الذهب يهبط دون 4000 دولار للأونصة بفعل قوة الدولار وتراجع توقعات خفض الفائدة الأمريكية

شهدت أسعار الذهب العالمية تراجعًا واضحًا في تعاملات اليوم الثلاثاء، إذ فشلت في الصمود فوق مستوى 4000 دولار للأونصة وسط ضغوط متزايدة من قوة الدولار الأميركي واستمرار تراجع التوقعات بخفض معدلات الفائدة في ديسمبر المقبل. كما ساهمت الأجواء الهادئة نسبيًا في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في تقليص الطلب على المعدن النفيس كملاذ آمن.

أداء أسعار الذهب اليوم

تراجعت أسعار الذهب دون مستوى 4000 دولار للأونصة في تداولات اليوم الثلاثاء، متأثرة بمجموعة من العوامل الاقتصادية والمالية العالمية. فقد أدى ارتفاع الدولار الأميركي وتراجع رهانات المستثمرين بشأن خفض أسعار الفائدة الأميركية في ديسمبر إلى تقويض جاذبية الذهب، الذي عادة ما يزدهر في بيئة نقدية أكثر تيسيرًا.

 

كما أن انحسار التوترات التجارية بين واشنطن وبكين أسهم في الحد من الإقبال على الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين. ويأتي ذلك في وقت يترقب فيه المستثمرون صدور بيانات التوظيف في القطاع الخاص الأميركي هذا الأسبوع لتقييم اتجاه السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي خلال الفترة المقبلة.

تداولات الأسعار وأداء العقود الآجلة

في المعاملات الفورية، انخفض سعر الذهب بنسبة 0.6% ليصل إلى 3974.87 دولارًا للأونصة، قبل أن يسجل في وقت لاحق 3966 دولارًا، بينما تراجعت العقود الأميركية الآجلة تسليم ديسمبر بنسبة 0.8% إلى 3982.20 دولارًا للأونصة.

 

ويعكس هذا التراجع ضعف شهية المخاطرة في الأسواق وسط هيمنة قوة الدولار الأميركي، إذ استقر مؤشر الدولار قرب أعلى مستوياته في أكثر من ثلاثة أشهر، مدعومًا بانقسامات واضحة داخل صفوف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن مستقبل السياسة النقدية.

تصريحات المحللين حول أداء الذهب والدولار

قال تيم ووترر، كبير محللي السوق في شركة «كيه.سي.إم تريد» في تصريحات لوكالة «رويترز»، إن «قوة الدولار تمثل شوكة في خاصرة الذهب»، مشيرًا إلى أن المتعاملين في الأسواق يعيدون حاليًا تقييم احتمالات خفض الفائدة قبل نهاية العام بعد التصريحات الأخيرة لرئيس الفيدرالي الأميركي.

 

وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد خفّض معدلات الفائدة الأسبوع الماضي للمرة الثانية هذا العام، غير أن جيروم باول، رئيس المجلس، أكد أن إجراء خفض آخر في عام 2025 «ليس أمرًا مفروغًا منه»، ما أدى إلى تراجع توقعات المستثمرين.

تراجع رهانات الأسواق على خفض الفائدة

بحسب أداة «فيد ووتش» التابعة لمجموعة «سي.إم.إي»، تتوقع الأسواق حاليًا بنسبة 65% أن يُقدم الفيدرالي على خفض جديد للفائدة في ديسمبر، مقارنة بأكثر من 90% قبل تصريحات باول الأخيرة.

 

ويستفيد الذهب عادة من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة التي تقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الذي لا يدرّ عائدًا، كما يزداد الطلب عليه خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي بوصفه ملاذًا آمنًا.

 

ينتظر المستثمرون هذا الأسبوع صدور تقرير التوظيف من مؤسسة “إيه.دي.بي” إلى جانب مؤشرات اقتصادية أخرى مثل مؤشر مديري المشتريات الصادر عن معهد “آي.إس.إم”، والتي قد توفر إشارات إضافية حول اتجاه السياسة النقدية الأميركية.

 

وقال ووترر في هذا السياق:

 

«إذا جاءت بيانات التوظيف مخيبة للتوقعات، فقد يمنح ذلك الذهب فرصة للارتداد من جديد».

ورغم انخفاضه الأخير، ما زال الذهب مرتفعًا بنحو 53% منذ بداية العام، لكنه فقد أكثر من 8% من قيمته مقارنة بذروته التاريخية المسجلة في 20 أكتوبر الماضي.

 

ساهمت التطورات الإيجابية في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في الحد من مكاسب الذهب. فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي أنه وافق على خفض الرسوم الجمركية المفروضة على الصين مقابل تنازلات من جانب بكين، ما عزز التوجه نحو الأصول ذات المخاطر العالية وأضعف الطلب على الملاذات الآمنة.

أداء المعادن النفيسة الأخرى

في الأسواق الأخرى، شهدت المعادن النفيسة تحركات متفاوتة في الأسعار:

  • ارتفعت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.1% لتسجل 48.12 دولارًا للأونصة.

  • زاد البلاتين بالنسبة نفسها ليصل إلى 1566.60 دولارًا للأونصة.

  • بينما تراجع البلاديوم بنسبة 1% إلى 1430.31 دولارًا للأونصة.

ورغم أن المعدن الأصفر حقق مكاسب قوية بلغت 53% هذا العام، إلا أنه تراجع بما يزيد على 8% عن أعلى مستوى قياسي له في 20 أكتوبر.

 

وفي إطار التحليلات الفنية، أشار أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك، في مذكرة بحثية إلى أن التراجع الحالي للذهب لا يعكس بالضرورة ضعفًا هيكليًا في الاتجاه طويل الأمد، قائلاً:

 

«ما نراه الآن هو فترة راحة مؤقتة وليست بداية لانهيار، إذ يُفسر التراجع الأخير بعوامل موسمية، إلى جانب الضجيج السياسي المؤقت في الصين وارتفاع الدولار الأميركي».

وأضاف هانسن أن هذه العوامل قد تُبقي الضغط قائمًا على الذهب في الأجل القصير، لكنها لا تُغير من الصورة الصعودية بعيدة المدى للمعدن النفيس، خاصة في ظل الضبابية الاقتصادية العالمية واستمرار التحول في السياسات النقدية.

إجراءات الصين وتأثيرها على الطلب العالمي على الذهب

في تطور مؤثر على سوق الذهب العالمية، أنهت الصين يوم السبت الماضي سياسة الإعفاء الضريبي طويلة الأمد لبعض تجار التجزئة في الذهب، وهو ما قد يحد من موجة شراء المعدن النفيس في أكبر سوق استهلاكية في العالم.

 

هذا القرار يأتي في وقت تشهد فيه الأسواق الصينية تباطؤًا في الطلب المحلي، الأمر الذي قد يُسهم في إضعاف الزخم الشرائي العالمي للذهب على المدى القصير.

 

وفي الوقت نفسه، تباينت حركة المعادن النفيسة الأخرى، حيث تراجعت الفضة بنسبة 0.8% إلى 48.25 دولارًا للأونصة، وانخفض البلاتين 0.2% إلى 1564.30 دولارًا، بينما ارتفع البلاديوم بنسبة 0.4% إلى 1439.86 دولارًا، في دلالة على استمرار حالة التذبذب وعدم الاستقرار في الأسواق.

خاتمة وتحليل شامل

يتضح من تطورات السوق أن الذهب يمر بمرحلة تصحيح طبيعية بعد موجة صعود قوية منذ بداية العام، مدفوعة بتوقعات التيسير النقدي ومخاوف التباطؤ الاقتصادي العالمي. إلا أن ارتفاع الدولار الأميركي وتراجع رهانات خفض الفائدة أعادا الضغط على الأسعار مؤقتًا.

 

ورغم هذا التراجع، لا تزال التوقعات طويلة الأمد تميل إلى الإيجابية، خصوصًا مع احتمالية عودة الزخم في حال صدور بيانات توظيف أميركية ضعيفة أو تزايد الإشارات على تباطؤ النمو الاقتصادي.

إجمالاً، تبقى حركة الذهب في الفترة المقبلة مرهونة بمسار الدولار، وقرارات الفيدرالي، والتطورات الجيوسياسية التي تحدد شهية المستثمرين تجاه الأصول الآمنة.

توقعات الخبراء لمستقبل أسعار الذهب خلال الربع الأخير من 2025

يرى عدد من المحللين والخبراء في أسواق السلع أن تراجع أسعار الذهب دون مستوى 4000 دولار للأونصة لا يشير إلى نهاية الاتجاه الصعودي، بل يمثل مرحلة تصحيح مؤقتة ضمن دورة ارتفاع طويلة الأمد بدأت منذ مطلع العام.

 

ويتوقع الخبراء أن العوامل الأساسية الداعمة للذهب لا تزال قائمة، وعلى رأسها تباطؤ الاقتصاد العالمي، وتزايد المخاطر الجيوسياسية، واستمرار التضخم فوق المستويات المستهدفة في الاقتصادات الكبرى. هذه العوامل، وفق تقديرات البنوك الاستثمارية الكبرى مثل "جي بي مورغان" و"غولدمان ساكس"، قد تدفع المستثمرين إلى العودة نحو الأصول الآمنة مع بداية عام 2026.

 

كما تشير التوقعات إلى أن قوة الدولار الأميركي قد تبلغ ذروتها خلال الأسابيع المقبلة، خاصة إذا أظهرت البيانات الأميركية تباطؤًا واضحًا في سوق العمل أو في وتيرة النمو الاقتصادي مثل هذه التطورات يمكن أن تعيد الفيدرالي الأميركي إلى مسار التيسير النقدي بشكل أسرع مما هو متوقع حاليًا، وهو ما يُعد سيناريو إيجابيًا لأسعار الذهب على المدى المتوسط.

 

من جهة أخرى، يرى بعض المحللين أن السياسة الصينية الجديدة بإنهاء الإعفاء الضريبي لتجار الذهب قد تؤثر مؤقتًا على الطلب الفعلي في السوق الآسيوية، لكنها لن تُغيّر من الاتجاه العالمي للطلب الاستثماري على المعدن، خصوصًا مع تزايد إقبال الصناديق الكبرى والبنوك المركزية على تنويع احتياطاتها بالذهب بدلاً من الدولار.

 

ويتوقع المحللون أن تتراوح أسعار الذهب في الربع الأخير من عام 2025 بين 3900 و4150 دولارًا للأونصة، مع احتمالية عودة الأسعار لاختبار مستويات 4200 دولار في حال تزايد مؤشرات تباطؤ الاقتصاد الأميركي أو تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وآسيا.

 

ويجمع الخبراء على أن الذهب سيظل أحد أهم أدوات التحوط ضد التضخم والمخاطر المالية، وأن أي تراجع مؤقت يشكّل فرصة استثمارية للمتداولين والمستثمرين الذين يتبنون منظورًا طويل الأجل.

تم التحديث في: الثلاثاء, 04 تشرين الثاني 2025 10:51
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول