الذهب عند أدنى مستوى في أكثر من شهر وسط ترقب الأسواق لبيانات أمريكية حاسمة

انخفضت أسعار الذهب إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من شهر خلال تعاملات الخميس 15 مايو، وسط تراجع حاد في الطلب على الملاذات الآمنة بفعل تزايد شهية المخاطرة في الأسواق، مع ترقب المستثمرين لجملة من البيانات الاقتصادية الأمريكية المرتقبة التي قد تحدد مسار السياسة النقدية للفيدرالي خلال الأشهر المقبلة.

أداء أسعار الذهب اليوم

شهدت أسعار الذهب انخفاضًا حادًا خلال الجلسة الآسيوية ليوم الخميس، حيث تراجع المعدن النفيس متأثرًا بتخفيف التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

 

فقد أدى الاتفاق الأخير بين أكبر اقتصادين في العالم على تقليص الرسوم الجمركية المتبادلة إلى تعزيز شهية المستثمرين تجاه الأصول ذات المخاطر العالية مثل الأسهم، على حساب الأصول الآمنة مثل الذهب، والذي يُعتبر تقليديًا ملاذًا في أوقات الأزمات وعدم اليقين.

 

وفي هذا السياق، هبطت أسعار الذهب الفوري بنسبة 1.21% إلى 3,141 دولارًا للأونصة، في حين تراجعت عقود الذهب الآجلة تسليم يونيو بنسبة 1.4% لتصل إلى 3,143 دولارًا للأونصة، وذلك بحلول الساعة 09:30 صباحًا بتوقيت تركيا.

ضغط مزدوج من قوة الدولار وارتفاع عوائد السندات

إلى جانب تحسن معنويات المخاطرة، واجه الذهب ضغوطًا إضافية ناتجة عن قوة الدولار الأمريكي، حيث جذب العملة الخضراء المزيد من الطلب وسط ترقب الأسواق للبيانات الاقتصادية الأمريكية المقبلة. كما أن ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية، التي تتحرك عادة عكسيًا مع أسعار الذهب، ساهم في تقليص جاذبية المعدن الأصفر كأداة للتحوط.

 

تاريخيًا، يُعتبر الذهب أحد أبرز الأصول التي تلجأ إليها الأسواق للتحوط ضد التقلبات الاقتصادية والسياسية، وغالبًا ما يزدهر في بيئة منخفضة لأسعار الفائدة، إذ لا يقدم الذهب عوائد ثابتة، وبالتالي تقل تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ به في أوقات تراجع الفائدة.

مخاوف من تراجع وتيرة تخفيضات الفائدة

على الرغم من أن الأسواق لا تزال تتوقع قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس هذا العام، بدءًا من أكتوبر، إلا أن بعض المؤشرات الاقتصادية الحديثة، وفي مقدمتها أرقام التضخم، قد تدفع الفيدرالي إلى إعادة النظر في وتيرة أو توقيت هذه الخفض.

 

وكانت قراءة مؤشر أسعار المستهلك لشهر أبريل قد جاءت أقل من التوقعات، ما عزز الرهانات على إمكانية تخفيض الفائدة، إلا أن خطاب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول المنتظر اليوم، سيحمل على الأرجح إشارات إضافية حول نوايا البنك المركزي.

أداء ضعيف للمعادن الثمينة والصناعية الأخرى

لم يكن الذهب وحده من تعرض للضغوط في تعاملات اليوم، بل امتد التراجع إلى مجموعة واسعة من المعادن الثمينة فقد انخفضت عقود البلاتين الآجلة بنسبة 0.5% لتسجل 977.10 دولارًا للأونصة، في حين هبطت عقود الفضة بنسبة 1.6% لتصل إلى 31.915 دولارًا للأونصة.

 

وتأتي هذه التراجعات في ظل ضعف عام في الطلب على الملاذات الآمنة، نتيجة تحسن التوقعات بشأن العلاقات التجارية العالمية.

 

أما بالنسبة للمعادن الصناعية، فقد شهدت هي الأخرى ضغوطًا سعرية، حيث تراجعت عقود النحاس القياسية في بورصة لندن بنسبة 0.7% إلى 9,524.95 دولارًا للطن، وانخفضت العقود الأمريكية للنحاس بنسبة 0.8% إلى 4.6085 دولارًا للرطل، في ظل ترقب الأسواق لمستجدات التجارة بين الصين والولايات المتحدة وتأثيرها على النشاط الصناعي العالمي.

الذهب لا يزال متماسكًا فوق حاجز 3,000 دولار

رغم موجة الهبوط الأخيرة، ظل الذهب متماسكًا فوق مستوى 3,000 دولار للأونصة، وهو المستوى الذي بلغه في أبريل الماضي مدعومًا بمخاوف الأسواق آنذاك من تصاعد الحرب التجارية بين واشنطن وبكين.

 

وبينما تم الإعلان هذا الأسبوع عن بعض الخطوات التهدوية بين الطرفين، إلا أن كثيرًا من الرسوم الجمركية لا تزال سارية، ما يُبقي على التوترات الكامنة في خلفية المشهد الاقتصادي العالمي.

 

وفي هذا الإطار، يترقب المستثمرون مزيدًا من التطورات الإيجابية على صعيد العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مع توقعات بأن تشهد الرسوم الجمركية مزيدًا من التقليص خلال الأشهر القادمة.

 

كما أن المفاوضات التجارية الأمريكية مع شركاء آخرين، لا سيما الاتحاد الأوروبي والمكسيك، تحظى بمتابعة دقيقة من قبل المستثمرين الباحثين عن مؤشرات إضافية على تحسن المناخ التجاري العالمي.

الأنظار تتجه نحو بيانات أمريكية محورية وخطاب باول

الاهتمام الآن منصب بشكل كامل على عدد من البيانات الاقتصادية الأمريكية الهامة التي ستصدر خلال الساعات القادمة، والتي تشمل بيانات مبيعات التجزئة لشهر أبريل، وهي مؤشر رئيسي على قوة الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة.

 

كما تترقب الأسواق صدور بيانات مؤشر أسعار المنتجين، التي من شأنها أن توفر صورة أوضح حول الضغوط التضخمية في قطاع الإنتاج، بعد أن أظهرت قراءة مؤشر أسعار المستهلكين تباطؤًا نسبيا في وتيرة التضخم.

 

وفي هذا السياق، ستكون تصريحات جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي لاحقًا اليوم محط الأنظار، خاصة بعدما أبقى البنك المركزي أسعار الفائدة دون تغيير الأسبوع الماضي، وحذر من التسرع في خفضها في المدى القريب.

 

ومن المتوقع أن يتحدث باول عن إطار السياسة النقدية، والذي يُعد أداة الفيدرالي في موازنة أهدافه المتمثلة في تحقيق أقصى توظيف واستقرار الأسعار.

 

خاتمة: حالة ترقب ومخاوف تضبط تحركات الذهب

في المجمل، يعيش سوق الذهب حالة من الحذر والترقب، وسط مزيج من المتغيرات المتشابكة، بدءًا من تطورات العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، مرورًا بأداء الدولار وعوائد السندات، وصولًا إلى التوقعات بشأن السياسة النقدية الأمريكية.

 

وفي حين يُتوقع أن يبقى الذهب متقلبًا في المدى القصير، فإن مستقبله على المدى المتوسط والطويل سيبقى رهينًا لتطورات التضخم وموقف الاحتياطي الفيدرالي من أسعار الفائدة.

تم التحديث في: الخميس, 15 أيّار 2025 09:44
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول