الذهب يتراجع بعد قمة تاريخية مع توقعات بلوغه 5 آلاف دولار.. وخام الحديد يواصل الصعود

شهدت أسواق السلع العالمية خلال تعاملات الأسبوع الجاري تبايناً واضحاً في حركة الأسعار بين صعود خام الحديد وتراجع الذهب، في ظل تداخل عوامل الطلب والإنتاج والتوقعات الاقتصادية العالمية، إلى جانب تأثير السياسات النقدية الأميركية.

خام الحديد يواصل الارتفاع لأعلى مستوى في أسابيع

ارتفعت أسعار خام الحديد للجلسة الثالثة على التوالي، مسجلة أعلى مستوياتها منذ عدة أسابيع، بدعم من توقعات تحسن الطلب في السوق الصينية، رغم أن ارتفاع المخزونات من الصلب حدّ من مكاسب الأسعار بشكل ملحوظ.

ففي ختام تعاملات يوم الخميس، صعد عقد خام الحديد تسليم يناير 2026 – وهو الأكثر نشاطاً في بورصة داليان الصينية – بنسبة 1.65% ليصل إلى 791.5 يوان للطن (ما يعادل 110.65 دولاراً)، مسجلاً بذلك أعلى مستوى له منذ الرابع عشر من أغسطس.

وفي المقابل، شهدت بورصة سنغافورة ارتفاعاً مماثلاً، حيث صعدت العقود الآجلة لخام الحديد تسليم أكتوبر بنسبة 1.6% لتسجل 104.9 دولاراً للطن في تمام الساعة 10:56 صباحاً بتوقيت مكة المكرمة، بعد أن لامست في وقت سابق مستوى 105.35 دولاراً، وهو المستوى الأعلى منذ الرابع والعشرين من يوليو الماضي.

ويرى محللون أن بعض شركات الصلب الصينية بدأت الاستعداد لاستئناف عمليات الإنتاج، وهو ما انعكس في زيادة مشترياتها من المواد الخام. إلا أن هذا التفاؤل يظل مكبوحاً بعاملين رئيسيين هما:

• ارتفاع المخزونات من الصلب بشكل ملحوظ.

• ضعف الطلب النهائي على المنتجات الفولاذية، وهو ما قد يبطئ وتيرة التعافي ويضع سقفاً لمكاسب الأسعار.

يُذكر أن مصانع الصلب في مدينة تانجشان، أكبر مركز لإنتاج الفولاذ في الصين، تلقت أوامر حكومية بخفض الإنتاج مؤقتاً بهدف تحسين جودة الهواء قبيل العرض العسكري المزمع إقامته في العاصمة بكين، وهو ما تسبب في ضغط إضافي على الطلب خلال الفترة الماضية.

أداء أسعار الذهب اليوم

على الجانب الآخر من أسواق المعادن، شهدت أسعار الذهب حركة معاكسة، حيث تراجعت من مستوياتها القياسية بفعل عمليات جني الأرباح من قبل المستثمرين.

فبعدما لامس المعدن النفيس أعلى مستوى له على الإطلاق في الجلسة السابقة، تعرض لضغوط بيع يوم الخميس ليستغل المستثمرون مكاسب الأسعار القوية في ظل الترقب لبيانات اقتصادية مهمة من الولايات المتحدة.

وقال برايان لان، المدير العام لشركة GoldSilver Central، في تعليق له: "شهدنا بعض عمليات جني الأرباح، لكن الذهب لا يزال في سوق صاعدة في الوقت الحالي. توقعات خفض الفائدة والمخاوف بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي ستعزز الطلب على الملاذات الآمنة." وأضاف: "لن نفاجأ إذا ارتفعت أسعار الذهب إلى 3,800 دولار أو حتى أعلى على المدى القريب."

ويترقب المستثمرون حالياً صدور بيانات الوظائف غير الزراعية الأميركية يوم الجمعة، وسط توقعات باستحداث 78 ألف وظيفة في أغسطس، مقارنة بـ 73 ألف وظيفة فقط في يوليو، وفقاً لاستطلاع أجرته وكالة رويترز.

توترات تجارية وتصريحات سياسية تزيد من الضبابية

في سياق متصل، صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الأربعاء بأن الولايات المتحدة قد تضطر إلى "إلغاء" بعض اتفاقياتها التجارية مع كل من الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، وغيرها من الشركاء، إذا ما خسرت قضية منظورة أمام المحكمة العليا تتعلق بالتعريفات الجمركية.

هذه التصريحات أعادت إلى الواجهة المخاوف من عودة التوترات التجارية العالمية، وهو ما يضيف عاملاً جديداً للتقلبات في أسواق المعادن والعملات.

أداء الذهب في تعاملات الأسبوع

• عند التسوية يوم الأربعاء: ارتفعت العقود الآجلة للمعدن الأصفر تسليم ديسمبر بنسبة 1.2% أو ما يعادل 43.3 دولاراً، لتغلق عند 3,635.50 دولاراً للأوقية.

• الذهب الفوري يوم الخميس: تراجع بنسبة 0.44% ليسجل 3,543 دولاراً للأونصة، بعدما بلغ ذروته القياسية عند 3,578.50 دولاراً في الجلسة السابقة.

• العقود الآجلة الأميركية (ديسمبر): هبطت بنسبة 1.3% لتصل إلى 3,602 دولاراً.

أما على صعيد العملات، فقد ارتفعت عقود مؤشر الدولار بنسبة 0.1% إلى 98.19 نقطة، مما شكل ضغطاً إضافياً على أسعار الذهب.

المعادن الأخرى: ضغوط بيعية بعد قمم تاريخية

لم تقتصر التراجعات على الذهب وحده، بل شملت أيضاً المعادن النفيسة الأخرى:

• الفضة الفورية: انخفضت بنسبة 0.8% إلى 40.82 دولاراً للأونصة، بعدما سجلت أعلى مستوى لها منذ سبتمبر 2011.

• البلاتين: تراجع بنسبة 0.8% ليصل إلى 1,409.53 دولاراً.

• البلاديوم: هبط بنسبة 1.6% مسجلاً 1,129.82 دولاراً.

ضغوط سوق العمل الأميركي وتعزيز رهانات خفض الفائدة

أفادت وزارة العمل الأميركية يوم الأربعاء أن عدد الوظائف الشاغرة انخفض بأكثر من المتوقع ليصل إلى 7.181 مليون وظيفة في يوليو.

هذا التطور عزز قناعة العديد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي بأن ضعف سوق العمل يستدعي التحرك بخفض أسعار الفائدة. وأكد عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر أنه يعتقد أن البنك المركزي يجب أن يخفض الفائدة في اجتماعه المقبل.

المتعاملون في الأسواق قاموا بتسعير احتمال بنسبة 97% لخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماع السياسة النقدية المزمع عقده يومي 17 و18 سبتمبر، ارتفاعاً من نسبة 92% قبل صدور البيانات، وفقاً لأداة متابعة الفائدة الأميركية على منصة إنفستنغ السعودية.

توقعات مستقبلية: نحو 5 آلاف دولار للأوقية؟

في توقعات أكثر جرأة، أشار بنك جولدمان ساكس إلى إمكانية وصول أسعار الذهب إلى مستويات تقارب 5,000 دولار للأوقية في حال تعرضت مصداقية واستقلالية الاحتياطي الفيدرالي لتآكل، مما قد يدفع المستثمرين إلى تحويل حتى نسبة صغيرة (1%) من استثماراتهم في سندات الخزانة الأميركية نحو الذهب.

وذكر محللو البنك في مذكرة بحثية – نقلتها بلومبرج – أن مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى:

• ارتفاع معدلات التضخم.

• انخفاض أسعار الأسهم والسندات طويلة الأجل.

• تآكل مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية.

وأضاف البنك أن السيناريو الأساسي يشير إلى إمكانية ارتفاع الذهب إلى 4,000 دولار للأوقية بحلول منتصف العام المقبل، مع وجود سيناريو آخر يرفع التقديرات إلى 4,500 دولار، بينما يظل سيناريو 5,000 دولار قائماً إذا تحقق تدفق رأس المال من السندات إلى المعدن النفيس.

الذهب: السلعة الأفضل أداءً هذا العام

يُعتبر الذهب من بين السلع الأساسية الأفضل أداءً خلال العام الجاري، إذ ارتفعت أسعاره بأكثر من الثلث، مسجلاً مستويات قياسية جديدة هذا الأسبوع.

ويأتي هذا الأداء الاستثنائي في ظل موجة بيعية قوية تشهدها أسواق السندات العالمية، بالإضافة إلى الضغوط السياسية التي يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، ما عزز من مكانة الذهب كملاذ آمن ومخزن للقيمة.

خلاصة:
بينما يدعم التفاؤل بشأن الطلب في الصين استمرار صعود أسعار خام الحديد، تواجه أسواق الصلب تحديات مرتبطة بالمخزونات المرتفعة وضعف الاستهلاك. أما الذهب، فرغم تراجعه الأخير بفعل جني الأرباح، فإنه يظل في مسار صاعد تدعمه رهانات خفض الفائدة الأميركية، والمخاوف بشأن السياسة النقدية والاقتصاد العالمي، مع توقعات متنامية ببلوغ مستويات غير مسبوقة خلال العام المقبل.