الذهب يواصل الصعود مقتربًا من قمة تاريخية جديد مع تصاعد رهانات خفض أسعار الفائدة
ارتفعت أسعار الذهب خلال تعاملات يوم الأربعاء، مقتربة من تسجيل قمة قياسية جديدة، بعدما أظهر تقرير الوظائف في الولايات المتحدة ارتفاع معدل البطالة خلال شهر نوفمبر، الأمر الذي عزز توقعات خفض أسعار الفائدة الأميركية خلال العام المقبل.
أداء أسعار الذهب اليوم
جاء هذا الارتفاع في ظل ضغوط واضحة على الدولار الأميركي وتراجع عوائد سندات الخزانة، وهي عوامل تقليديًا ما تدعم أداء المعدن الأصفر ويستفيد الذهب عادة من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، كونه أصلًا لا يدر عائدًا، ما يجعله أكثر جاذبية مقارنة بالأدوات ذات العائد عندما تتراجع تكلفة الفرصة البديلة.
تراجع الدولار الأميركي يوم الثلاثاء إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من شهرين، ما جعل الذهب المقوّم بالعملة الأميركية أقل تكلفة للمستثمرين من خارج الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته، انخفضت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات عقب صدور بيانات سوق العمل التي كشفت عن ارتفاع غير متوقع في معدل البطالة.
ويُعد تراجع العوائد عنصر دعم مباشر لأسعار الذهب، إذ يقلل من جاذبية السندات الحكومية ويزيد الإقبال على الملاذات الآمنة.
تقرير الوظائف الأميركي: نمو محدود وارتفاع في البطالة
أفاد مكتب إحصاءات العمل الأميركي يوم الثلاثاء بأن الوظائف غير الزراعية سجلت نموًا طفيفًا خلال شهر نوفمبر، في بيانات تأخر نشرها نتيجة إغلاق الحكومة الفيدرالية.
وبحسب التقرير، أضاف الاقتصاد الأميركي 64 ألف وظيفة في القطاعات غير الزراعية خلال نوفمبر، متجاوزًا توقعات الاقتصاديين التي كانت تشير إلى إضافة نحو 40 ألف وظيفة.
وفي المقابل، ارتفع معدل البطالة إلى 4.6% خلال نوفمبر مقارنة بـ 4.4% في سبتمبر، وذلك بعد إلغاء تقرير شهر أكتوبر.
كما نشر مكتب إحصاءات العمل ملخصًا لبيانات شهر أكتوبر أظهر تراجع الوظائف بنحو 105 آلاف وظيفة. ورغم عدم وجود تقدير رسمي سابق، فإن عدداً من خبراء الاقتصاد كانوا يتوقعون انخفاضًا في التوظيف بعد الزيادة القوية التي بلغت 119 ألف وظيفة في سبتمبر.
سياسة الفيدرالي الأميركي وتوقعات أسعار الفائدة
كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد نفذ الأسبوع الماضي ثالث وآخر خفض لأسعار الفائدة خلال العام الجاري بمقدار 0.25 نقطة مئوية وقد فُسرت تصريحات رئيس المجلس جيروم باول المصاحبة للقرار على أنها أقل تشددًا مما كان متوقعًا في الأسواق.
ولا يزال المتعاملون يتوقعون تنفيذ خفضين إضافيين في أسعار الفائدة بواقع 0.25 نقطة مئوية لكل منهما خلال عام 2026، وهو ما يوفر بيئة داعمة للذهب والمعادن الثمينة عمومًا.
ترقب بيانات التضخم الأميركية
يترقب المستثمرون خلال الأيام المقبلة صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر نوفمبر يوم الخميس، إلى جانب مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، المقياس المفضل للتضخم لدى الاحتياطي الفيدرالي، والمقرر نشره يوم الجمعة.
وتحظى هذه البيانات بأهمية كبيرة، كونها ستوفر إشارات إضافية حول اتجاه التضخم، وبالتالي المسار المستقبلي للسياسة النقدية الأميركية.
في سياق متصل، صرح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت يوم الثلاثاء بأن كلاً من كيفن وورش وكيفن هاسيت مؤهلان لتولي رئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، مشيرًا إلى أن أي مرشح يختاره الرئيس الأميركي دونالد ترامب لهذا المنصب يجب أن يتمتع بعقلية منفتحة، ما أضاف مزيدًا من الاهتمام السياسي لمسار السياسة النقدية.
أداء الذهب عند التسوية السابقة
انخفضت أسعار الذهب في ختام تعاملات يوم الثلاثاء، على الرغم من صدور بيانات الوظائف التي أظهرت ارتفاع معدل البطالة بأكثر من المتوقع، وهو ما قد يدفع الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة مستقبلًا.
وتراجعت العقود الآجلة للذهب تسليم فبراير 2026 بنسبة 0.1% أو ما يعادل 2.9 دولار، لتغلق عند مستوى 4332.3 دولار للأوقية.
أسعار الذهب الآن في الأسواق العالمية
خلال تعاملات اليوم، صعد الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.43% ليصل إلى مستويات تراوحت بين 4,321.42 و4,349.45 دولار للأوقية.
كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة بنسبة 0.41% لتسجل 4,350.15 دولار للأوقية، في إشارة إلى استمرار الزخم الإيجابي.
أداء المعادن النفيسة الأخرى
على صعيد المعادن النفيسة الأخرى، ارتفعت أسعار الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.8% لتصل إلى 64.30 دولار للأوقية، بعد أن لامست مستوى قياسيًا عند 64.65 دولار يوم الجمعة.
كما صعد البلاتين بنسبة 1% ليبلغ 1,869.06 دولار للأوقية، في حين تراجع البلاديوم بنسبة 0.2% ليسجل 1,600.19 دولار للأوقية.
توقعات أسعار الذهب خلال 2026
عند مراجعة تحركات العقود الآجلة للذهب على الرسوم البيانية الزمنية المختلفة، وفي ظل تغير التوقعات الاقتصادية، يبدو أن الارتفاع القوي الذي شهده الذهب خلال عام 2025 قد وصل إلى مرحلة من التماسك.
ومن المرجح أن تظل توقعات مجلس الاحتياطي الفيدرالي لمسار أسعار الفائدة خلال 2026 معتدلة إلى منخفضة، وهو ما قد يحد من وتيرة الصعود القوي، مع الإبقاء على دعم نسبي للأسعار.
التحليل الفني لأسعار الذهب
اختبرت العقود الآجلة للذهب أعلى مستوى لها عند 4,388 دولارًا الأسبوع الماضي، قبل أن تتعرض لموجة بيع دفعتها إلى اختبار أدنى مستوى عند 4,297 دولارًا يوم الثلاثاء وتتداول الأسعار حاليًا ضمن نطاق ضيق يتراوح بين 4,336.25 و4,336.90 دولارًا ويُعد مستوى 4,342.65 دولار دعمًا مباشرًا، في حين تشكل منطقة 4,369.44 دولار مستوى مقاومة رئيسيًا، وسط تصاعد المخاوف المتعلقة بالتضخم العالمي.
استقرت أسعار الذهب مع استيعاب الأسواق لسيل من البيانات الاقتصادية الأميركية، بحثًا عن إشارات أوضح بشأن المسار المستقبلي للفائدة. ويأتي ذلك بالتزامن مع توقعات برفع بنك اليابان أسعار الفائدة في اجتماعه المقرر في 19 ديسمبر.
كما أسهمت المخاوف المتعلقة بتباطؤ الاقتصاد الصيني، إلى جانب مشاكل السيولة في الولايات المتحدة، في تعزيز الطلب على الذهب كملاذ آمن.
النظرة المستقبلية: هل يستمر الزخم الصعودي؟
لا شك أن انخفاض أسعار الفائدة الأميركية يعزز جاذبية الأصول التي لا تدر عائدًا مثل الذهب والفضة، وهو ما يفسر المكاسب القوية التي حققها المعدنان خلال عام 2025.
ومن المتوقع أن تظل العقود الآجلة للذهب مدعومة في النصف الأول من العام المقبل بفعل السياسة النقدية المتساهلة، والمخاوف المالية، والمخاطر الجيوسياسية، وتراجع الثقة في الأصول الأميركية.
ومع ذلك، وبعد الارتفاع الكبير الذي شهده الذهب في 2025، قد يفقد المعدن بعض زخمه خلال 2026، خاصة إذا اتجهت الإدارة الأميركية إلى مواقف أكثر تيسيرًا على صعيد التعريفات التجارية، في ظل تدهور توقعات النمو العالمي.