- الرئيسية
- الأخبار
- أخبار العملات والعملات الرقمية
- رهانات خفض الفائدة تدفع الدولار للتراجع أمام العملات العالمية: الأسواق تتجه نحو دورة تيسير نقدي جديدة
رهانات خفض الفائدة تدفع الدولار للتراجع أمام العملات العالمية: الأسواق تتجه نحو دورة تيسير نقدي جديدة

يشهد الدولار الأميركي مرحلة دقيقة من التراجع في ظل ترقب عالمي لقرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، حيث دفعت تصريحات رئيسه جيروم باول الأسواق لتسعير سلسلة من خفض أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة.
ويأتي هذا التطور في وقت يزداد فيه القلق بشأن مستقبل الاقتصاد الأميركي بسبب الإغلاق الحكومي الذي أدى إلى غياب البيانات الرسمية، مما جعل الأسواق والمحللين في حالة من عدم اليقين حول مدى قوة الاقتصاد الأكبر في العالم.
ومع تحول التوقعات من سياسة نقدية مشددة إلى مسار تيسيري واضح، تتغير موازين القوى في أسواق العملات العالمية. فقد باتت الرهانات تتجه نحو دورة خفض متتابعة للفائدة، وهو ما انعكس مباشرة على أداء الدولار مقابل معظم العملات الرئيسية.
تصريحات باول تغيّر نغمة الأسواق
تراجع الدولار الأميركي يوم الأربعاء أمام سلة من العملات الرئيسية بعد تصريحات باول، الذي قال إن سوق العمل الأميركية ما تزال تعاني من «ركود منخفض في التوظيف والاستغناء عن العمالة».
وأضاف أن غياب البيانات الاقتصادية الرسمية بسبب الإغلاق الحكومي لم يمنع صانعي السياسات من تقييم المشهد الاقتصادي، في إشارة واضحة إلى أن الفيدرالي يتخذ قراراته بناءً على مؤشرات متعددة وليست فقط الإحصاءات الرسمية.
وبحسب بيانات مؤسسة «إل إس إي جي» (LSEG)، فإن الأسواق تسعّر حالياً خفضاً بمقدار ربع نقطة مئوية في اجتماع الفيدرالي المقرر في 28 و29 أكتوبر/تشرين الأول 2025، يتبعه خفض آخر في ديسمبر، وثلاثة خفضات إضافية العام المقبل، ما يعكس تحوّلاً جذرياً في مسار السياسة النقدية الأميركية نحو التيسير المستمر.
هبوط مؤشر الدولار وتباين أداء العملات العالمية
انخفض مؤشر الدولار – الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من ست عملات رئيسية – بنسبة 0.2% إلى 98.844 نقطة بحلول الساعة 05:36 صباحاً بتوقيت غرينتش، مواصلاً خسائره من الجلسة السابقة.
وجاء التراجع مدفوعاً بعمليات بيع واسعة من المستثمرين الذين يراهنون على خفض الفائدة، مما يقلل من جاذبية الأصول المقومة بالدولار مثل السندات الأميركية.
على صعيد العملات الفردية:
-
الين الياباني: ارتفع بنسبة 0.4% إلى 151.23 ين للدولار بعد أن لامس مستوى 151.005 سابقاً.
-
اليوان الصيني: صعد بنسبة 0.2% إلى 7.1284 في التعاملات الخارجية، مستفيداً من قرار بكين تثبيت سعر الصرف الرسمي عند مستوى أقوى من 7.1 يوان للدولار، وذلك للمرة الأولى منذ نوفمبر 2024 رغم تصاعد التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة.
-
الدولار الأسترالي: كان من أبرز الرابحين، مرتفعاً 0.4% إلى 0.6514 دولار أميركي، في إشارة إلى تحسّن شهية المخاطرة لدى المستثمرين.
-
اليورو: ارتفع بنسبة 0.1% إلى 1.1621 دولار بعد أن قدمت الحكومة الفرنسية مقترحاً لتعليق إصلاحات التقاعد المثيرة للجدل، ما خفف الضغوط الاجتماعية والاقتصادية.
-
الجنيه الإسترليني: صعد بنسبة 0.3% إلى 1.3355 دولار بعد صدور بيانات أظهرت تباطؤ نمو الأجور في بريطانيا، ما عزز التوقعات بوقف رفع الفائدة من بنك إنجلترا.
وصف محللو بنك «دي بي إس» الوضع الحالي في الأسواق بأنه حالة «غولديلوكس» — أي بيئة اقتصادية مثالية تجمع بين نمو مستقر وسياسة نقدية مرنة، دون وجود تضخم مفرط أو تباطؤ حاد.
في ظل هذه الحالة، يتم تهميش المخاوف المؤقتة المتعلقة بالتضخم والإغلاق الحكومي والتوترات التجارية، حيث يركّز المستثمرون على الاستفادة من بيئة الفائدة المنخفضة المرتقبة.
ومع ذلك، فإن هذا التوازن قد يكون مؤقتاً، إذ إن استمرار الإغلاق الحكومي الأميركي يهدد بخلق فجوة في تدفق المعلومات الاقتصادية الرسمية، ما قد يربك صانعي السياسات ليس فقط في واشنطن، بل في العواصم المالية الكبرى حول العالم.
تداعيات الإغلاق الحكومي الأميركي
غياب البيانات الرسمية الأميركية بسبب الإغلاق الحكومي يُعقّد مهمة تقييم الوضع الاقتصادي، ليس فقط للفيدرالي، بل أيضاً للبنوك المركزية في اليابان وأوروبا ودول آسيا.
فالاقتصاد الأميركي، الذي تبلغ قيمته نحو 30 تريليون دولار ويشكّل ربع الناتج العالمي، يُعدّ مرجعاً أساسياً للتوقعات الاقتصادية والتجارية العالمية.
ويحذر خبراء الاقتصاد من أن استمرار توقف نشر البيانات لفترة طويلة سيؤدي إلى تضليل صانعي السياسات في الدول الأخرى، ما يزيد من مخاطر ارتكاب أخطاء في توقيتات تعديل السياسات النقدية.
وفي هذا السياق، قال محافظ بنك اليابان كازو أويدا خلال مؤتمر صحفي في الثالث من أكتوبر:
«إنها مشكلة خطيرة. نأمل أن يتم حلها قريباً»،
في إشارة إلى العقبات التي تواجه بنك اليابان في تحديد موعد استئناف رفع معدلات الفائدة بسبب غياب البيانات الأميركية الدقيقة.
أما أحد صانعي السياسات اليابانيين، فقد عبّر عن استيائه بشكل أكثر صراحة، قائلاً:
«إنها مزحة. رئيس الفدرالي يقول إن سياسته تعتمد على البيانات، ولكن لا توجد بيانات يمكن الاعتماد عليها»،
وذلك وفقاً لما نقلته وكالة «رويترز».
الاجتماعات الدولية: المخاطر العالمية تتصدّر المشهد
في ظل هذه التطورات، تستضيف واشنطن هذا الأسبوع اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بمشاركة كبار قادة المال والاقتصاد حول العالم.
وتأتي هذه الاجتماعات في وقت تتزايد فيه التحديات العالمية، من الحرب المستمرة في أوروبا إلى التوترات في الشرق الأوسط، فضلاً عن قضايا تغيّر المناخ والتقلبات في أسواق الطاقة.
ويُتوقع أن تهيمن السياسات الاقتصادية الأميركية وخطط الرئيس دونالد ترامب على جزء كبير من النقاشات، خاصةً في ظل توقف تدفق المعلومات الاقتصادية الرسمية عن الاقتصاد الأميركي، ما يثير القلق بشأن شفافية الحوكمة الاقتصادية في أكبر اقتصاد في العالم.
عمق الأزمة : ضعف الحوكمة واهتزاز الثقة في البيانات
تُظهر هذه الأزمة الحالية مدى هشاشة النظام المؤسسي الأميركي في مواجهة الخلافات السياسية الداخلية. فالإغلاق الحكومي، الذي شلّ عمل العديد من الإدارات الفيدرالية، يعكس مشكلة أعمق في الحوكمة، كما أنه يثير مخاوف حول موثوقية البيانات الرسمية التي يعتمد عليها المستثمرون وصانعو السياسات حول العالم.
ويشير مراقبون إلى أن الرئيس ترامب يسعى لاكتساب نفوذ إضافي على الفيدرالي، مستشهداً بحوادث سابقة، مثل فصله لرئيس مكتب إحصاءات العمل بعد صدور تقرير لم يعجبه بشأن سوق العمل، وهو التقرير ذاته الذي أدرجه صندوق النقد الدولي ضمن قائمة «المخاطر السلبية» التي تواجه الاقتصاد العالمي.
خاتمة تحليلية: دورة جديدة من التيسير النقدي
في ضوء التطورات الأخيرة، يبدو أن الدولار الأميركي يدخل مرحلة تراجع هيكلي مؤقت مع بداية دورة جديدة من خفض أسعار الفائدة.
ورغم أن هذا التحول قد يمنح الاقتصاد الأميركي دفعة قصيرة الأجل عبر دعم الاقتراض والاستثمار، إلا أنه يثير تساؤلات حول مدى استدامة النمو في ظل تزايد التوترات السياسية والاقتصادية، واستمرار حالة الغموض المحيطة ببيانات الاقتصاد الأميركي.
وفي المقابل، قد تستفيد العملات الأخرى — مثل الين واليوان واليورو — من هذه التوجهات، لكنّ المشهد العالمي لا يزال هشاً، ما يجعل من الضروري مراقبة التطورات السياسية والمالية عن كثب خلال الأسابيع المقبلة.