أسعار الذهب تواصل صعودها التاريخي مدفوعة بتراجع الدولار وترقب خفض الفائدة الأمريكية

تشهد أسواق الذهب العالمية موجة صعود استثنائية، إذ واصل المعدن النفيس تحقيق مكاسب جديدة مسجلاً مستوى قياسيًا غير مسبوق يوم الثلاثاء وجاء هذا الارتفاع التاريخي مدفوعًا بمجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها تراجع قيمة الدولار الأمريكي قبيل اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث تزداد التوقعات بين المستثمرين والمحللين باتجاه البنك المركزي الأمريكي نحو خفض أسعار الفائدة.

أداء أسعار الذهب اليوم

سجّل الذهب مستوى قياسياً جديداً يوم الثلاثاء، مواصلاً مكاسبه المتسارعة وسط رهانات متزايدة على خطوة مرتقبة من الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة.

 

ويتوقع خبراء الأسواق أن يشمل العام الجاري المزيد من التيسير النقدي في الولايات المتحدة، وهو ما يدعم استمرار الارتفاعات على المدى القصير والمتوسط.

 

وقد تجاوز الذهب خلال تعاملات الثلاثاء أعلى مستوى له على الإطلاق، والذي كان قد سجله يوم الإثنين عند حدود 3,685 دولاراً للأونصة.

 

وبلغ المعدن الأصفر في لحظة من التداولات مستوى قياسيًا جديدًا عند 3,694 دولاراً، مدعومًا بضعف مؤشر الدولار الذي تراجع إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من سبعة أسابيع.

 

ورغم أن الأسواق قامت بالفعل بتسعير خفض الفائدة المتوقع هذا الأسبوع، إلا أن الاهتمام الأكبر منصب على التوقعات الفصلية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي المعروفة بـ "المخطط النقطي" (dot plot)، إلى جانب المؤتمر الصحفي لرئيس الفيدرالي جيروم باول، حيث من المنتظر أن يكشف عن ملامح السياسة النقدية للفترة المقبلة.

نظرة المحللين والمواقف السياسية

يرى كايل رودا، المحلل لدى منصة "كابيتال.كوم"، أن المعنويات في الأسواق إيجابية إلى حد كبير، مضيفاً:

 

"الأسواق تراهن بقوة على خفض أسعار الفائدة قبيل قرار لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية. التوقعات المستقبلية تبقى قوية للذهب، سواء على المدى القصير أو المتوسط".

من جانبه، لم يتوقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن الضغط على البنك المركزي، إذ دعا في منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الإثنين، رئيس الفيدرالي جيروم باول إلى إقرار خفض كبير في أسعار الفائدة، وهو ما يعكس استمرار تدخل ترامب في السياسة النقدية ومحاولاته التأثير على قرارات الفيدرالي.

 

وبحسب بيانات "إنفستنغ السعودية"، فإن الأسواق تُسعّر خفضاً شبه مؤكد للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس مع نهاية الاجتماع الذي يستمر يومين بتاريخ 17 سبتمبر، مع وجود احتمال ضعيف لاتخاذ خطوة أكبر بخفض يصل إلى 50 نقطة أساس.

العلاقة بين الذهب والفائدة والدولار

تُعد العلاقة بين أسعار الفائدة والذهب من أهم المحددات لحركة المعدن النفيس. فخفض الفائدة يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، كونه لا يدر عوائد. وفي الوقت نفسه، يضغط خفض الفائدة على الدولار الأمريكي ويؤدي إلى إضعافه، ما يجعل الذهب أكثر جاذبية لحاملي العملات الأخرى.

 

وقد تراجع مؤشر الدولار الأمريكي يوم الثلاثاء إلى مستويات قريبة من أدنى مستوى في شهرين ونصف أمام اليورو، كما اقترب من أدنى مستوياته في عشرة أشهر أمام الدولار الأسترالي، الذي يُعتبر من العملات الحساسة للتغيرات في شهية المخاطر.

 

وفي هذا السياق، أعلن صندوق SPDR Gold Trust – وهو أكبر صندوق متداول مدعوم بالذهب في العالم – عن ارتفاع حيازاته يوم الإثنين بنسبة 0.21% لتصل إلى 976.80 طن، مقارنة مع 974.80 طن يوم الجمعة، ما يعكس استمرار التدفقات الاستثمارية نحو الذهب كخيار استثماري آمن.

تطورات قانونية تزيد الضغوط على الفيدرالي

لم تقتصر الضغوط على الفيدرالي على الجانب الاقتصادي والسياسي فحسب، بل امتدت إلى الساحة القانونية أيضاً. إذ رفضت محكمة استئناف أمريكية يوم الإثنين طلب الرئيس ترامب إقالة عضو مجلس محافظي الفيدرالي ليزا كوك، في خطوة تعكس تمسك القضاء باستقلالية البنك المركزي، التي تُعد ركيزة أساسية للنظام المالي الأمريكي منذ عقود.

أداء الذهب والدولار لحظة بلحظة

  • صعد الذهب الفوري بنسبة 0.24% مسجلاً 3,687 دولاراً للأونصة عند الساعة 10:45 بتوقيت تركيا، بعدما بلغ في وقت سابق ذروة جديدة عند 3,694 دولاراً.

  • أما عقود الذهب الأمريكية الآجلة لتسليم ديسمبر فقد استقرت عند 3,726 دولاراً.

  • في المقابل، تراجعت عقود مؤشر الدولار بنسبة 0.2% لتسجل 96.70 نقطة.

أداء المعادن النفيسة الأخرى

لم يكن الذهب وحده في دائرة الضوء، فقد شهدت المعادن النفيسة الأخرى تحركات متفاوتة:

  • انخفضت الفضة الفورية بنسبة 0.2% لتستقر عند 42.63 دولاراً للأونصة.

  • حافظ البلاتين على استقراره عند 1401.65 دولاراً.

  • ظل البلاديوم مستقراً عند 1183.76 دولاراً.

بيانات اقتصادية داعمة للذهب

عززت البيانات الاقتصادية الأخيرة مكانة الذهب كخيار استثماري رئيسي. فقد كشفت مؤشرات سوق العمل الأمريكي عن أداء ضعيف، بالتزامن مع بقاء معدلات التضخم دون مفاجآت تُذكر.

 

هذه المعطيات رفعت من احتمالات خفض الفائدة مجدداً خلال العام، وهو ما اعتُبر تطوراً إيجابياً بالنسبة للذهب.

 

وعلى الصعيد السياسي، يواصل الرئيس ترامب ضغوطه المتصاعدة على الفيدرالي، بما في ذلك محاولته عزل الحاكمة ليزا كوك. هذه المحاولات، إضافة إلى احتمالية انضمام ستيفن ميران – المستشار الاقتصادي في الإدارة الأمريكية – إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال الأيام المقبلة، أسهمت في ترسيخ توقعات باتجاه الفيدرالي نحو سياسة أكثر ميلاً للتيسير النقدي.

الذهب يتفوق على الأصول الاستثمارية الأخرى

منذ مطلع العام، ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 40%، متجاوزة أداء العديد من الأصول الاستثمارية الكبرى مثل مؤشر S&P 500. كما نجح الذهب مؤخراً في كسر المستوى التاريخي المعدل حسب التضخم والمسجل في عام 1980، وهو إنجاز يعكس قوة الطلب الاستثماري والقدرة الاستثنائية للمعدن الأصفر على الصمود في أوقات التقلبات.

 

ويعود هذا الأداء القوي إلى جملة من العوامل:

  • استمرار حالة الضبابية الجيوسياسية والصراعات التجارية العالمية.

  • الزيادة الملحوظة في مشتريات البنوك المركزية من الذهب.

  • تدفق السيولة بشكل قوي إلى الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب.

توقعات مستقبلية متفائلة

تذهب تقديرات بنك الاستثمار العالمي غولدمان ساكس إلى توقعات أكثر طموحاً، إذ أشار في أحدث تقاريره إلى إمكانية وصول الذهب إلى مستويات 5,000 دولار للأونصة، في حال تحوّل 1% فقط من حيازات الأفراد لسندات الخزانة الأمريكية إلى الاستثمار في الذهب. وهو ما يعني أن أي تحول محدود في استراتيجيات المستثمرين قد يدفع الذهب إلى قفزات إضافية تاريخية.

تم التحديث في: الثلاثاء, 16 أيلول 2025 11:13
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول