أسعار الذهب تعود للمكاسب مدعومة باستمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي وتراجع الدولار

افتتحت أسعار الذهب تداولات الاثنين على ارتفاع طفيف بعد خسارة أسبوعية سجلها المعدن النفيس بنهاية تعاملات الجمعة الماضية، إذ تلقى دعماً من تراجع محدود في قيمة الدولار الأمريكي الذي بقي قريبًا من أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر، والتي سجلها خلال الأسبوع السابق.

 

ورغم هذا الارتفاع، إلا أن المكاسب بقيت محدودة نتيجة انخفاض توقعات الأسواق بشأن خفض إضافي لأسعار الفائدة الأمريكية في ديسمبر المقبل، إلى جانب التحسن النسبي في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ما خفّف من دوافع اللجوء إلى الذهب كملاذ آمن.

أداء الذهب اليوم

في خلفية هذا المشهد، تلوح أزمة سياسية واقتصادية متصاعدة في واشنطن، إذ يهدد الإغلاق الحكومي الأمريكي بأن يصبح الأطول في تاريخ البلاد مع استمرار الجمود بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

 

وقد دخل الإغلاق شهره الجديد دون بوادر اتفاق، ما يهدد بحرمان ملايين الأمريكيين من المساعدات الغذائية، وانتهاء صلاحية إعانات الرعاية الصحية دون تمديد، الأمر الذي يزيد الضغط على الاقتصاد المحلي ويؤثر على معنويات الأسواق المالية العالمية.

 

وفي مقابلة تلفزيونية أذيعت الأحد، شدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أنه "لن يخضع للابتزاز" من الديمقراطيين الذين يطالبون ببدء مفاوضات حول تمديد إعانات برنامج أوباما كير للرعاية الصحية، مؤكدًا أنه لن يتفاوض إلا بعد إعادة فتح الحكومة.

 

تصريحات ترامب التي جاءت عبر برنامج 60 دقيقة على شبكة "سي بي إس" أشارت بوضوح إلى أن الأزمة مرشحة للاستمرار، مما يعني مزيدًا من الضبابية السياسية والاقتصادية، وهو ما يعزز الطلب على الذهب في فترات القلق وعدم الاستقرار.

تداعيات اقتصادية واسعة للإغلاق

يتوقع أن يفقد آلاف الموظفين الفيدراليين رواتب جديدة في حال استمرار الإغلاق، بينهم موظفو قطاعات حيوية مثل مراقبي حركة الطيران. كما تتزايد المخاوف بشأن قدرة نحو 42 مليون أمريكي على الحصول على مساعدات الغذاء الفيدرالية، في وقت يواجه فيه الاقتصاد تباطؤًا في النمو نتيجة تعطّل الخدمات الحكومية وتراجع الإنفاق الاستهلاكي.

 

من جهتهم، رفض الديمقراطيون في مجلس الشيوخ حتى الآن 13 مشروع قانون لإعادة فتح الحكومة، متمسكين بموقفهم الرافض لأي تسوية دون مفاوضات حقيقية مع البيت الأبيض، مما يعمّق الأزمة السياسية ويفاقم حالة الشلل التشريعي في واشنطن.

ضغوط الدولار وتراجع رهانات الفائدة

أوضح كبير محللي الأسواق في شركة أواندا، كيلفن وونغ، أن استقرار قوة الدولار خلال جلسة التداول الآسيوية اليوم أعطى الذهب دفعة محدودة نحو الأعلى، في ظل استمرار الترقب لبيانات أمريكية حاسمة هذا الأسبوع.

 

وكان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد خفّض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه بتاريخ 29 أكتوبر، وهي المرة الثانية هذا العام، لكن التصريحات المتشددة من رئيسه جيروم باول بعد القرار قلّصت احتمالات خفض إضافي في عام 2025.

 

ووفقًا لبيانات أداة متابعة الفائدة الأمريكية على موقع "إنفستنغ السعودية"، فإن المتعاملين يمنحون الآن احتمالًا بنسبة 71% فقط لخفض الفائدة في ديسمبر، مقارنةً بأكثر من 90% قبل تصريحات باول.

 

ويُعرف عن الذهب أنه يحقق أداءً قويًا عادةً في فترات انخفاض أسعار الفائدة أو تصاعد الشكوك الاقتصادية، كونه أصلًا لا يدر عائدًا، ما يجعله أكثر جاذبية عندما تتراجع عوائد الأصول الأخرى مثل السندات.

التهدئة التجارية تقلص الإقبال على الملاذ الآمن

من جهة أخرى، ساهمت التهدئة التجارية بين الولايات المتحدة والصين في تراجع مؤقت للطلب على الملاذات الآمنة ويراقب المستثمرون في الوقت الحالي بيانات أمريكية مهمة مثل تقرير وظائف القطاع الخاص (ADP) ومؤشر مديري المشتريات الصناعي (ISM)، والتي يمكن أن تؤثر على توجه الفيدرالي في السياسة النقدية المقبلة.

 

وأشار وونغ إلى أن تحسّن شهية المخاطرة في أسواق الأسهم العالمية قد يسحب بعض السيولة من سوق الذهب، مضيفًا أن استمرار حالة الهدوء بين واشنطن وبكين يقلص من دوافع المستثمرين للتحوّط عبر المعدن الأصفر.

 

وكان الرئيس الأمريكي ترامب قد وافق الأسبوع الماضي على خفض بعض الرسوم الجمركية المفروضة على الصين، مقابل تنازلات من بكين تتعلق بتجارة مادة الفنتانيل غير المشروعة، وزيادة واردات فول الصويا الأمريكي، وتخفيف القيود على صادرات المعادن النادرة. هذه الخطوات عززت التفاؤل بإمكانية تحسن العلاقات التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.

الذهب يواصل مكاسبه رغم الخسارة الأسبوعية

عند إغلاق تعاملات الجمعة الماضية، سجل الذهب خسارة أسبوعية لكنها كانت متوازنة مع مكاسب شهرية استمرت لثلاثة أشهر متتالية حتى نهاية أكتوبر، بدعم من استمرار حالة عدم اليقين التجاري والجيوسياسي في العالم.

 

وانخفضت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 0.48% أو ما يعادل 19.4 دولارًا لتصل إلى 3,996.50 دولار للأوقية، لتسجل خسارة أسبوعية قدرها 3.40%.

 

أما خلال تداولات اليوم، فقد ارتفع الذهب الفوري بنسبة 0.38% إلى 4,017 دولارًا للأوقية، بينما صعدت العقود الآجلة تسليم ديسمبر بنسبة 0.81% إلى 4,028 دولارًا للأوقية.

 

في المقابل، تراجع مؤشر الدولار الأمريكي أمام سلة من العملات الرئيسية إلى 99.64 نقطة، ما جعل الذهب المقوّم بالدولار أرخص نسبيًا لحائزي العملات الأخرى، وهو ما دعم الطلب على المعدن الأصفر.

تحركات المعادن النفيسة الأخرى

وفي أسواق المعادن الثمينة الأخرى، ارتفعت الفضة الفورية بنسبة 0.6% لتسجل 48.92 دولارًا للأوقية، بينما صعد البلاتين بنسبة 2.3% إلى 1,604.21 دولارًا للأوقية، وحقق البلاديوم مكاسب تقارب 1% ليصل إلى 1,447.08 دولارًا للأوقية، في ظل تحسن الطلب الصناعي والمضاربات الإيجابية في الأسواق.

 

نظرة مستقبلية

يبدو أن الذهب سيبقى متقلبًا خلال الأسابيع المقبلة بين ضغوط قوة الدولار وتراجع رهانات خفض الفائدة من جهة، وبين دعم المخاطر السياسية والاقتصادية المتمثلة في الإغلاق الحكومي الأمريكي والقلق العالمي من تباطؤ النمو من جهة أخرى.

 

وفي حال استمرار الجمود السياسي في واشنطن، فقد يتجه المستثمرون مجددًا نحو الذهب كملاذ آمن، خصوصًا إذا ظهرت مؤشرات على تراجع النشاط الاقتصادي الأمريكي أو تباطؤ سوق العمل في بيانات الأسبوع الجاري.

تم التحديث في: الاثنين, 03 تشرين الثاني 2025 11:44
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول