الذهب والفضة يسجلان مستويات قياسية غير مسبوقة وسط توترات جيوسياسية وضعف الدولار الأميركي

شهدت أسواق المعادن الثمينة موجة صعود تاريخية جديدة، بعدما سجّل كل من الذهب والفضة مستويات قياسية غير مسبوقة، في واحدة من أقوى التحركات السعرية منذ عقود، مدفوعة بتصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية، واستمرار ضعف الدولار الأميركي، إلى جانب تدفقات استثمارية كثيفة نحو الأصول الآمنة في ظل تنامي حالة عدم اليقين مع اقتراب نهاية العام.

وجاء هذا الارتفاع ليُمدد موجة الصعود القوية التي تسيطر على أسواق المعادن النفيسة منذ أشهر، مع تحوّل الذهب والفضة إلى الوجهة الأولى للمستثمرين الباحثين عن التحوّط من المخاطر السياسية والاقتصادية المتزايدة، في وقت تتسم فيه الأسواق العالمية بتقلبات حادة وسيولة محدودة بسبب عطلات نهاية العام.

أداء أسعار الذهب اليوم

ارتفع الذهب في التعاملات الفورية بنسبة 1.2% ليسجل مستوى قياسيًا جديدًا فوق 4,530 دولارًا للأونصة، في انعكاس مباشر لتصاعد المخاوف الجيوسياسية العالمية وضعف العملة الأميركية.

وعند الساعة 10:15 بتوقيت تركيا، صعد الذهب الفوري بنسبة 0.78% ليبلغ 4,514 دولارًا للأونصة، بعد أن لامس في وقت سابق من الجلسة ذروة تاريخية جديدة عند 4,530.60 دولارًا للأونصة.

كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأميركي تسليم فبراير بنسبة 0.92% لتصل إلى 4,544 دولارًا للأونصة، ما يعكس استمرار الزخم الصعودي القوي في سوق العقود المستقبلية، وتزايد رهانات المستثمرين على استمرار الاتجاه الصاعد خلال الفترة المقبلة.

وجاء هذا الأداء القوي للذهب مدعومًا بتطورات جيوسياسية لافتة، أبرزها تصاعد الاحتكاكات في فنزويلا، حيث شددت الولايات المتحدة حصارها على ناقلات النفط، وصعّدت من ضغوطها على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو.

وقد أثارت هذه الخطوات مخاوف واسعة بشأن اضطرابات محتملة في إمدادات الطاقة وعدم الاستقرار الإقليمي، ما عزز الطلب على الذهب كأحد أهم الملاذات الآمنة عالميًا.

تصعيد عسكري أميركي يزيد من قلق الأسواق

وزادت حدة القلق في الأسواق العالمية عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن القوات الأميركية نفذت ما وصفه بـ"ضربة قوية ومميتة" ضد تنظيم "داعش" في نيجيريا.

وسلط هذا التصعيد الضوء على استعداد واشنطن لاستخدام القوة العسكرية في مناطق متعددة من العالم، وهو ما عمّق حالة التوتر الجيوسياسي، ودفع المستثمرين إلى تعزيز مراكزهم في الأصول الدفاعية، وعلى رأسها الذهب.

أداء أسعار الفضة اليوم

لم يقتصر الصعود القوي على الذهب فقط، بل شهدت الفضة واحدة من أقوى موجات الارتفاع في تاريخها الحديث. فقد ارتفعت عقود الفضة الآجلة بنسبة 4.55% لتصل إلى 74.94 دولارًا للأوقية، في حين صعدت الفضة في التعاملات الفورية للجلسة الخامسة على التوالي، مسجلة مكاسب بلغت نحو 4.5%، لتتجاوز حاجز 75 دولارًا للأونصة للمرة الأولى على الإطلاق.

وجاءت المكاسب الأخيرة للمعدن الأبيض مدفوعة بعدة عوامل، أبرزها التدفقات المضاربية القوية، والاضطرابات المستمرة في سلاسل الإمداد عبر مراكز التداول الرئيسية، وذلك عقب موجة ضغط تاريخية شهدتها الأسواق في شهر أكتوبر. كما ساهمت محدودية المعروض المتاح عالميًا في تعزيز التحركات السعرية الحادة، خاصة في ظل ظروف تداول ضعيفة بسبب موسم العطلات.

ضعف الدولار يعزز جاذبية المعادن النفيسة

على صعيد العملات، تراجع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من العملات الرئيسية، بنسبة 0.8% خلال الأسبوع، مسجلًا أكبر انخفاض أسبوعي له منذ شهر يونيو.

ويُعد ضعف الدولار عاملًا داعمًا رئيسيًا لأسعار الذهب والفضة، إذ يجعل السلع المقومة بالدولار أقل تكلفة للمستثمرين من حاملي العملات الأخرى، ما يعزز الطلب العالمي عليها.

ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الذهب بنحو 3% خلال هذا الأسبوع، مع استمرار سعي المستثمرين إلى التحوط من تزايد حالة عدم اليقين العالمي، سواء على الصعيد الجيوسياسي أو الاقتصادي.

التوترات الجيوسياسية في صدارة المحركات

شكلت التطورات الجيوسياسية المحرك الرئيسي لتحركات الأسواق، حيث أدى تصعيد الولايات المتحدة للضغط على صادرات النفط الفنزويلية إلى إثارة مخاوف واسعة بشأن اضطرابات الإمدادات العالمية، واحتمالات توسع رقعة عدم الاستقرار الإقليمي.

كما ساهمت الضربات الأميركية في نيجيريا في زيادة حالة القلق بشأن اتساع نطاق التدخلات العسكرية الأميركية عالميًا، ما عزز الطلب على الملاذات الآمنة.

الفضة تجمع بين الدور الدفاعي والاستخدام الصناعي

تتبعت الفضة مكاسب الذهب، مستفيدة ليس فقط من جاذبيتها كأصل دفاعي، بل أيضًا من استخدامها الصناعي الواسع، لا سيما في قطاعات الإلكترونيات وتقنيات الطاقة النظيفة. وقد عزز هذا المزيج من الطلب الاستثماري والصناعي قوة الزخم الصعودي للفضة، مقارنةً بباقي المعادن النفيسة.

رهانات على تخفيف السياسة النقدية تضغط على الدولار

تعرض الدولار الأميركي لمزيد من الضغوط في ظل توقعات متزايدة بأن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في تخفيف السياسة النقدية خلال عام 2026، مع ظهور مؤشرات على تراجع التضخم واعتدال وتيرة النمو الاقتصادي.

كما دعمت عوائد سندات الخزانة الأميركية المنخفضة الأصول غير المدرة للفائدة، مثل الذهب، حيث أعاد المستثمرون تقييم توقعات أسعار الفائدة الأميركية، وبدأوا بتحويل محافظهم نحو مخازن القيمة طويلة الأجل.

ومع بقاء السيولة ضعيفة خلال فترة العطلات، حذّر محللون من أن تقلبات الأسعار قد تكون مبالغًا فيها على المدى القصير.

إلا أنهم أشاروا في الوقت ذاته إلى أن الأساسيات الأوسع للسوق ما تزال قوية، وتدعم استمرار قوة الذهب والفضة مع دخول العام الجديد.

أفضل أداء سنوي منذ أكثر من أربعة عقود

سجّل الذهب ارتفاعًا بنحو 70% منذ بداية العام، في حين قفزت أسعار الفضة بأكثر من 150%، مع توجه المعدنين لتحقيق أفضل أداء سنوي لهما منذ عام 1979 واستند هذا الصعود الحاد إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها الارتفاع القياسي في مشتريات البنوك المركزية، والتدفقات الكبيرة إلى صناديق المؤشرات المتداولة، إلى جانب ثلاث عمليات خفض متتالية لأسعار الفائدة نفذها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

صناديق المؤشرات تقود موجة الشراء

كان الشراء المكثف من قبل الصناديق المتداولة في البورصة أحد المحركات الرئيسية للطفرة الأخيرة في أسعار الذهب. ووفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، ارتفعت الحيازات الإجمالية في الصناديق المدعومة بالذهب في جميع أشهر هذا العام باستثناء شهر مايو.

كما زادت حيازات صندوق "إس بي دي آر غولد تراست" التابع لشركة "ستيت ستريت كورب"، وهو أكبر صندوق متداول للمعادن النفيسة عالميًا، بأكثر من الخُمس خلال العام الجاري.

الفضة تواجه مخاطر تنظيمية وتجارية محتملة

أما صعود الفضة، فقد كان أكثر حدة حتى من الذهب، إذ شهدت خزائن لندن تدفقات كبيرة منذ موجة الضغط في أكتوبر، في حين لا يزال جزء كبير من الفضة المتاحة عالميًا متركزًا في نيويورك.

ويترقب المتعاملون نتائج تحقيق تجريه وزارة التجارة الأميركية حول ما إذا كانت واردات المعادن الحيوية تشكل تهديدًا للأمن القومي، وهو ما قد يفتح الباب أمام فرض رسوم جمركية أو قيود تجارية جديدة على المعدن، ما يزيد من تعقيد المشهد في سوق الفضة خلال الفترة المقبلة.