أسعار الذهب تتراجع إلى مستويات جديدة مع تلاشي آمال خفض أسعار الفائدة الأمريكية
شهدت أسعار الذهب تراجعًا ملحوظًا خلال تعاملات يوم الجمعة، متجهة نحو تسجيل خسارة أسبوعية واضحة، وذلك في أعقاب صدور تقرير الوظائف الأمريكي الذي جاء أقوى من التوقعات، ما عزز من احتمالات امتناع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه المرتقب في ديسمبر، وهو ما انعكس مباشرة على حركة المعدن الأصفر في أسواق المال العالمية.
يمثل هذا التراجع محور اهتمام واسع لدى المستثمرين ومتابعي أسواق السلع والمعادن الثمينة، خاصة في ظل التداخل المتزايد بين قوة الدولار الأمريكي وسياسات النقد العالمية وحركة أسعار الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا ومؤشرًا على استقرار الاقتصاد العالمي.
أوضح برايان لان، المدير في غولد سيلفر سنترال، أن أسعار الذهب تتحرك حاليًا ضمن نطاق سعري ضيق، في وقت يواصل فيه الدولار الأمريكي إظهار قوة ملحوظة مدعومًا بتكهنات الأسواق بشأن توجهات الفيدرالي المقبلة، سواء باستمرار سياسة التشديد النقدي أو تأجيل أي خطوة لخفض الفائدة.
وأشار إلى أن حالة عدم اليقين لا تزال تهيمن على المشهد العام، لا سيما مع اقتراب نهاية شهر ديسمبر، حيث يعمد العديد من المتداولين والمستثمرين إلى جني الأرباح وإغلاق مراكزهم المفتوحة، وهو ما بدا جليًا منذ نهاية الأسبوع الماضي وبداية الأسبوع الجاري، في مشهد يعكس حذرًا متزايدًا في استراتيجيات التداول والاستثمار في الذهب.
ويأتي ذلك في ظل اتجاه مؤشر الدولار نحو تسجيل أقوى أداء أسبوعي له منذ أكثر من شهر، الأمر الذي يزيد من تكلفة الذهب المُسعر بالدولار لحاملي العملات الأخرى، ما يقلل من جاذبيته ويضغط على أسعاره بشكل مباشر.
بيانات التوظيف الأمريكية تغيّر موازين التوقعات
كشف تقرير وزارة العمل الأمريكية، الذي تأخر صدوره نتيجة الإغلاق الحكومي، عن ارتفاع الوظائف غير الزراعية خلال شهر سبتمبر بمقدار 119000 وظيفة، وهو رقم يتجاوز بأكثر من الضعف التوقعات السابقة التي بلغت نحو 53000 وظيفة فقط.
هذا الأداء القوي لسوق العمل الأمريكي أعاد رسم خارطة التوقعات المتعلقة بالسياسة النقدية، حيث يرى المتداولون حاليًا أن احتمال خفض أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل للفيدرالي لا يتجاوز 39%، وفقًا لأداة متابعة الفائدة الأمريكية على موقع إنفستنغ السعودية، وهي نسبة تعكس تراجع الرهانات على التيسير النقدي.
ويُعرف أن الذهب عادة ما يستفيد من انخفاض أسعار الفائدة، كونه أصلًا لا يدر عائدًا، ما يجعله أكثر جاذبية في بيئة نقدية ميسّرة، إلا أن التوقعات الحالية تقوض هذا السيناريو وتضعف من زخم الطلب الاستثماري عليه.
في السياق ذاته، عبّر أوستان غولسبي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، عن مخاوفه من التسرع في خفض الفائدة، خاصة مع تباطؤ التقدم المحرز نحو تحقيق هدف التضخم البالغ 2%، بل وظهور مؤشرات توحي بإمكانية انعكاس المسار النزولي للأسعار، ما يعزز نهج الحذر في قرارات السياسة النقدية الأمريكية.
أداء أسعار الذهب
مع استيعاب المستثمرين لتقرير الوظائف وتقييم تأثيره على سوق الذهب العالمي، سجلت أسعار الذهب انخفاضًا واضحًا عند تسوية تعاملات يوم الخميس، في إشارة إلى تراجع شهية المخاطرة وتقلص احتمالات خفض الفائدة الأمريكية.
وتراجعت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 0.55%، أي ما يعادل 22.8 دولار، لتصل إلى مستوى 4060 دولارًا للأوقية، وهو ما يعكس ضغوطًا مباشرة ناتجة عن قوة البيانات الاقتصادية الأمريكية.
الذهب والدولار في المشهد الحالي
في التعاملات الفورية، انخفض سعر الذهب بنسبة 0.9% ليصل إلى 4039.86 دولار للأونصة، فيما تكبد المعدن الثمين خسارة أسبوعية تقارب 1%، في ظل هيمنة قوة الدولار وتقلبات الأسواق العالمية.
كما تراجعت العقود الأمريكية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 0.6% لتسجل 4035.60 دولار للأونصة، في حين انخفضت عقود مؤشر الدولار بنحو 0.15%، إلا أن تأثيره ظل داعمًا للضغط على أسعار الذهب والمعادن النفيسة.
أداء المعادن الأخرى في الأسواق العالمية
لم يكن الذهب وحده المتأثر بهذه المستجدات، فقد شهدت المعادن الثمينة الأخرى تراجعًا متباينًا يعكس حالة التوتر في الأسواق:
-
انخفضت الفضة الفورية بنسبة 2.2% لتصل إلى 49.48 دولار للأونصة، متأثرة بتراجع الطلب الاستثماري وتغير المزاج العام في سوق السلع.
-
تراجع البلاتين بنسبة 0.4% ليسجل 1505.96 دولار للأونصة، وسط ضغوط ناتجة عن تباطؤ الصناعات المرتبطة به.
-
هبط البلاديوم بنسبة 1.4% ليصل إلى 1358.15 دولار للأونصة، في ظل ضعف الطلب الصناعي وتحولات السوق العالمية.
قراءة ختامية في اتجاهات سوق الذهب
تعكس هذه التطورات حالة من الترقب والحذر في أسواق الذهب والاستثمار الآمن، حيث باتت قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد مسار الأسعار خلال المرحلة المقبلة.
ومع استمرار قوة الدولار وتراجع رهانات خفض الفائدة، يبقى الذهب تحت ضغط تقني ونفسي، في انتظار محفزات جديدة قد تعيد له زخمه كأداة تحوط ومخزن للقيمة.
ويظل المشهد مفتوحًا على سيناريوهات متعددة، تتراوح بين استمرار التصحيح السعري أو عودة الطلب في حال تغيرت التوقعات الاقتصادية أو ظهرت إشارات تدعم التيسير النقدي مجددًا، ما يجعل متابعة مؤشرات الاقتصاد الأمريكي وأسعار الفائدة والبيانات التضخمية عنصرًا أساسيًا لأي استراتيجية استثمارية في سوق الذهب والمعادن الثمينة.