الدولار الأمريكي يتراجع من أعلى مستوى في 3 أسابيع وسط ترقب لبيانات التضخم الأميركية

سجل مؤشر الدولار تراجعًا طفيفًا لكنه بقي قريبًا من أعلى مستوياته في ثلاثة أسابيع، مع تركيز الأسواق على بيانات التضخم الأميركية التي يُتوقع أن تحدد مسار السياسة النقدية المقبلة في المقابل، تحسنت بعض العملات الرئيسية أمام العملة الخضراء، بينما استمرت التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها، ما يثير تساؤلات جديدة حول مستقبل أسعار الفائدة.

أداء مؤشر الدولار الأمريكي اليوم

شهد مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة مكونة من ست عملات رئيسية، انخفاضًا طفيفًا بنسبة 0.05% ليصل إلى 97.70 نقطة بحلول الساعة 13:45 مساءً بتوقيت تركيا يوم الثلاثاء. ورغم هذا التراجع المحدود، لا يزال المؤشر قريبًا من أعلى مستوى له منذ 25 يونيو عند 98.136 نقطة، الذي سجله في تعاملات يوم الاثنين.

هذا المستوى المرتفع يعكس استمرار الطلب على العملة الأميركية، في ظل توقعات بأن بيانات التضخم الأميركية المرتقبة قد تقدم إشارات مهمة بشأن توجهات مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الفترة المقبلة.

أداء العملات الرئيسية أمام الدولار 

على صعيد العملات الرئيسية، ارتفع اليورو بنسبة 0.2% إلى مستوى 1.1687 دولار، ليسجل أول مكاسبه اليومية بعد أربع جلسات من التراجع المتواصل، ما يعكس محاولة المستثمرين جني الأرباح من المراكز القصيرة وسط ترقب بيانات التضخم.

في المقابل، استقرت العملة الأميركية أمام الين الياباني عند مستوى 147.62 ين، بعد أن لامست في وقت سابق من الجلسة أعلى مستوياتها منذ 23 يونيو عند 147.89 ين، في ظل تداولات حذرة تسبق محادثات تجارية مرتقبة بين واشنطن وطوكيو.

أما الجنيه الإسترليني، فقد صعد بنسبة 0.2% إلى 1.345 دولار، مدعومًا بأجواء الترقب قبيل خطاب محافظ بنك إنجلترا "أندرو بيلي" ووزيرة المالية البريطانية "راشيل ريفز" في حدث اقتصادي مهم يُعقد اليوم في لندن.

ترقب حذر لبيانات التضخم الأميركية

يتركز اهتمام الأسواق على تقرير مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) لشهر يونيو، الذي يُتوقع أن يظهر تسارعًا في التضخم. التقديرات تشير إلى احتمال ارتفاع المعدل السنوي العام إلى 2.7% من 2.4% المسجلة في مايو، ما قد يعزز التكهنات حول اتجاهات السياسة النقدية في الأشهر المقبلة.

بحسب بيانات "إنفستنغ السعودية"، من المتوقع أن يرتفع مؤشر أسعار المستهلكين على أساس شهري بنسبة 0.3%، وهو تسارع مقارنة بالزيادة الطفيفة البالغة 0.1% في مايو.

وبالنسبة للمؤشر الأساسي، الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة بسبب تقلباتها، فمن المتوقع أن يسجل معدل تضخم سنوي قدره 2.9% في يونيو مقارنة بـ2.8% في مايو، بينما يُرجح أن يرتفع على أساس شهري بنسبة 0.3%، متجاوزًا الزيادة السابقة البالغة 0.1%.

التوترات التجارية تلقي بظلالها على التوقعات

تأتي هذه البيانات في سياق تجاري محتدم، بعد تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 30% على واردات من الاتحاد الأوروبي والمكسيك اعتبارًا من 1 أغسطس آب، مع تأكيده في الوقت نفسه انفتاحه على إجراء محادثات لحل النزاعات.

وذكرت تقارير أن اليابان تسعى لتحديد موعد لعقد محادثات رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة يوم الجمعة، في محاولة لتفادي مزيد من التصعيد التجاري.

اتهم الاتحاد الأوروبي واشنطن بمقاومة جهود التوصل إلى اتفاق تجاري، ملوحًا بإجراءات مضادة محتملة. من جانبه، أعرب الرئيس ترامب عن استعداده للانخراط في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي وشركاء تجاريين آخرين، ما يترك الباب مفتوحًا لمزيد من المفاوضات أو التصعيد.

تأثير الرسوم الجمركية على التضخم ومسار الفائدة

التصعيد الأخير في الرسوم الجمركية يثير تساؤلات حول تأثيره المحتمل على التضخم في الولايات المتحدة، وكذلك على توجهات الفيدرالي الأميركي حيال أسعار الفائدة.

رغم حالة الترقب، لا تزال الأسواق تتوقع أن يُبقي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه المقرر خلال أسبوعين، نظرًا لعدم اليقين بشأن مدى انعكاس الرسوم على الأسعار.

كتبت سارة هاوس، كبيرة الاقتصاديين في بنك "ويلز فارجو"، في مذكرة بحثية:

"من المرجح أن يُظهر تقرير التضخم لشهر يونيو بداية استعادة الزخم، ولكن ليس بدرجة تثير قلق مسؤولي الفيدرالي في هذه المرحلة".
وأضافت:
"الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة لبيانات التضخم. قيام الشركات بتخزين البضائع مسبقًا قبل تطبيق الرسوم قد خفف من زيادات الأسعار حتى الآن، لكن تلاشي هذه المخزونات سيجعل من الصعب على الشركات امتصاص تكاليف الواردات المرتفعة".

ويتوقع "ويلز فارجو" استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية في النصف الثاني من العام، مع نفاد المخزونات المشتراة مسبقًا قبل الرسوم. ومع ذلك، ترى هاوس أن التأثير على المستهلكين قد يظل محدودًا نظرًا لضعف سوق العمل وتباطؤ التضخم في قطاع الخدمات، مرجحة أن تكون هذه الزيادة في التضخم دفعة مؤقتة وليست قفزة دائمة.

توقعات المؤسسات المالية لأرقام التضخم

يتفق اقتصاديون في "بنك أوف أميركا"، مثل ستيفن جونيو وجيسو بارك، مع هذه الرؤية، متوقعين تسارع التضخم الأساسي بفعل زيادات واسعة النطاق في الأسعار يُرجح أن تكون مرتبطة بالرسوم الجمركية، إلى جانب انتعاش في أسعار السيارات المستعملة.

كما توقعوا ارتفاع التضخم في قطاع الخدمات، مدفوعًا بزيادة تكاليف الرعاية الصحية، وأسعار السفر، وتسارع الإيجارات.

من جهته، حذر بنك "غولدمان ساكس" في تقرير له من أن الرسوم قد تدفع التضخم الشهري الأساسي إلى الارتفاع بشكل ملحوظ في الأشهر المقبلة، مقدرًا زيادات شهرية تتراوح بين 0.3% و0.4%.

كما رجح البنك أن تشهد أسعار السلع الأساسية ارتفاعًا حادًا، في حين سيبقى تأثير ذلك على قطاع الخدمات أكثر اعتدالًا. ومع ذلك، توقع "غولدمان ساكس" أن تتراجع الضغوط التضخمية في وقت لاحق من هذا العام، مع تباطؤ ديناميكيات سوق الإسكان والعمل.

موسم أرباح الشركات الأميركية يضيف بعدًا جديدًا

في موازاة ذلك، يترقب المستثمرون انطلاق موسم أرباح الشركات الأميركية، المقرر أن يبدأ يوم الثلاثاء مع تقارير الربع الثاني للبنوك الكبرى. ووفقًا لبيانات بورصة لندن، من المتوقع أن تسجل أرباح مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" نموًا بنسبة 5.8% على أساس سنوي.

يُذكر أن هذه التوقعات كانت أعلى بكثير في بداية أبريل، حيث قدرت بنمو قدره 10.2% قبل أن تؤدي التوترات التجارية إلى خفضها بشكل حاد، مع تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية واسعة النطاق.

قال رودريغو كاتريل، الخبير الاستراتيجي في بنك أستراليا الوطني، إن رد فعل السوق على حالة عدم اليقين بشأن الرسوم كان "معتدلًا إلى حد ما"، مضيفًا أن أرباح الشركات هذا الأسبوع ستشكل مؤشرًا مهمًا حول كيفية استيعاب هذه التكاليف.

وقال في بودكاست لبنك ناب:

"سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما تقوله الشركات، لا سيما فيما يتعلق بالتوقعات المستقبلية، وتوقعاتها للربع القادم، وكيف ترى هوامش أرباحها، وهل ستتعرض لضغوط أم أنها تخطط لتجاوزها" وأضاف: "أعتقد أن فكرة الرضا عن النفس هذه تنبع أيضاً من عدم تأكدنا تماماً من كيفية تطور الأمور".

خاتمة

باختصار، تظل الأسواق في حالة ترقب حذر، في انتظار بيانات التضخم الأميركية وتداعيات التوترات التجارية بين واشنطن وشركائها. في الوقت نفسه، تستعد الشركات الأميركية للإفصاح عن أرباحها ربع السنوية، وهو ما قد يقدم إشارات مهمة بشأن التأثيرات الفعلية للرسوم على تكاليف الإنتاج وهوامش الأرباح، وبالتالي على آفاق النمو والتضخم في أكبر اقتصاد في العالم.