الذهب يتجه نحو مكاسب أسبوعية وسط مخاوف مالية وتجارية أمريكية بعد إقرار مشروع ترامب لخفض الضرائب
ارتفعت أسعار الذهب العالمية في تداولات الجمعة مدعومة بمخاوف المستثمرين من الأوضاع المالية الأمريكية، بعد تمرير الكونغرس لمشروع قانون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخفض الضرائب والإنفاق، والذي يهدد بزيادة كبيرة في الدين الوطني.
في الوقت نفسه، تلقى الذهب دعماً إضافياً من توقعات توترات تجارية جديدة إثر إعلان ترامب عن خطط لفرض رسوم جمركية ثابتة. أما بيانات سوق العمل الأمريكي القوية، فقد حدّت من بعض مكاسب المعدن الثمين، مع مراقبة المستثمرين لاحتمالات إبقاء الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير.
إقبال المستثمرين على الذهب كملاذ آمن
ارتفعت أسعار الذهب العالمية في تعاملات صباح الجمعة، وسط توجه المستثمرين إلى الأصول الآمنة هربًا من المخاطر المتصاعدة التي تلوح في الأفق بشأن المالية العامة الأمريكية. وجاء ذلك بعد تمرير الكونغرس الأمريكي مشروع قانون الرئيس دونالد ترامب الشامل لخفض الضرائب والإنفاق.
هذا المشروع، الذي أُقر يوم الخميس، أثار موجة من القلق في الأوساط الاقتصادية والمالية نظرًا لما قد يسببه من زيادة كبيرة في عجز الميزانية والدين الوطني الأمريكي. المستثمرون الذين يرون في الذهب أصلًا آمنًا في أوقات الغموض المالي والسياسي عززوا الطلب عليه، دافعين أسعاره إلى الارتفاع باتجاه تحقيق مكاسب أسبوعية واضحة.
تفاصيل التصويت في الكونغرس الأمريكي وإقرار مشروع القانون
اجتاز مشروع قانون خفض الضرائب عقبة الكونغرس الأخيرة بعد جلسة نقاش حادة وصاخبة في مجلس النواب الأمريكي. فقد صوّت النواب بالموافقة على القانون بأغلبية ضئيلة للغاية بلغت 218 صوتًا مقابل 214، في مشهد أظهر الانقسام العميق داخل المجلس. تجدر الإشارة إلى أن عضوين جمهوريين فقط صوتا ضد المشروع في النهاية، ما سمح بتمريره رغم المعارضة الشرسة.
أرسل مجلس النواب الأمريكي مشروع القانون إلى الرئيس ترامب لتوقيعه رسميًا يوم الخميس، في خطوة تمثل انتصارًا تشريعيًا للرئيس قبيل الموعد النهائي الذي حدده بنفسه في الرابع من يوليو لإتمام هذه الحزمة الضخمة من الإصلاحات الضريبية والإنفاقية.
أثر القانون المتوقع على المالية العامة الأمريكية والدين القومي
بحسب مكتب الميزانية في الكونغرس (CBO)، وهو هيئة مستقلة وغير حزبية، من المتوقع أن يضيف مشروع القانون الجديد نحو 3.4 تريليون دولار إلى الدين الوطني الأمريكي خلال السنوات العشر القادمة. الدين القومي الحالي يبلغ بالفعل حوالي 36.2 تريليون دولار، ما يجعل هذه الزيادة المتوقعة مصدر قلق كبير للأسواق.
الخبير إدوارد مير، المحلل في "ماركس"، أشار إلى أن القانون لا يحقق أي تقدم يُذكر في معالجة العجز المالي المزمن للولايات المتحدة. بل على العكس، يتوقع على المدى البعيد أن يكون القانون سلبيًا للدولار وإيجابيًا للذهب، إذ يُضعف الثقة في العملة الأمريكية ويرفع جاذبية المعدن الأصفر كتحوط ضد التضخم وتراجع قيمة الدولار.
بيانات سوق العمل الأمريكي
إلى جانب تطورات التشريع المالي، أظهرت بيانات جديدة عن سوق العمل الأمريكي استمرار قوته وزخمه. فقد أعلنت وزارة العمل الأمريكية أن الاقتصاد أضاف 147,000 وظيفة جديدة في يونيو، متجاوزًا التوقعات. كما انخفض معدل البطالة إلى 4.1%.
هذه الأرقام القوية قلّصت من احتمالات استئناف مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) خفض أسعار الفائدة قريبًا، وهو ما ضغط على أسعار الذهب في لحظات معينة من الأسبوع، لأن أسعار الفائدة المرتفعة أو الثابتة تدعم الدولار وتضعف جاذبية الذهب الذي لا يدر عائدًا ثابتًا.
ملف الرسوم الجمركية وتحركات الدولار الأمريكي
لم يكن الجانب المالي وحده هو ما دعم الذهب هذا الأسبوع؛ بل لعب ملف التجارة دورًا مهمًا كذلك. أعلن الرئيس ترامب أنه اعتبارًا من يوم الجمعة ستبدأ واشنطن في إرسال خطابات رسمية للاقتصادات الكبرى توضح فيها معدلات الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة المفروضة على صادراتها.
هذا التحول يمثل تغييرًا كبيرًا عن الخطط السابقة، التي كانت تركز على اتفاقات تجارية فردية مع دول محددة. فبدلاً من التفاوض الثنائي المطوّل مع أكثر من 170 دولة، تنوي الإدارة الأمريكية الآن فرض معدلات تعريفة ثابتة تتراوح بين 20% و30% بشكل أحادي الجانب.
حتى اللحظة، أبرمت الولايات المتحدة اتفاقات تجارية ثنائية فقط مع المملكة المتحدة وفيتنام، إلى جانب إطار عمل محدود مع الصين.
هذا الإعلان الجديد زاد من حالة عدم اليقين في السوق العالمية وأثار مخاوف من تصاعد الاحتكاكات التجارية العالمية، وهو ما دعم الطلب على الذهب باعتباره أصلًا ملاذًا آمنًا في فترات الأزمات.
ترامب يحدد مهلة 9 يوليو لبدء تطبيق الرسوم الجديدة
أشار المحلل إدوارد مير إلى أن الذهب قد يواصل الارتفاع إذا التزم ترامب بالموعد النهائي المقرر في 9 يوليو لبدء تطبيق الرسوم الجمركية. وكانت إدارة ترامب قد أعلنت في الثاني من أبريل عن فرض رسوم انتقامية تتراوح بين 10% و50% على واردات محددة، لكنها خفّضت معظمها إلى 10% مؤقتًا حتى 9 يوليو لإتاحة فرصة للتفاوض.
هذا الموعد يمثل الآن نقطة مراقبة أساسية للمستثمرين، الذين يتوقعون تأثيره على الدولار والذهب على حد سواء.
تحركات الدولار الأمريكي ودعم إضافي للذهب
في هذا السياق، اتجه مؤشر الدولار الأمريكي نحو تسجيل خسائر أسبوعية للمرة الثانية على التوالي. الدولار الأضعف يجعل الذهب أرخص سعرًا للمشترين من خارج الولايات المتحدة، ما يزيد من جاذبيته في الأسواق العالمية.
هذا التراجع في الدولار ترافق مع إعلان الرئيس الأمريكي عن الإجراءات الجمركية الجديدة ومع تزايد المخاوف بشأن العجز المالي الأمريكي الضخم، ما شكل دعمًا مزدوجًا للذهب.
أداء أسعار الذهب
رغم الزخم الإيجابي العام خلال الأسبوع، شهدت أسعار الذهب بعض التصحيح في جلسة الخميس، متأثرة ببيانات سوق العمل الأمريكي القوية. فقد انخفضت العقود الآجلة للمعدن الأصفر تسليم أغسطس بنسبة 0.50%، ما يعادل حوالي 16.8 دولارًا، لتغلق عند مستوى 3342.90 دولارًا للأوقية.
هذا الانخفاض يعكس تأثير البيانات الاقتصادية التي تقلص توقعات خفض الفائدة، والتي عادة ما تكون داعمة للذهب.
أسعار الذهب والدولار اليوم
بحلول الساعة 10:00 صباحًا بتوقيت تركيا، شهدت أسعار الذهب الفورية ارتفاعًا بنسبة 0.5%، مسجلة 3342 دولارًا للأوقية. وبذلك تجاوزت مكاسب الذهب الأسبوعية نسبة 2%، مما يؤكد توجهه لتحقيق رابع مكسب أسبوعي في خمسة أسابيع.
كما صعدت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة بنسبة 0.28% إلى 3352 دولارًا للأوقية، في حين تراجعت عقود مؤشر الدولار الأمريكي بنحو 0.2%.
أسعار المعادن الثمينة الأخرى
لم يكن الذهب وحده هو الذي شهد تحركات لافتة في سوق المعادن الثمينة. فقد استقر سعر الفضة الفوري عند 36.84 دولارًا للأوقية. وارتفع البلاتين بنسبة 1.4% إلى 1386.16 دولارًا للأوقية، مدعومًا بمؤشرات طلب صناعي وتحركات في سوق السيارات. في المقابل، تراجع البلاديوم بنسبة 0.5% إلى 1141.97 دولارًا للأوقية.
الذهب يتجه نحو مكاسب أسبوعية
في المجمل، تلقى المعدن النفيس هذا الأسبوع دعمًا مزدوجًا. من جهة، المخاوف العميقة بشأن العجز المالي الأمريكي والدين الوطني المتضخم في أعقاب تمرير مشروع قانون ترامب لخفض الضرائب والإنفاق، ومن جهة أخرى، التوترات المتوقعة في التجارة العالمية بعد إعلان الإدارة الأمريكية عن خطط جديدة للرسوم الجمركية.
غير أن بيانات سوق العمل القوية في الولايات المتحدة حدّت من بعض المكاسب، بتعزيزها التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يبقي على أسعار الفائدة دون تغيير في الفترة القادمة، ما قد يحافظ على بعض الدعم للدولار.
خلاصة
تتجه أسعار الذهب نحو إغلاق أسبوعي إيجابي بدعم من المخاوف بشأن الأوضاع المالية الأمريكية، وتزايد احتمالات الاحتكاكات التجارية مع شركاء الولايات المتحدة. وبينما يترقب المستثمرون توقيع الرئيس ترامب على قانون خفض الضرائب والإنفاق قبل الرابع من يوليو، ويستعدون لاحتمال بدء تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة في التاسع من الشهر نفسه، تظل توقعات الذهب مرتبطة بشكل وثيق بتطورات هذه الملفات الكبرى التي تلقي بظلالها على الثقة بالدولار والاقتصاد العالمي ككل.