أسعار الذهب تحطم الأرقام القياسية ويتجاوز 4,500 دولار لأول مرة في تاريخه
شهدت أسواق المعادن النفيسة زخماً استثمارياً استثنائياً، بعدما اندفعت أسعار الذهب والفضة والبلاتين والبلاديوم إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، في انعكاس مباشر لتصاعد الإقبال العالمي على أصول الملاذ الآمن، وتنامي الرهانات على خفض أسعار الفائدة الأمريكية خلال العام المقبل، وسط بيئة عالمية تتسم بارتفاع المخاطر الجيوسياسية والتجارية وتباطؤ النمو الاقتصادي.
وخلال تعاملات يوم الأربعاء، سجل الذهب الفوري قفزة تاريخية بتجاوزه مستوى 4,500 دولار للأونصة للمرة الأولى في تاريخه، في إشارة قوية إلى عمق الطلب الاستثماري واتساع موجة التحوط، بالتوازي مع تحقيق الفضة والبلاتين قمماً قياسية جديدة، وسط موجة شراء شملت مختلف المعادن النفيسة.
أداء أسعار الذهب اليوم
تمكن الذهب من اختراق مستوى 4,500 دولار للأوقية في خطوة تعكس تحولاً هيكلياً في سلوك المستثمرين، حيث لم يعد المعدن الأصفر مجرد أداة تحوط تقليدية، بل أصبح أحد أعمدة إعادة توزيع المحافظ الاستثمارية في ظل عالم يتجه نحو مزيد من عدم اليقين.
ويأتي هذا الارتفاع في وقت تتزايد فيه التوقعات بمزيد من خفض أسعار الفائدة الأمريكية خلال عام 2026، ما يعزز جاذبية الذهب كأصل لا يدر عائداً، لكنه يحتفظ بقيمته في بيئة نقدية ميسّرة وتضخم عنيد.
رهانات التحوط تمتد إلى الفضة والبلاتين
في هذا السياق، أوضح إيليا سبيفاك، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في Tastylive، أن المعادن النفيسة باتت تُعامل بشكل متزايد كأصول تحوط استراتيجية في عالم يتجه تدريجياً نحو فك العولمة، حيث يسعى المستثمرون إلى أصول محايدة لا ترتبط بالمخاطر السيادية أو بالتقلبات السياسية، لا سيما في ظل استمرار التوترات بين الولايات المتحدة والصين.
وأشار سبيفاك إلى أن ضعف السيولة في الأسواق مع اقتراب نهاية العام ساهم في تضخيم التحركات السعرية الأخيرة، إلا أنه شدد على أن الاتجاه الصاعد لا يزال قائماً من الناحية الهيكلية، متوقعاً أن يستهدف الذهب مستوى 5,000 دولار للأونصة خلال فترة تتراوح بين 6 و12 شهراً، مع إمكانية توجه الفضة نحو 80 دولاراً للأونصة، مدفوعة بالتفاعل النفسي القوي للأسواق مع المستويات السعرية الكبرى.
عوامل دعم طويلة الأجل وزخم متسارع
حقق الذهب مكاسب تجاوزت 70% منذ بداية العام، مسجلاً أكبر صعود سنوي له منذ عام 1979، مدعوماً بحزمة من العوامل الجوهرية، أبرزها:
-
الطلب المتزايد على الملاذات الآمنة
-
توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية
-
عمليات شراء قوية من البنوك المركزية
-
اتجاهات تقليص الاعتماد على الدولار
-
تدفقات قياسية إلى الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب
-
تسعير الأسواق لخفضين محتملين في الفائدة خلال العام المقبل
في المقابل، تفوقت الفضة على الذهب بأداء لافت، مسجلة قفزة تجاوزت 150% منذ بداية العام، مستفيدة من قوة الطلب الاستثماري، وإدراجها ضمن قائمة المعادن الحيوية في الولايات المتحدة، إلى جانب زخم الشراء الناتج عن التسارع الحاد في الأسعار.
من جانبه، أشار تيم ووترر، كبير محللي الأسواق في KCM Trade، إلى أن الذهب والفضة يضغطان بقوة على دواسة التسارع خلال الأسبوع الجاري، مع تسجيل مستويات قياسية جديدة، في انعكاس مباشر لجاذبيتهما كمخزن للقيمة وسط توقعات تراجع أسعار الفائدة الأمريكية واستمرار أعباء الديون العالمية.
الذهب عند التسوية: إغلاق قياسي جديد
عند تسوية تعاملات يوم الثلاثاء، ارتفعت أسعار الذهب مسجلة إغلاقاً قياسياً جديداً، بدعم من تراجع الدولار الأمريكي عقب صدور بيانات النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، رغم أن هذه البيانات حدّت جزئياً من احتمالات التيسير النقدي العميق.
وصعدت العقود الآجلة للذهب تسليم فبراير بنسبة 0.81%، أو ما يعادل 36.3 دولار، لتغلق عند 4,505.70 دولار للأوقية، مسجلة الإغلاق القياسي رقم 51 للعقود الأكثر نشاطاً منذ بداية العام.
الذهب الآن: مستويات قياسية خلال الجلسة
في التداولات الفورية، ارتفع الذهب بنسبة 0.2% ليصل إلى 4,495.39 دولار للأونصة، بعدما لامس مستوى قياسياً عند 4,525.19 دولار في وقت سابق من الجلسة.
وفي الولايات المتحدة، صعدت العقود الآجلة للذهب تسليم فبراير بنسبة 0.4% لتسجل أعلى مستوى تاريخي عند 4,522.10 دولار للأوقية.
أداء قوي لبقية المعادن النفيسة
-
الفضة: ارتفعت بنسبة 1.1% إلى 72.16 دولار للأونصة، بعد تسجيل قمة تاريخية عند 72.70 دولار.
-
البلاتين: قفز بنسبة 2.5% إلى 2,333.80 دولار، عقب بلوغه ذروة عند 2,377.50 دولار.
-
البلاديوم: واصل الصعود محققاً مكاسب تقارب 3% ليصل إلى 1,916.69 دولار، وهو أعلى مستوى له في ثلاث سنوات.
وجاء هذا الأداء في إطار موجة صعود شاملة شملت مختلف المعادن النفيسة، مدفوعة بشح المعروض من المناجم، وضبابية الرسوم الجمركية، وتحول جزء من الطلب الاستثماري بعيداً عن الذهب نحو المعادن الأخرى.
تحولات لافتة في شهية المستثمرين
شهد البلاتين والبلاديوم، المستخدمان بشكل أساسي في المحولات الحفازة للسيارات للحد من الانبعاثات، قفزات قوية هذا العام، حيث ارتفع البلاتين بنحو 160% منذ بداية العام، بينما سجل البلاديوم مكاسب تجاوزت 100%، في أداء يعكس تحولاً واضحاً في توجهات المستثمرين.
ويرى سبيفاك أن ما يحدث في أسواق البلاتين والبلاديوم يمثل في جوهره لحاقاً متأخراً بركب الصعود، محذراً في الوقت ذاته من أن ضحالة السيولة في هذه الأسواق تجعلها أكثر عرضة لتقلبات حادة، حتى مع تحركها في الاتجاه العام نفسه الذي يقوده الذهب، لا سيما مع عودة السيولة تدريجياً إلى الأسواق.