ماذا يعني رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا ومن هم الفئات المشمولة والمُستثناة من القرار ؟

في خطوة مفصلية تنذر بتحولات واسعة في المشهد السياسي والاقتصادي السوري، أعلن الاتحاد الأوروبي عن رفع كامل العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في محاولة لدعم تعافي البلاد بعد أربعة عشر عاماً من النزاع.

 

ويشمل القرار الأوروبي إلغاء حظر النفط والتعاملات المالية والاستثمارية، مع الإبقاء على العقوبات المفروضة على رموز النظام والمتورطين بانتهاكات حقوق الإنسان. هذا التحول يحمل في طياته تداعيات كبيرة على الداخل السوري وعلى العلاقات الدولية، ويطرح تساؤلات حول موازين القوى القادمة في الشرق الأوسط.

رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا

في خطوة غير متوقعة، سمحت دول الاتحاد الأوروبي، يوم الثلاثاء، برفع كل العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وذلك في محاولة واضحة لدعم جهود التعافي في دمشق بعد صراع دام أربعة عشر عاماً ويأتي هذا القرار بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، بحسب ما أفادت مصادر أوروبية.

 

أعلن الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، أنه قرر رفع العقوبات الاقتصادية التي كان يفرضها على سوريا. وقالت ممثلة السياسة الخارجية في التكتل كايا كالاس على «إكس»: «نريد مساعدة الشعب السوري على إعادة بناء سوريا جديدة مسالمة تضم جميع الأطياف» وأضافت: «وقف الاتحاد الأوروبي دوماً إلى جانب السوريين طيلة الأربعة عشر عاماً الماضية، وسنظل كذلك».

من جانبه، رحّب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بما وصفه بأنه «إنجاز تاريخي جديد» برفع عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على بلاده. وقال الشيباني: «كل الشكر لدول الاتحاد الأوروبي، ولكل من أسهم في هذا الانتصار سيعزز هذا القرار الأمن والاستقرار والازدهار في سوريا».

 

وتأتي الخطوة الأوروبية بعد قرار مماثل برفع العقوبات أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال جولته الخليجية، الأسبوع الماضي.

 

وكانت العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا قد بدأت في عام 2011، وتركّزت بشكل رئيسي على استهداف رأس النظام السوري والجهات المرتبطة به، من أجل الضغط لإنهاء الانتهاكات بحقوق الإنسان وفتح المجال أمام انتقال سياسي سلمي.

تفصيل العقوبات الأوروبية التي تم رفعها والمُستثناة من القرار

أولاً: العقوبات التي لا تزال قائمة

بحسب تصريح الباحث الحقوقي المعتصم الكيلاني، فإن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية، اثنان منها لا يزالان قائمين:

  • العقوبات على الأفراد:
    تشمل هذه العقوبات 324 شخصية من أزلام النظام السابق، والذين لا يزالون تحت طائلة العقوبات الأوروبية. تشمل هذه الإجراءات تجميد الأصول ومنع السفر والتعاملات المالية مع الدول الأوروبية.

  • العقوبات على الكيانات:
    تتعلق بـ84 كياناً من شركات ومؤسسات وجهات كانت تدعم نظام الأسد بشكل مباشر، أو تساهم في انتهاكات حقوق الإنسان ودعم المليشيات المسلحة. هذه الكيانات لا تزال مشمولة بالعقوبات ولم يشملها قرار الرفع الجديد.

ثانياً: العقوبات التي تم رفعها

أما القسم الثالث من العقوبات – وهو الأهم بحسب الكيلاني – فهو الذي تم رفعه بشكل كامل، ويتضمن:

  • رفع الحظر عن استيراد النفط السوري
    أصبح بالإمكان الآن تصدير النفط من سوريا إلى أوروبا بشكل قانوني.

  • التعاملات المصرفية
    تم السماح بالتعامل مع المصرف التجاري السوري والمصرف المركزي السوري، ما يمثل خطوة كبيرة نحو إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي.

  • رفع القيود على التصدير والاستثمار
    سُمح بتصدير الأدوات التكنولوجية إلى سوريا، ورفع الحظر عن الاستثمارات الأوروبية، خصوصاً في قطاعات الغاز والطاقة والبنية التحتية، ما يُعد خطوة أساسية نحو انطلاق عمليات إعادة الإعمار.

قد يهمك : تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي حول خفض الأسعار وإنعاش البورصة وطباعة العملة

عودة الطيران والربط اللوجستي مع أوروبا

من بين أبرز التغييرات التي جاء بها القرار، ما ذكره الكيلاني حول السماح للطائرات السورية بالتحليق فوق الأراضي الأوروبية واستخدام مطارات الاتحاد الأوروبي، ما يمهد لعودة الرحلات الجوية بين سوريا وأوروبا بشكل مباشر كما شمل القرار:

  • فتح الطرق البرية والبحرية أمام حركة البضائع والسلع بين الطرفين.

  • إلغاء الحظر على الشحن والتصدير والاستيراد من وإلى سوريا.

إلا أن القيود لا تزال مفروضة على:

  • تصدير الأسلحة إلى سوريا.

  • المواد مزدوجة الاستخدام، التي يمكن توظيفها لأغراض مدنية وعسكرية.

الآثار السياسية المتوقعة: تمهيد للاعتراف الدبلوماسي

يشير الكيلاني إلى أن رفع العقوبات سيساهم بشكل مباشر في تحسين مكانة سوريا على المستوى السياسي، حيث سيفتح الباب أمام الاعتراف الدولي بالحكومة السورية الحالية، ويشجع الدول المتحفظة على إقامة علاقات دبلوماسية بسبب وجود العقوبات، على إعادة النظر في مواقفها كما أن هذا القرار سيساهم في:

  • دعم الاستقرار الأمني والعسكري عبر تقوية مؤسسات الدولة.

  • حصر السلاح بيد الدولة، ما سيساعد على فرض النظام وسيادة القانون.

رؤية اقتصادية: دعم مباشر لجهود التعافي والنهوض المالي

يرى الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس، أن هذا القرار يشكل محطة استراتيجية ضمن مسار رفع العقوبات الأميركية أيضاً، ويدعم الاقتصاد السوري بشكل مباشر.

وأوضح الجاموس أن رفع العقوبات الأوروبية:

  • يعيد للمصرف المركزي السوري السيطرة على أصوله، والتي كانت مجمدة في الخارج.

  • قد يؤدي إلى فك تجميد أموال تقدر بحوالي 500 مليون دولار موجودة في الحسابات الأوروبية، تعود لمسؤولين سابقين.

عودة سوريا إلى منظومة SWIFT

لفت الجاموس إلى أن من أبرز نتائج هذا القرار أيضاً، هو إعادة سوريا إلى منظومة التحويلات المالية العالمية (SWIFT)، التي تضم أكثر من 11 ألف بنك حول العالم. بما أن SWIFT مقرها في بروكسل، فإن القرار الأوروبي يتيح هذا الانضمام من جديد، ما يعني:

  • استئناف التحويلات المالية الآمنة مع البنوك الأوروبية.

  • دعم التجارة والاستثمار بشكل مباشر من خلال تسهيل التعاملات البنكية.

فرص استثمارية وارتباط بالمصالح الأوروبية

يشير الجاموس إلى أن أوروبا، في ظل أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية – الأوكرانية، ترى في سوريا بوابة مهمة لإتمام مشروع نقل الغاز القطري إلى تركيا وأوروبا عبر الأراضي السورية. ما يجعل من استقرار سوريا مصلحة أوروبية واضحة ويقول الجاموس إن هذا القرار يفتح المجال أمام:

  • المستثمرين الأوروبيين، الذين يرون في سوريا فرصة واعدة بفضل موقعها الجغرافي القريب من تركيا.

  • إمكانية افتتاح فروع للبنوك الأوروبية في سوريا، لدعم قطاعها المصرفي المنهك.

تحذير من غزو المنتجات الأوروبية للسوق السورية

في الوقت نفسه، يحذر الجاموس من التسرع في فتح الأسواق السورية أمام المنتجات الأوروبية، لأن ذلك قد يؤدي إلى:

  • إغراق السوق بمنتجات تنافسية تؤثر سلباً على المنتج المحلي.

  • إضعاف القطاع الصناعي السوري، الذي لا يزال في حالة هشاشة كبيرة.

وذكّر الجاموس بأن حجم التبادل التجاري بين سوريا والاتحاد الأوروبي بلغ أكثر من 3 مليارات دولار في عام 2010، رغم أن سوريا حينها لم تكن ضمن الحلف الغربي، ما يشير إلى حجم العلاقات الاقتصادية الممكنة بين الجانبين في حال استقرار الأوضاع وعودة العلاقات.

 

خاتمة: بداية جديدة لسوريا أم اختبار للالتزام السياسي؟

قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا يمثل تحولاً جوهرياً في المشهد السياسي والاقتصادي للبلاد، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من إعادة البناء والانفتاح على العالم.

 

لكنه في الوقت ذاته يضع الحكومة السورية أمام اختبار جدي للالتزام بالإصلاحات السياسية والديمقراطية، وحماية حقوق كل مكونات الشعب السوري، إذ أن الاتحاد الأوروبي يحتفظ بحق إعادة فرض العقوبات في حال عدم الالتزام بهذه الشروط.

 

وفي ظل هذا القرار، تبقى الفرص الاقتصادية والسياسية كبيرة، ولكنها مرهونة بتحقيق استقرار حقيقي وشامل في الداخل السوري، يؤسس لانطلاقة حقيقية نحو التعافي وإعادة الاندماج في المجتمع الدولي.

تم التحديث في: الخميس, 22 أيّار 2025 13:43
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول