الذهب يقلّص مكاسبه الأسبوعية بعد تراجع عن ذروة قياسية إثر تصريحات ترامب حول الرسوم الجمركية
شهدت أسواق المعادن الثمينة اليوم الجمعة، 17 أكتوبر/ تشرين الأول، حالة من التقلّب الحاد، بعدما فقد الذهب جزءًا كبيرًا من مكاسبه التي حققها خلال الأسبوع، متراجعًا من قمّته التاريخية فوق 4300 دولار للأونصة.
وجاء هذا التراجع مدفوعًا بارتفاع الدولار الأميركي وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي أثارت حالة من الترقّب في الأسواق بعد أن لمح إلى أن الرسوم الجمركية البالغة 100% المفروضة على الصين "لن تكون مستدامة"، ما خفف من حدّة المخاوف التجارية التي كانت تدعم المعدن النفيس سابقًا.
أداء الذهب اليوم
تراجعت أسعار الذهب عند التسوية بنحو 1% من أعلى مستوى لها على الإطلاق، إذ أغلقت العقود الآجلة للمعدن الأصفر عند 4,245.85 دولارًا للأونصة منخفضة بنسبة 1.36%، بينما تراجعت العقود الفورية إلى 4,228.67 دولارًا بانخفاض 2.19%.
وفي المقابل، ارتفع مؤشر الدولار الأميركي بنسبة 0.04% ليصل إلى 98.41 نقطة مقابل سلة من العملات الرئيسية، على رأسها اليورو والجنيه الإسترليني، وهو ما زاد الضغط على الذهب وجعله أقل جاذبية لحائزي العملات الأخرى.
ورغم هذا التراجع في ختام الجلسة، لا يزال الذهب يسجّل مكاسب أسبوعية بنحو 4.8%، بعد أن تجاوز يوم الخميس حاجز 4300 دولار للأونصة للمرة الأولى في تاريخه.
تطورات السوق ومقارنة تاريخية
قبل التراجع الأخير، كان المعدن الأصفر في طريقه لتحقيق أكبر مكاسب أسبوعية منذ سبتمبر/ أيلول 2008، عندما تسبب انهيار بنك ليمان براذرز في أزمة مالية عالمية دفعت المستثمرين إلى اللجوء للذهب كملاذ آمن.
لكن التغيّرات المفاجئة في لهجة الخطاب التجاري الأميركي الصيني أوقفت الزخم الصعودي، خصوصًا بعد أن أكّد ترامب أنه يعتزم الاجتماع مع الرئيس الصيني شي جين بينغ قريبًا، في خطوة خفّفت من توترات السوق، ودعمت أسهم وول ستريت التي قلّصت خسائرها في نهاية الجلسة.
تصريحات ترامب وتأثيرها على معنويات المستثمرين
قال الرئيس الأميركي في تصريحاته إن الرسوم الجمركية البالغة 100% على الصين "لن تكون مستدامة على المدى الطويل"، في إشارة فسّرها المستثمرون بأنها محاولة للتهدئة وربما تمهيد لتفاهم تجاري جديد بين البلدين.
هذا التحوّل في النغمة السياسية دفع المستثمرين إلى تقليص رهاناتهم على استمرار التوتر التجاري، ما انعكس فورًا على تراجع أسعار الذهب والفضة وارتفاع مؤشرات الأسهم الأميركية.
وقال فؤاد رزاق زاده، محلل الأسواق في سيتي إندكس وفوركس دوت كوم:
"ارتفعت مؤشرات الأسهم من أدنى مستوياتها على خلفية بعض التعليقات الإيجابية من دونالد ترامب... وقد شهدنا انخفاضًا طفيفًا في أسعار الذهب نتيجة لتلك التصريحات التي أعادت بعض الثقة للأسواق".
موقف الفدرالي الأميركي وتوقعات السياسة النقدية
من جهة أخرى، واصل الاحتياطي الفدرالي الأميركي إرسال إشارات داعمة لخفض الفائدة، إذ أعرب عضو مجلس الفدرالي كريستوفر والر أمس الخميس عن دعمه لخفض جديد لأسعار الفائدة، مشيرًا إلى مخاوف بشأن ضعف سوق العمل.
ويتوقع المستثمرون الآن خفضًا بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع المجلس يومي 29 و30 أكتوبر/ تشرين الأول، مع احتمال تنفيذ خفض إضافي في ديسمبر/ كانون الأول، وهو ما قد يعيد بعض الدعم للمعدن النفيس في الأسابيع المقبلة.
مكاسب الذهب السنوية ودوافع الصعود
رغم التراجعات الأخيرة، يبقى أداء الذهب منذ بداية العام استثنائيًا، إذ تجاوزت مكاسبه 64% مدفوعة بعدة عوامل رئيسية:
-
تصاعد التوترات الجيوسياسية في مناطق مختلفة من العالم.
-
التكهنات القوية بخفض أسعار الفائدة الأميركية.
-
الزيادة الكبيرة في مشتريات البنوك المركزية حول العالم كتنويع للاحتياطيات.
-
تراجع الثقة في الدولار الأميركي وتزايد الاتجاه العالمي لتنويع الأصول.
-
التدفقات الضخمة نحو صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) المدعومة بالذهب.
وفي هذا السياق، رفع بنك HSBC توقعاته لمتوسط سعر الذهب لعام 2025 بمقدار 100 دولار ليصل إلى 3455 دولارًا للأونصة، مشيرًا إلى أن الذهب قد يصل إلى 5000 دولار للأونصة في عام 2026 في حال استمرار ارتفاع المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية.
تراجعات حادة في الفضة والمعادن النفيسة الأخرى
لم يكن الذهب وحده المتأثر بالتحوّل المفاجئ في الأسواق، إذ شهدت الفضة أيضًا تراجعًا بأكثر من 3% إلى 52.49 دولارًا للأونصة بعد أن لامست في وقت سابق أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 54.47 دولارًا.
وتراجعت أسعار البلاتين في المعاملات الفورية بأكثر من 6% لتصل إلى حوالي 1640 دولارًا للأونصة، بينما كانت الخسائر الأشد في البلاديوم الذي هوى بنحو 9% مسجلًا 1467.38 دولارًا للأونصة، نتيجة عمليات بيع مكثفة لجني الأرباح بعد موجة صعود قياسية.
نظرة مستقبلية: بين دعم الفدرالي وضغوط الدولار
يرى محللون أن الذهب لا يزال محتفظًا بجاذبيته طويلة الأجل، خصوصًا في ظل تباطؤ النمو العالمي وتزايد توقعات خفض الفائدة الأميركية. إلا أن استمرار قوة الدولار وعودة شهية المخاطرة للأسهم قد يضغطان على المعدن في المدى القصير.
كما أن نتائج اجتماع الفدرالي الأميركي نهاية الشهر الجاري ووضوح مسار المحادثات التجارية بين واشنطن وبكين سيكونان عاملين حاسمين في تحديد الاتجاه القادم للذهب.
خاتمة تحليلية
رغم فقدان الذهب لجزء من بريقه بعد التراجع من ذروته التاريخية، إلا أن الاتجاه العام لا يزال صاعدًا في ظل التوترات الاقتصادية العالمية والسياسات النقدية التوسعية. تصريحات ترامب الأخيرة أوقفت الاندفاعة مؤقتًا، لكنها لم تغيّر حقيقة أن المستثمرين ما زالوا يعتبرون الذهب أحد أهم أدوات التحوط ضد المخاطر والتقلبات.