الذهب يحقق مكاسب أسبوعية بعد خطاب رئيس الفدرالي الأميركي وتغير توقعات الفائدة
شهدت أسواق المعادن الثمينة تحركات لافتة في ختام الأسبوع المنتهي يوم الجمعة 22 أغسطس/آب، حيث تمكن الذهب من تحقيق مكاسب أسبوعية جديدة بدعم مباشر من خطاب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، خلال ندوة "جاكسون هول" السنوية.
وجاءت إشارات باول بشأن احتمالية بدء دورة خفض أسعار الفائدة لتعيد الزخم إلى المعدن الأصفر، وتزيد من إقبال المستثمرين على الملاذات الآمنة، رغم حالة الضبابية التي ما زالت تسيطر على المشهد الاقتصادي العالمي.
أداء الذهب والأسواق عند الإغلاق
ارتفعت أسعار الذهب عند التسوية يوم الجمعة، لتسجل العقود الآجلة صعوداً بنسبة 1.03% وتغلق عند 3,416.50 دولاراً للأوقية، بينما صعدت العقود الفورية بنسبة 0.98% لتصل إلى 3,371.28 دولاراً للأوقية.
وفي الوقت ذاته، تراجع مؤشر الدولار الأميركي بنسبة 0.97% مسجلاً 97.74 نقطة مقابل سلة من العملات الرئيسية بقيادة اليورو والجنيه الإسترليني، ما عزز جاذبية الذهب لدى حائزي العملات الأخرى.
كما استفادت المعادن الأخرى من هذا المناخ الإيجابي، حيث أغلقت عقود الفضة الآجلة عند 38.917 دولاراً للأوقية بارتفاع نسبته 2.2%.
صعود مؤشرات وول ستريت بدعم السياسة النقدية
لم تقتصر انعكاسات خطاب باول على الذهب والمعادن، بل شملت أسواق الأسهم الأميركية التي أغلقت على ارتفاع جماعي، إذ صعد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.2%، وأضاف مؤشر داو جونز الصناعي نحو 643 نقطة، فيما ارتفع مؤشر ناسداك بنسبة 1.36% ليصل إلى 21,375 نقطة.
وجاء هذا الدعم بدافع من ارتفاع توقعات السوق بأن يقوم الفيدرالي بخفض تكاليف الاقتراض في اجتماعه المقبل، استناداً إلى ما لمح إليه باول حول ضرورة تعديل المسار النقدي بما يتلاءم مع المخاطر الاقتصادية الراهنة.
خطاب باول وتحولات السياسة النقدية
خلال كلمته في الاجتماع السنوي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بولاية وايومنغ، أشار جيروم باول إلى أن ميزان المخاطر الاقتصادية بدأ يتغير، خصوصاً مع ضعف سوق العمل الأميركي وتزايد الضغوط التضخمية الناجمة عن الرسوم الجمركية.
وقال باول إن الاقتصاد الأميركي يواجه تحديات متنامية نتيجة "التغييرات الجذرية في سياسات الضرائب والتجارة والهجرة"، مؤكداً أن هذه العوامل قد تستدعي تغيير موقف البنك المركزي من السياسة النقدية المعتمدة حالياً.
وأضاف رئيس الفيدرالي أن "التوقعات الأساسية، مع بقاء السياسة النقدية في نطاق التقييد، قد تتطلب خفضاً للفائدة في الفترة المقبلة"، لكنه في الوقت نفسه شدد على أن تداعيات التطورات التجارية ربما تكون مؤقتة.
تغير توقعات الأسواق بشأن الفائدة
قبل خطاب باول، كانت الأسواق تسعّر احتمالية خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر بنسبة تقارب 75% وفق أداة CME FedWatch. إلا أن الخطاب أدى إلى قفزة في هذه التوقعات لتصل إلى 85%، ما يعكس تغيراً سريعاً في معنويات المستثمرين.
ويركز المتعاملون حالياً على بيانات التضخم والوظائف المرتقبة، والتي ستصدر قبل اجتماع السياسة النقدية المقرر يومي 16 و17 سبتمبر، إذ ستلعب هذه البيانات دوراً حاسماً في تحديد مسار قرار الفيدرالي القادم.
يتميز الذهب تاريخياً بأدائه الإيجابي في بيئات الفائدة المنخفضة، كونه أصلاً لا يدر عائداً مباشراً، مما يجعله أكثر جاذبية مقارنة بالأصول ذات العوائد الثابتة مثل السندات. ومع تزايد التوقعات بخفض الفائدة، يزداد الإقبال على المعدن الأصفر كملاذ آمن وأداة للتحوط ضد التضخم وتقلبات الأسواق.
تصريحات ترامب والضغوط السياسية
في سياق موازٍ، صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الجمعة بأنه سيُقيل ليزا كوك، إحدى محافظي مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إذا لم تقدم استقالتها، في خطوة اعتبرها محللون محاولة واضحة من ترامب لزيادة نفوذه على قرارات البنك المركزي.
هذه التصريحات زادت من المخاوف حول استقلالية الفيدرالي وأضفت قدراً أكبر من الضبابية على المشهد السياسي – الاقتصادي في الولايات المتحدة.
ورغم المكاسب القوية التي حققها الذهب عالمياً، ظل الطلب الفعلي على المعدن محدوداً في الأسواق الآسيوية الكبرى خلال الأسبوع، حيث أدى تقلب الأسعار إلى إبقاء المشترين في حالة ترقب. إلا أن صائغي المجوهرات في الهند استأنفوا عمليات الشراء استعداداً لموسم المهرجانات، وهو ما قد يوفر دعماً إضافياً للطلب المادي في الأسابيع المقبلة.
على صعيد البيانات الاقتصادية، أظهرت أرقام وزارة العمل الأميركية أن طلبات إعانة البطالة ارتفعت الأسبوع الماضي بأكبر وتيرة لها في نحو ثلاثة أشهر، فيما سجلت طلبات الأسبوع السابق أعلى مستوى في قرابة أربع سنوات. هذه المعطيات تؤكد استمرار الضغوط على سوق العمل الأميركي في أغسطس، ما يعزز منطق خفض الفائدة لدعم التوظيف والنمو.
إلى جانب العوامل الاقتصادية، تلعب الملفات الجيوسياسية دوراً محورياً في دفع المستثمرين نحو الذهب. فقد كشفت وكالة "رويترز" نقلاً عن مصادر مطلعة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطالب أوكرانيا بالتنازل عن كامل منطقة دونباس والتخلي عن مساعي الانضمام إلى حلف الناتو، مع البقاء كدولة محايدة خالية من القوات الغربية.
هذه المستجدات تزيد من حالة التوتر الجيوسياسي العالمي وتدعم الطلب على الذهب كملاذ آمن.
الخلاصة
أثبت الذهب مرة أخرى مكانته كأصل ملاذ آمن في أوقات التقلبات، حيث جاءت مكاسبه الأسبوعية مدفوعة بمزيج من العوامل: خطاب باول وما حمله من مؤشرات واضحة نحو خفض الفائدة، تراجع الدولار، ضعف سوق العمل الأميركي، فضلاً عن الضغوط الجيوسياسية المتصاعدة.
ومع ترقب الأسواق لبيانات التضخم والوظائف المقبلة واجتماع الفيدرالي في سبتمبر، يبقى الذهب في دائرة الضوء، مرشحاً لمزيد من المكاسب إذا استمر الاتجاه نحو تيسير السياسة النقدية وتزايد المخاطر العالمية.