الدولار يتراجع بعد بيانات توظيف ضعيفة عززت توقعات خفض الفائدة واقتراب انتهاء الإغلاق الحكومي
تراجع الدولار الأميركي يوم الأربعاء متأثراً ببيانات التوظيف الضعيفة في القطاع الخاص الأميركي، وسط توقعات متزايدة بخفض الفائدة خلال ديسمبر، بينما تترقب الأسواق نهاية أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، الأمر الذي قد يطلق موجة من البيانات الاقتصادية المؤجلة ويؤثر على توجهات الاحتياطي الفيدرالي المقبلة.
أداء الدولار الأمريكي اليوم
شهد الدولار الأميركي تراجعاً ملحوظاً خلال تعاملات الأربعاء، بعد صدور بيانات التوظيف في القطاع الخاص الأميركي التي أظهرت ضعفاً في سوق العمل.
ووفقاً لتقرير شركة «إيه دي بي» (ADP)، فإن الشركات الأميركية فقدت أكثر من 11 ألف وظيفة أسبوعياً حتى أواخر أكتوبر 2025، ما يعكس تباطؤاً تدريجياً في وتيرة التوظيف، ويثير المخاوف بشأن قدرة الاقتصاد الأميركي على الحفاظ على زخمه وسط سياسة نقدية مشددة وتراجع الثقة الاستهلاكية.
هذا التقرير الضعيف زاد من قلق المستثمرين الذين باتوا يرون أن سوق العمل الأميركي بدأ يفقد قوته، وهو ما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (Fed) إلى تبني نهج أكثر تيسيراً خلال الفترة المقبلة.ت
أدى صدور البيانات الضعيفة إلى انخفاض الدولار الذي فشل في تعويض خسائره خلال تعاملات الأربعاء في الأسواق الآسيوية.
وارتفعت توقعات المستثمرين بأن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر المقبل، حيث تشير بيانات أداة «فيد ووتش» (FedWatch) إلى أن الأسواق تسعر الآن احتمالاً يبلغ 68% لهذا الخفض، مقارنة بـ 62% فقط قبل يوم واحد.
وتشير هذه التوقعات إلى أن الأسواق بدأت تستوعب احتمالات تباطؤ النمو الاقتصادي، خاصة مع تراكم الضغوط الناتجة عن ضعف التوظيف، وركود بعض القطاعات مثل العقارات والتصنيع، إلى جانب استمرار تأثيرات الإغلاق الحكومي الذي حجب البيانات الرسمية المهمة.
تحركات العملات الرئيسية أمام الدولار
في سوق العملات، استقر اليورو عند مستوى 1.1586 دولار، محافظاً على توازنه بعد سلسلة من المكاسب الطفيفة الأخيرة، في حين صعد الجنيه الإسترليني إلى 1.3149 دولار مبتعداً عن أدنى مستوى له في سبعة أشهر، مدعوماً بتحسن التوقعات بشأن الاقتصاد البريطاني وبيانات التضخم المحلية.
أما مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من العملات الرئيسية، فقد تراجع إلى 99.46 نقطة، وهو أدنى مستوى له في أكثر من أسبوع، ما يعكس تزايد الضغوط على العملة الخضراء في ظل التحول المحتمل في سياسة الفيدرالي.
قال سيم موه سيونغ، استراتيجي العملات في بنك سنغافورة، إن البيانات الأخيرة "تشير إلى صورة أكثر ليونة لسوق العمل الأميركي"، مضيفاً أن "التدهور الكبير في سوق العمل لا يزال محل تساؤل حتى صدور البيانات الرسمية الكاملة بعد إعادة فتح الحكومة".
وأشار إلى أن عودة تدفق البيانات الاقتصادية بعد انتهاء الإغلاق قد تؤكد الاتجاه الضعيف الحالي وتدفع الفيدرالي لتأكيد سياسته التيسيرية.
هبوط عوائد سندات الخزانة الأميركية
في أسواق السندات، تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بمقدار 3 نقاط أساس لتصل إلى 4.079%، بينما انخفض العائد على السندات لأجل عامين إلى 3.56%.
ويرى براين مارتن، رئيس قسم الاقتصاد في بنك «إيه إن زد» (ANZ)، أن "مخاطر التباطؤ في سوق العمل، إلى جانب الضغوط المستمرة على التضخم وضعف الإنفاق الاستهلاكي، تدعم جميعها خفض الفائدة في الشهر المقبل".
وأشار إلى أن "تراجع العوائد يعكس توقعات الأسواق بمرحلة جديدة من السياسة النقدية التيسيرية، خاصة بعد فترة طويلة من تشديد الفائدة لمكافحة التضخم".
الإغلاق الحكومي يقترب من نهايته
تأتي هذه التطورات في وقت تتجه فيه الأنظار إلى واشنطن، حيث يستعد الكونغرس الأميركي للتصويت على اتفاق لإعادة تمويل الحكومة الفيدرالية بعد أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة بدأ في الأول من أكتوبر.
وقد أدى هذا الإغلاق إلى تجميد نشر البيانات الاقتصادية الرسمية، ما جعل الأسواق تعتمد على مؤشرات القطاع الخاص مثل تقارير ADP وISM لتقييم أداء الاقتصاد الأميركي.
ويُتوقع أن يؤدي انتهاء الإغلاق الحكومي إلى عودة تدفق البيانات الرئيسية، مثل تقرير الوظائف الشهري ومؤشر أسعار المستهلكين، وهو ما سيمنح الأسواق رؤية أوضح بشأن الخطوة المقبلة للفيدرالي.
العملات ذات المخاطر العالية تستفيد
في المقابل، استفادت العملات ذات الحساسية العالية تجاه المخاطر، حيث ارتفع الدولار الأسترالي والنيوزيلندي بنسبة 0.02% لكل منهما، مدعومين بتحسن شهية المخاطرة في الأسواق العالمية.
أما الين الياباني، فقد تراجع إلى 154.75 ين للدولار، متأثراً بتوقعات بمزيد من الإنفاق الحكومي في اليابان وتصريحات رئيسة الوزراء سناء تاكايتشي التي دعت إلى تباطؤ وتيرة رفع الفائدة من بنك اليابان لدعم النمو المحلي.
يظهر المشهد العالمي حالياً تبايناً واضحاً في توجهات البنوك المركزية الكبرى، حيث تتجه الولايات المتحدة نحو التيسير النقدي التدريجي لمواجهة التباطؤ الاقتصادي، بينما تميل آسيا — وخاصة اليابان والصين — إلى زيادة الإنفاق الحكومي والتحفيز المالي لتعزيز النمو.
هذا التباين يخلق موجات جديدة من تقلبات العملات، مع احتمالات استمرار ضعف الدولار على المدى القصير، خاصة إذا أكدت البيانات الرسمية القادمة ضعف سوق العمل الأميركي.
خلاصة: الدولار أمام اختبار البيانات المقبلة
يبقى الدولار الأميركي أمام اختبار حاسم خلال الأسابيع المقبلة، حيث ستحدد البيانات الرسمية المنتظرة بعد انتهاء الإغلاق الحكومي اتجاه السياسة النقدية المقبلة.
وفي حال تأكدت إشارات تباطؤ التوظيف وتراجع التضخم، فقد يجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه مضطراً إلى خفض الفائدة في ديسمبر، ما قد يدفع الدولار لمزيد من التراجع مقابل العملات الرئيسية.