ارتفاع الدولار الأمريكي أمام الين والدولار الأسترالي وسط حذر المستثمرين وترقب البيانات الاقتصادية

شهدت الأسواق العالمية يوم الثلاثاء تحركات ملحوظة في أسعار العملات، حيث ارتفع الدولار الأمريكي أمام كل من الين الياباني، الذي يُعتبر من الملاذات الآمنة، وأمام الدولار الأسترالي المرتبط بالنمو. جاء ذلك وسط تزايد حذر المستثمرين تجاه المخاطر العالمية، وتحول الأنظار نحو البيانات الاقتصادية الأمريكية المنتظرة بعد انتهاء أزمة الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة.

أداء الدولار الأمريكي أمام الين الياباني

في التعاملات الآسيوية المبكرة، لامس الين الياباني أضعف مستوياته منذ شهر فبراير، بينما احتفظ الدولار الأسترالي ببعض المكاسب أمام نظيره الأمريكي.

وخلال الأيام الماضية، حققت العملات الحساسة للمخاطر مثل الجنيه الإسترليني والدولار الأسترالي مكاسب ملحوظة، في حين تراجعت العملات ذات الصفة الآمنة مثل الين، نتيجة تفاؤل الأسواق بقرب انتهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي، ما عزز شهية المخاطرة لدى المستثمرين ودعم الأصول عالية العائد.

يتوقع المستثمرون أن يتم إنهاء الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة خلال الأيام المقبلة، بعد أن صوّت مجلس الشيوخ يوم الإثنين لصالح تسوية تُعيد تمويل الوكالات الفيدرالية وتوقف خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الهادفة لتقليص القوى العاملة الحكومية.

وقالت إيزابيل ماتيوس إي لاغو، كبيرة الاقتصاديين في مجموعة بي إن بي باريبا:

"توقعاتنا تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال متماسكًا، وأن التضخم يتراجع بوتيرة معتدلة، وهو ما ينبغي أن يسمح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر، ثم التحلي بمزيد من الحذر خلال عام 2026."

وأضافت أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال في مرحلة توظيف وتسريح منخفضة دون مؤشرات واضحة على ضغوط اقتصادية، لكنها شددت على ضرورة انتظار البيانات المقبلة لتقييم الصورة الكاملة.

الصفقة تنتظر موافقة مجلس النواب الأمريكي

تتجه صفقة إنهاء الإغلاق الحكومي إلى مجلس النواب بعد موافقة الشيوخ، حيث أعلن رئيس المجلس مايك جونسون عن أمله في تمريرها خلال أقرب وقت ممكن، وربما يوم الأربعاء، قبل إرسالها إلى الرئيس ترامب لتوقيعها وإقرارها رسميًا.

ويرى المحللون أن تمرير الصفقة من شأنه أن يزيل إحدى العقبات الرئيسية أمام استئناف النشاط الحكومي والبيانات الاقتصادية التي تعطلت بسبب الإغلاق.

قال فرانشيسكو بيسولي، استراتيجي العملات في بنك ING:

"لن يكون هناك اتجاه واضح للأسواق في الأيام المقبلة، إذ إن احتمالات إعادة فتح الحكومة تقلل من تأثير الإغلاق على النمو، لكن استئناف صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية يحمل في طياته مخاطر هبوط غير ضئيلة للدولار."

وأضاف أن الأسواق قد تقلل من تقدير المخاطر السلبية التي تهدد سوق العمل وأسعار الفائدة قصيرة الأجل في الولايات المتحدة، مما قد يضعف الدولار في نهاية العام.

وفي المقابل، استقر اليورو تقريبًا عند مستوى 1.1555 دولار دون تغير يُذكر.

كما أشار تييري ويزمان، استراتيجي العملات وأسعار الفائدة في ماكواري غروب، إلى أن انتهاء الإغلاق الحكومي سيساعد في تجنب تباطؤ أعمق في الناتج المحلي الإجمالي والأرباح المؤسسية الأمريكية، مؤكدًا أن استعادة النشاط الاقتصادي ستنعكس تدريجيًا على تحركات العملة الأمريكية.

تراجع الإسترليني وضعف الين الياباني

تراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.40% إلى 1.3126 دولار، بعد صدور بيانات أظهرت تباطؤ سوق العمل البريطانية بشكل ملحوظ خلال الربع الثالث من العام، ما زاد من الضغوط على بنك إنجلترا بشأن توجهاته المستقبلية نحو أسعار الفائدة.

أما الين الياباني فتعرض لمزيد من الضغوط، إذ ارتفع الدولار بنسبة 0.10% إلى 154.28 ينًا بعد أن لامس مستوى 154.495 ينًا، وهو الأعلى منذ فبراير الماضي.

ويأتي ضعف الين عقب تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة ساناي تاكايتشي التي دعت صانعي السياسات إلى التريث في رفع أسعار الفائدة، في وقت يُظهر فيه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مزيدًا من الحذر بشأن وتيرة خفض الفائدة المستقبلية.

تحركات العملات الأخرى

تراجع الدولار الأمريكي بنسبة 0.25% أمام الدولار الأسترالي إلى مستوى 0.6520، لينهي موجة صعود استمرت يومين، بينما حافظ الأسترالي على جزء من مكاسبه السابقة مدعومًا بتعافي شهية المخاطرة.

وفي المقابل، كان الفرنك السويسري في طريقه لتحقيق الارتفاع الرابع على التوالي، بعدما كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعاون بلاده مع سويسرا للتوصل إلى اتفاق جديد لخفض التعريفة الجمركية البالغة 39% بين البلدين.

وسجل الفرنك السويسري ارتفاعًا بنسبة 0.15% ليصل إلى 0.8035 أمام الدولار الأمريكي، في إشارة إلى استمرار الطلب عليه كعملة مستقرة نسبيًا في ظل التقلبات السياسية والاقتصادية.

توقعات المدى القصير والمتوسط للدولار

في المدى القصير، تشير التقديرات الأولية إلى أن الدولار الأمريكي قد يواجه بعض التقلبات المحدودة خلال الأيام المقبلة، مع عودة البيانات الاقتصادية إلى الساحة بعد فترة التوقف الناتجة عن الإغلاق الحكومي. ويتوقع المحللون أن يتفاعل المستثمرون بقوة مع بيانات التضخم وسوق العمل الأمريكية، خصوصًا في ظل تزايد الرهانات على خفض جديد لأسعار الفائدة في ديسمبر.

وفي حال جاءت البيانات الاقتصادية أضعف من المتوقع، فمن المرجح أن يتعرض الدولار لموجة تصحيح هبوطي مؤقتة، خاصة أمام العملات المرتبطة بالنمو مثل الدولار الأسترالي والجنيه الإسترليني، حيث قد تعود شهية المخاطرة تدريجيًا إلى الأسواق.

أما على المدى المتوسط، فيُتوقع أن يحافظ الدولار على قدر من القوة النسبية مقارنة بمعظم العملات الأخرى، مدعومًا باستقرار النمو الأمريكي وتراجع تدريجي في معدلات التضخم. ورغم ذلك، يرى بعض الاستراتيجيين أن أي تباطؤ مفاجئ في سوق العمل الأمريكي أو في قطاعي التصنيع والخدمات قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تسريع وتيرة التيسير النقدي خلال النصف الأول من عام 2026، مما قد يضغط على الدولار ويعيد توجيه التدفقات نحو عملات أخرى.

وفي المقابل، من المرجح أن يظل الين الياباني ضعيفًا في ظل استمرار السياسة النقدية شديدة التيسير من بنك اليابان، في حين قد يحقق اليورو بعض المكاسب المحدودة إذا واصل البنك المركزي الأوروبي نهجه المتحفظ في خفض الفائدة.

أما الفرنك السويسري، فيُتوقع أن يحتفظ بجاذبيته كملاذ آمن، خاصة إذا تصاعدت التوترات الجيوسياسية أو عادت المخاوف من تباطؤ عالمي جديد.

في المجمل، تبقى النظرة العامة للعملات العالمية رهينة المسار المستقبلي للسياسة النقدية الأمريكية، إذ سيحدد الفيدرالي – من خلال بياناته وتوجهاته القادمة – ما إذا كان الدولار سيواصل مسار الصعود الحذر، أم سيدخل في مرحلة تصحيح أعمق مع تقدم عام 2026.