تراجع الدولار يدعم مكاسب المعادن
من جهة أخرى، أسهم تراجع الدولار الأميركي بشكل واضح في تعزيز أسعار المعادن. فقد انخفض مؤشر قوة الدولار بأكثر من 7% منذ مطلع العام مع تزايد توقعات المستثمرين بأن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيواصل سياسة خفض أسعار الفائدة.
هذا الانخفاض يجعل السلع المقومة بالدولار، ومنها النحاس، أكثر جاذبية للمستثمرين من حائزي العملات الأخرى، مما عزز الطلب العالمي عليها.
يعكس الأداء القوي للنحاس أيضاً تفاؤلاً أوسع بشأن التحول في قطاع الطاقة العالمي، خاصة مع توسع استخدام المعدن في مشاريع التحول نحو الطاقة النظيفة.
وتتوقع شركة "بي إتش بي غروب" (BHP Group)، أكبر شركة تعدين في العالم، أن يرتفع الطلب العالمي على النحاس بنحو 70% بحلول عام 2050، مع ازدياد الاعتماد على السيارات الكهربائية والبنى التحتية لشبكات الطاقة المتجددة.
لهذا السبب، أصبح النحاس ركيزة أساسية في استراتيجيات النمو المستقبلية للشركات العاملة في قطاع التعدين، باعتباره المعدن الحيوي للانتقال الطاقي العالمي.
أداء المعادن الصناعية الأخرى
حتى الساعة 9:24 صباحاً بتوقيت شنغهاي، ارتفع النحاس بنسبة 0.7% ليصل إلى 11,034 دولاراً للطن في بورصة لندن للمعادن.
كما صعد سعر الألمنيوم بنسبة 0.5% متجهاً نحو أعلى إغلاق له منذ أكثر من ثلاث سنوات، فيما زاد الزنك بنسبة 0.3%.
أما في بورصة كومكس (COMEX) الأميركية، فقد ارتفع النحاس بنسبة 1.3%، مما يعكس حالة الزخم الشرائي القوي عالمياً.
تحليل اقتصادي شامل وتوقعات مستقبلية
يؤكد المحللون أن استمرار الاتجاه الصعودي لأسعار النحاس يعتمد على عاملين رئيسيين في المرحلة المقبلة:
-
نجاح الاتفاق التجاري الأميركي–الصيني في تقليص التوترات وتثبيت الاستقرار الاقتصادي العالمي.
-
السياسات النقدية التيسيرية التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي، والتي تدعم أسعار السلع الأولية عبر تخفيف تكاليف التمويل.
وفي حال تم توقيع الاتفاق كما هو متوقع هذا الأسبوع، فمن المرجح أن يتجاوز النحاس حاجز 11,100 دولار للطن، مسجلاً مستوى تاريخياً جديداً.
أما في حال تجدد الخلافات التجارية أو تباطؤ الطلب الصناعي الصيني، فقد يشهد المعدن تصحيحاً فنياً محدوداً قبل أن يستأنف مساره الصاعد على المدى المتوسط.
التحليل الفني: مستويات الدعم والمقاومة والتوقعات المستقبلية
1. المؤشرات الفنية (RSI وMACD)
-
مؤشر القوة النسبية (RSI):
يشير إلى قراءة قرب 68 نقطة، ما يدل على أن النحاس يقترب من منطقة التشبع الشرائي، لكن دون إشارة مؤكدة لانعكاس الاتجاه بعد.
استمرار السعر فوق مستوى 65 يعزز الاتجاه الصاعد قصير الأجل. -
مؤشر التقارب والتباعد للمتوسطات المتحركة (MACD):
الخط الرئيسي فوق خط الإشارة بفارق إيجابي متسع، مما يؤكد زخم الشراء المستمر واحتمال اختبار مستويات قياسية جديدة.
2. المتوسطات المتحركة
-
السعر الحالي يتحرك فوق المتوسط المتحرك لـ50 يوماً (10,720 دولار)، وفوق المتوسط المتحرك لـ200 يوم (9,850 دولار)، مما يشير إلى اتجاه صعودي قوي ومستقر.
-
طالما بقي السعر فوق 10,800 دولار، فإن الزخم الإيجابي سيستمر على المدى القصير والمتوسط.
3. مستويات الدعم والمقاومة الفنية
-
المقاومة الأولى: 11,100 دولار (المستوى القياسي السابق)
-
المقاومة الثانية: 11,250 دولار (في حال الاختراق الثابت لأعلى)
-
الدعم الأول: 10,850 دولار (دعم فني قوي على الأطر الزمنية اليومية)
-
الدعم الثاني: 10,600 دولار (الحد الأدنى للقناة الصاعدة الحالية)
4. التوقعات الفنية للأيام المقبلة
يتوقع المحللون أن استمرار الأخبار الإيجابية حول الاتفاق التجاري بين واشنطن وبكين سيقود النحاس إلى تسجيل قمم جديدة فوق 11,150 دولاراً للطن خلال الأسابيع القادمة.
أما في حال فشل المفاوضات أو صدور بيانات اقتصادية ضعيفة من الصين، فقد يتراجع السعر مؤقتاً إلى منطقة الدعم 10,700–10,850 دولار قبل استئناف الاتجاه الصاعد.
خلاصة تحليلية
تجمع العوامل الحالية — من تفاؤل تجاري عالمي، وضعف في الدولار، واضطرابات في الإمدادات، إلى تحول هيكلي في الطلب العالمي على النحاس — على دعم المعدن الأحمر نحو مستويات غير مسبوقة.
وفي حال استمرت هذه الظروف الإيجابية دون انتكاسات سياسية أو اقتصادية، فإن العام 2025 قد يكون عاماً تاريخياً للنحاس، سواء من حيث الأسعار أو من حيث دوره المركزي في الاقتصاد العالمي الجديد.