الذهب يقفز لأعلى مستوى في أسبوعين وسط تصاعد المخاوف بشأن استقلالية الفيدرالي بعد تصريحات ترامب
شهدت الأسواق العالمية يوم الثلاثاء موجة جديدة من التقلبات، حيث ارتفع الذهب إلى أعلى مستوى له في أسبوعين، مدعوماً بتراجع الدولار وزيادة الإقبال على الملاذات الآمنة.
وجاءت هذه التحركات بعد تصريحات مثيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكد فيها عزمه على إقالة ليزا كوك، عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، في خطوة غير مسبوقة أثارت جدلاً واسعاً بشأن استقلالية البنك المركزي الأمريكي.
أداء أسعار الذهب اليوم
ارتفعت أسعار الذهب في التداولات الآسيوية يوم الثلاثاء وسط زيادة واضحة في الطلب على الأصول الآمنة هذه الموجة من الإقبال جاءت مدفوعة بتزايد المخاوف حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بعد تصريحات ترامب التي أضعفت الثقة في استقرار مؤسسات السياسة النقدية.
كما استفاد الذهب إلى جانب المعادن النفيسة الأخرى من تراجع الدولار الأمريكي، حيث أدى ضعف العملة الخضراء إلى جعل المعدن النفيس أكثر جاذبية للمستثمرين العالميين.
وكان الذهب قد شهد أداءً متقلباً في الجلسات الأخيرة بسبب حالة عدم اليقين حول مسار الفائدة الأمريكية، لكن التطورات السياسية الأخيرة عززت موقعه كخيار مفضل للتحوط.
تصريحات المحللين: الذهب في موقع قوة
قال تيم ووترر، كبير محللي الأسواق في شركة KCM Trade، إن تصريحات ترامب بشأن إقالة كوك أثارت من جديد قلق المتداولين بشأن مستقبل السياسة النقدية الأمريكية.
وأضاف أن هذه الأجواء دفعت المستثمرين نحو الذهب كملاذ آمن، في وقت يسود فيه القلق من أن إدارة ترامب قد تسعى لإعادة تشكيل مجلس الاحتياطي الفيدرالي ليصبح أكثر ميلاً للسياسة التيسيرية.
وأوضح ووترر أن أي انخفاض إضافي في الدولار أو تراجع في عوائد السندات الأمريكية من شأنه أن يمنح الذهب زخماً إضافياً، لاسيما أن المعدن النفيس يعتبر المستفيد الأول في بيئة مالية تتسم بانخفاض الفائدة وتزايد المخاطر السياسية.
خطوة غير مسبوقة: إقالة كوك من الاحتياطي الفيدرالي
أعلن ترامب في رسالة علنية أنه يدعو إلى إقالة ليزا كوك فوراً، مستنداً إلى مزاعم بضلوعها في قضايا تتعلق بالاحتيال في الرهن العقاري لكن كوك رفضت هذه المزاعم بشكل قاطع، مؤكدة أن الرئيس الأمريكي "ليس لديه سلطة" لإقالتها، وأنها ستواصل أداء مهامها في المجلس.
تأتي هذه الخطوة لتشكل أحدث هجوم من ترامب على مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في وقت يسعى فيه الرئيس الأمريكي لتعزيز نفوذه على المجلس المكون من سبعة أعضاء. وإذا نجح في استبدال كوك بمرشح من اختياره، فإن ذلك سيمنحه تأثيراً أكبر على سياسات البنك المركزي، خاصة أن المجلس يضم بالفعل اثنين من مرشحيه: كريستوفر والر وميشيل بومان، نائبة الرئيس للإشراف.
وكان كل من والر وبومان قد صوتا لصالح خفض أسعار الفائدة في اجتماع الفيدرالي خلال يوليو/تموز الماضي، بما يتماشى مع مطالب ترامب المتكررة بضرورة التيسير النقدي.
العلاقة المتوترة بين ترامب وباول
منذ بداية ولايته، أبدى ترامب استياءه من سياسات رئيس الفيدرالي جيروم باول، حتى أنه لوّح في أكثر من مناسبة بإمكانية إقالته. ورغم رفض باول الاستجابة لضغوط خفض الفائدة بشكل فوري، إلا أنه ألمح الأسبوع الماضي إلى احتمال اتخاذ خطوة في هذا الاتجاه خلال سبتمبر/أيلول المقبل، مشيراً إلى ضعف سوق العمل في مقابل استمرار الضغوط التضخمية.
لكن باول ظل متحفظاً في تبني مسار واضح نحو المزيد من التيسير النقدي، الأمر الذي عمّق الخلاف بينه وبين البيت الأبيض، وأدى إلى تزايد المخاوف بشأن استقلالية الفيدرالي كمؤسسة يفترض أن تكون محصنة ضد التدخلات السياسية.
تأثيرات أوسع: استقلالية الفيدرالي على المحك
أثارت محاولات ترامب المتكررة للتأثير على قرارات الفيدرالي قلق المستثمرين بشأن مصداقية السياسة النقدية الأمريكية على المدى الطويل. إذ إن أي تقويض لاستقلالية البنك المركزي قد يؤدي إلى اهتزاز ثقة الأسواق العالمية بالاقتصاد الأمريكي، وهو ما ينعكس بدوره في زيادة الطلب على الذهب والمعادن النفيسة الأخرى كملاذات آمنة في أوقات عدم اليقين.
وتجدر الإشارة إلى أن كوك تُعد أول امرأة أمريكية من أصول إفريقية تشغل منصب محافظ في الاحتياطي الفيدرالي، ما يجعل قرار إقالتها محاطاً بجدل سياسي واجتماعي إضافي.
تصريحات باول والبيانات الاقتصادية المنتظرة
في سياق متصل، كان رئيس الفيدرالي جيروم باول قد أشار يوم الجمعة الماضي إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة في اجتماع الشهر المقبل، معتبراً أن المخاطر على سوق العمل تتزايد، رغم استمرار التضخم كتهديد قائم. وأكد أن القرار لم يُحسم بعد، ما أبقى الأسواق في حالة ترقب وانتظار.
ويتركز اهتمام المستثمرين حالياً على مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو المقياس المفضل للفيدرالي لمتابعة التضخم، والذي سيصدر يوم الجمعة. ومن شأن نتائج هذا المؤشر أن تمنح الأسواق إشارات أوضح حول المسار المحتمل للسياسة النقدية الأمريكية.
صناديق الذهب تزيد حيازاتها
أفاد صندوق SPDR Gold Trust، وهو أكبر صندوق مدعوم بالذهب في العالم، أن حيازاته ارتفعت يوم الاثنين بنسبة 0.18% لتصل إلى 958.49 طن متري، مقارنة بـ 956.77 طن يوم الجمعة. ويُنظر إلى زيادة الحيازات في الصناديق المدعومة بالذهب على أنها مؤشر على ارتفاع ثقة المستثمرين بالمعدن النفيس وتوجههم لتعزيز مراكزهم في مواجهة تقلبات الأسواق.
أداء الذهب والمعادن عند التسوية واليوم
عند تسوية تعاملات يوم الاثنين، استقرت أسعار الذهب رغم ارتفاع الدولار، إذ أنهى المعدن الأصفر عقوده الآجلة تسليم ديسمبر/كانون الأول عند 3417.50 دولار للأوقية، بعدما سجل مكاسب بنسبة 1% الأسبوع الماضي.
أما يوم الثلاثاء، فقد صعد الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.2% ليصل إلى 3,373.38 دولار للأونصة، بعد أن لامس في وقت سابق أعلى مستوى منذ 11 أغسطس/آب. كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي تسليم ديسمبر بنسبة 0.1% لتسجل 3,421.10 دولار.
المعادن النفيسة الأخرى والمعادن الصناعية
لم يكن الذهب وحده المستفيد من حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، فقد سجلت المعادن النفيسة الأخرى أيضاً مكاسب ملحوظة:
-
ارتفعت الفضة الفورية بنسبة 0.6% لتصل إلى 38.79 دولار للأونصة.
-
صعد البلاتين بنسبة 0.1% مسجلاً 1,343.45 دولار.
-
قفز البلاديوم بنسبة 0.9% إلى 1,095.80 دولار.
أما على صعيد المعادن الصناعية:
-
ارتفعت عقود النحاس القياسية في بورصة لندن للمعادن بنسبة 0.7% إلى 9,848.85 دولار للطن.
-
صعدت عقود النحاس في كومكس بنسبة 0.4% لتسجل 4.550 دولار للرطل.
وقد جاءت هذه المكاسب بعد أن شهدت المعادن الصناعية ارتفاعاً قوياً الأسبوع الماضي بدعم من إشارات الفيدرالي حول احتمال خفض أسعار الفائدة، وهو ما عزز الإقبال على الأصول ذات المخاطر.
خلاصة
تطورات الأيام الأخيرة أكدت مجدداً أن الذهب يظل المستفيد الأكبر من التوترات السياسية وحالة عدم اليقين النقدي. وبينما تسعى الأسواق لفك شيفرة توجهات الفيدرالي في المرحلة المقبلة، يظل المعدن النفيس في موقع قوة، مدعوماً بتراجع الدولار وزيادة المخاوف بشأن استقلالية واحدة من أهم المؤسسات الاقتصادية في العالم.