ارتفاع الذهب لأعلى مستوى في أكثر من 3 أسابيع بدعم توقعات خفض الفائدة وإعادة فتح الحكومة
ارتفع الذهب لليوم الخامس على التوالي يوم الخميس، ليواصل سلسلة مكاسبه القوية ويصل إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، وسط موجة تفاؤل في الأسواق بدعم من توقعات تشير إلى أن إعادة فتح الحكومة الأميركية ستعيد تدفق البيانات الاقتصادية، وتعزز الرهانات على مزيد من خفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
قال جيغار تريفيدي، كبير محللي الأبحاث في شركة ريلاينس سيكيوريتيز، إن الذهب يمدد مكاسبه الأخيرة بفضل ضعف الدولار الأمريكي، وتوقعات خفض الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب استمرار البنوك المركزية العالمية في زيادة احتياطياتها من المعدن النفيس، ما يعكس ثقة المؤسسات النقدية الكبرى في الذهب كأصل آمن ومستقر في مواجهة التقلبات الاقتصادية والمالية.
وأشار تريفيدي إلى أن حركة الأسعار الحالية تُظهر استمرار الزخم الإيجابي للمعدن الأصفر، رغم إمكانية حدوث فترة استقرار مؤقت للأسعار على المدى القصير بعد سلسلة المكاسب السريعة الأخيرة.
وأضاف أن النظرة العامة تبقى إيجابية للغاية، مشيراً إلى أن الذهب قد يتجاوز مستوى 4,300 دولار للأوقية بنهاية العام، في حال بقيت العوائد الحقيقية منخفضة واستمر الاتجاه التيسيري للسياسة النقدية من جانب الفيدرالي الأمريكي.
جاء هذا الارتفاع في الذهب بعد أن وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء تشريعًا ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، استمر منذ الأول من أكتوبر وحتى منتصف نوفمبر، أي قرابة 43 يومًا.
وقد أدى هذا الإغلاق الطويل إلى توقف إصدار بيانات اقتصادية رئيسية مثل تقارير الأجور والتضخم وبيانات التوظيف، مما تسبب في حالة من الغموض في الأسواق المالية خلال الأسابيع الماضية.
ويرى محللون أن إعادة فتح الحكومة ستسمح بإصدار البيانات المتأخرة، ما يمنح مجلس الاحتياطي الفيدرالي صورة أوضح عن وضع الاقتصاد الأمريكي قبل اجتماعه المرتقب في ديسمبر المقبل.
وفي هذا السياق، دعا خبراء الاقتصاد إلى أن تقوم وكالة الإحصاء التابعة لوزارة العمل الأمريكية بإعطاء الأولوية لتقارير التوظيف والتضخم لشهر نوفمبر، حتى يتمكن مسؤولو الفيدرالي من اتخاذ قرارات مدروسة تستند إلى بيانات محدثة حول الاقتصاد وسوق العمل.
بحسب استطلاع أجرته وكالة رويترز، فإن نحو 80% من الخبراء الاقتصاديين يتوقعون أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر المقبل، في خطوة تهدف إلى دعم الاقتصاد، وخاصة سوق العمل الأمريكي الذي يُظهر علامات ضعف متزايدة في الأشهر الأخيرة.
ويُعرف عن الذهب أنه يؤدي أداءً قوياً في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، إذ لا يدرّ عائداً ثابتاً مثل السندات، مما يجعله خياراً مفضلاً للمستثمرين الباحثين عن الملاذات الآمنة في أوقات الضبابية الاقتصادية.
أداء أسعار الذهب
منذ بداية العام، قفزت أسعار الذهب بنحو 60% لتسجل أعلى مستوى تاريخي عند 4,381.21 دولار للأوقية في 20 أكتوبر، مدفوعة بمجموعة من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية، من بينها التوترات التجارية بين الاقتصادات الكبرى، وتزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية، إلى جانب تنامي الطلب من البنوك المركزية على شراء المعدن النفيس.
الذهب عند تسوية تعاملات الأربعاء
اختتمت أسعار الذهب تعاملات يوم الأربعاء على ارتفاع قوي، مدعومة بانخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية قبيل تصويت مجلس النواب على اتفاق لإعادة فتح الحكومة الفيدرالية. هذا الانخفاض في العوائد زاد من جاذبية الذهب كأصل بديل.
فقد زادت العقود الآجلة للمعدن الأصفر تسليم ديسمبر بنسبة 2.36%، أي ما يعادل 97.3 دولار، لتغلق عند 4,213.60 دولار للأوقية، متجاوزة بذلك المستوى النفسي الهام عند 4,200 دولار، في إشارة واضحة إلى قوة الزخم الصعودي في السوق.
الذهب الآن في الأسواق الفورية
وفي تعاملات الخميس الصباحية، سجل الذهب الفوري ارتفاعًا بنسبة 0.99% ليصل إلى 4,236.85 دولار للأوقية، وهو أعلى مستوى له منذ 21 أكتوبر.
كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 0.66% لتصل إلى 4,241.3 دولار للأوقية عند الساعة 11:35 صباحًا بتوقيت تركيا، مما يعكس استمرار الإقبال على المعدن الأصفر من قبل المستثمرين العالميين.
تحركات المعادن الأخرى
في أسواق المعادن الأخرى، شهدت الفضة الفورية ارتفاعًا بنسبة 1.1% لتصل إلى 54.02 دولار للأوقية، مقتربة من المستوى القياسي المسجل في 17 أكتوبر.
أما البلاتين فقد انخفض بنسبة 0.1% إلى 1,612.80 دولار للأوقية، في حين ارتفع البلاديوم بنسبة 0.5% ليصل إلى 1,480.59 دولار للأوقية، مع استمرار التذبذبات في الطلب الصناعي على هذه المعادن.
عوامل داعمة للذهب على المدى القصير
ارتفع المعدن الأصفر بثبات خلال الأسبوع الماضي، حيث أثارت القراءات الضعيفة لسوق العمل الأمريكي مزيدًا من الرهانات على أن الاحتياطي الفيدرالي سيتجه إلى خفض أسعار الفائدة في ديسمبر لدعم الاقتصاد.
ومع ذلك، شهدت الأسواق تباطؤًا في وتيرة مكاسب الذهب في الجلسات الأخيرة مع قيام المستثمرين بتقليص رهاناتهم بشكل حاد على خفض الفائدة الفوري، بانتظار المزيد من البيانات الرسمية بعد إعادة فتح الحكومة.
مشتريات البنوك المركزية تدعم الأسعار
يُعد استمرار الشراء المنتظم للذهب من قبل البنوك المركزية، ولا سيما في الصين، أحد أهم العوامل التي حافظت على استقرار الأسعار في الأشهر الأخيرة.
فقد أظهرت البيانات الرسمية الأخيرة أن بنك الشعب الصيني قام بشراء الذهب للشهر الثاني عشر على التوالي في سبتمبر، مما يعزز الاتجاه العالمي نحو تنويع الاحتياطيات بعيدًا عن الدولار الأمريكي في ظل التقلبات الجيوسياسية.
ارتفع الذهب هذا الأسبوع وسط تزايد حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد الأمريكي، حتى مع تصويت المشرعين في الكونغرس على إنهاء الإغلاق الحكومي الذي استمر قرابة 43 يوماً.
وقد وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء الأربعاء مشروع قانون لتمويل الحكومة مؤقتاً بعد موافقة مجلس النواب على الإجراء، مما مهد الطريق أمام عودة مؤسسات الدولة إلى العمل واستئناف إصدار البيانات الاقتصادية الرسمية.
ومن المتوقع أن تتيح هذه الخطوة للحكومة الأميركية إصدار تقارير اقتصادية جديدة تعكس بوضوح تأثير الإغلاق على قراءات شهري أكتوبر ونوفمبر، ما سيوفر رؤية أعمق حول مسار الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الأخير من العام.
وفي تصريحات لاحقة، ادعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الإغلاق الحكومي الطويل كلف الاقتصاد الأمريكي نحو 1.5 تريليون دولار، وهي خسائر ضخمة ألقت بظلالها على النشاط الاقتصادي العام، وأدت إلى تباطؤ في قطاعات رئيسية مثل التوظيف والاستهلاك والاستثمار.
خلاصة المشهد
يواصل الذهب الاستفادة من مزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية التي تصب في صالحه: ضعف الدولار، توقعات خفض الفائدة، استمرار المشتريات الرسمية من البنوك المركزية، وإعادة فتح الحكومة الأمريكية التي من شأنها أن تعيد الحيوية للأسواق.
ومع بقاء العوائد الحقيقية منخفضة والضبابية مسيطرة على التوقعات الاقتصادية، يبدو أن المعدن الأصفر مرشح لمواصلة الارتفاع وربما اختبار مستويات قياسية جديدة في الأسابيع المقبلة.