أسعار الذهب تنخفض بقوة وتسجل أدنى مستوى لها منذ أسابيع وسط تفاؤل تجاري أميركي–صيني
تراجعت أسعار الذهب العالمية خلال تعاملات اليوم الثلاثاء لأدنى مستوياتها منذ أسابيع، إذ تراجعت جاذبية المعدن النفيس كملاذ آمن مع تصاعد التفاؤل بشأن اقتراب الولايات المتحدة والصين من التوصل إلى اتفاق تجاري شامل.
ويأتي هذا التراجع في وقت يترقب فيه المستثمرون قرارات حاسمة من البنوك المركزية الكبرى حول العالم هذا الأسبوع، وعلى رأسها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان، وسط توقعات بتغيرات في السياسات النقدية قد تعيد تشكيل مسار الأسواق المالية خلال الفترة المقبلة.
أداء أسعار الذهب اليوم
واصلت أسعار الذهب انخفاضها خلال تداولات اليوم الثلاثاء، متأثرةً بتزايد مؤشرات التفاهم التجاري بين واشنطن وبكين. وقد أدى هذا التفاؤل إلى تراجع تدفقات المستثمرين نحو الأصول الآمنة كالذهب، مع عودة شهية المخاطرة في الأسواق العالمية.
وقال تيم ووترر، كبير محللي الأسواق في شركة KCM Trade، إن تحسن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين «سحب البساط جزئياً من تحت أسعار الذهب»، مشيراً إلى أن المستثمرين قلّصوا مراكزهم في الذهب بعد تقلص المخاوف الجيوسياسية والاقتصادية.
اتفاق تجاري مرتقب بين واشنطن وبكين
ذكرت التقارير أن كبار المسؤولين الاقتصاديين في البلدين اتفقوا يوم الأحد على إطار أولي لاتفاق تجاري من المنتظر أن يُعرض على الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ خلال الأسبوع الجاري، في خطوة يُتوقع أن تفتح صفحة جديدة من العلاقات التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.
وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يتوقع التوصل إلى اتفاق قريب مع الصين، كاشفاً عن سلسلة من الصفقات التجارية والاستثمارية في قطاع المعادن الاستراتيجية بماليزيا، تم توقيعها مع أربع دول من جنوب شرق آسيا ضمن جولته الآسيوية التي تستمر خمسة أيام.
ويُنظر إلى هذه التحركات على أنها رسالة مزدوجة: من جهة تُظهر سعي واشنطن لتعزيز سلاسل الإمداد بعيداً عن الصين، ومن جهة أخرى تؤكد استعدادها لتخفيف التوترات القائمة إذا تحقق التوازن التجاري المطلوب.
ترقّب عالمي لقرارات السياسة النقدية
يتجه أنظار المستثمرين حالياً نحو البنوك المركزية الكبرى، إذ من المتوقع على نطاق واسع أن يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة عند ختام اجتماعه غداً الأربعاء. ويولي المتعاملون اهتماماً بالغاً لتصريحات رئيس المجلس جيروم باول بحثاً عن إشارات مستقبلية تتعلق بمسار السياسة النقدية للفترة المقبلة.
في المقابل، من المرجح أن يُبقي كلٌّ من البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعاتهما المقررة لاحقاً هذا الأسبوع، ما يعكس تبايناً في مسارات السياسة النقدية بين الاقتصادات الكبرى، خصوصاً في ظل تباطؤ التضخم العالمي وتراجع الضغوط على سلاسل الإمداد.
أداء الذهب منذ بداية العام
رغم التراجع الأخير، لا يزال الذهب يُظهر أداءً قوياً على مدار العام الجاري، إذ ارتفع بنحو 51% منذ بداية 2025، ليصل إلى أعلى مستوى تاريخي عند 4,381.21 دولاراً للأوقية في 20 أكتوبر/تشرين الأول.
وجاء هذا الصعود مدعوماً بعدة عوامل، أبرزها الاضطرابات الجيوسياسية، وتزايد الرهانات على خفض أسعار الفائدة الأميركية، إضافة إلى استمرار مشتريات البنوك المركزية حول العالم لتعزيز احتياطياتها من الذهب وسط مخاوف من تراجع الثقة في العملات الورقية.
وبحسب استطلاع أجرته وكالة رويترز، يتوقع المحللون أن تمتد مكاسب المعدن النفيس إلى العام المقبل، مع ترجيحات بأن يتجاوز متوسط السعر السنوي حاجز 4000 دولار للأوقية للمرة الأولى، في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية والضبابية الاقتصادية العالمية.
يرى الخبير تيم ووترر أن تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات التجارية بين أميركا والصين قد يفرض ضغوطاً محدودة على أسعار الذهب خلال الأجل القصير، نتيجة تراجع الطلب على الأصول الآمنة.
لكنّه أشار في الوقت ذاته إلى أن هذا التأثير الهبوطي قد يتوازن جزئياً إذا ما تبنّى الاحتياطي الفيدرالي سياسة نقدية تميل إلى التيسير مع التخفيض المنتظر في أسعار الفائدة، ما قد ينعكس إيجاباً على المعدن النفيس عبر خفض تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب.
على الجانب الآخر، شهدت الأسواق الآسيوية مكاسب قوية خلال جلسة الثلاثاء، مدفوعة بآمال انحسار التوترات التجارية العالمية، وهو ما زاد من شهية المستثمرين للمخاطرة ودفع رؤوس الأموال نحو الأسهم على حساب الأصول الدفاعية.
الذهب عند التسوية في الجلسة السابقة
عند تسوية تعاملات يوم الاثنين، سجلت أسعار الذهب انخفاضاً بنسبة 2.85% أو ما يعادل 118.1 دولاراً لتستقر العقود الآجلة لتسليم ديسمبر عند 4,019.70 دولاراً للأوقية، متأثرةً بتراجع جاذبية المعدن كملاذ آمن وسط مؤشرات على تحسن العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين.
الذهب والدولار الآن
في تداولات اليوم الثلاثاء عند الساعة 10:45 بتوقيت تركيا:
-
الذهب الفوري تراجع بنسبة 1.31% إلى 3,929 دولاراً للأوقية.
-
العقود الآجلة الأميركية لتسليم ديسمبر انخفضت بنسبة 1.13% إلى 3,943.51 دولاراً للأوقية.
-
في المقابل، تراجع مؤشر الدولار الأميركي بنسبة 0.15% إلى 98.45 نقطة، في ظل تحركات حذرة من قبل المستثمرين قبيل اجتماع الفيدرالي.
أداء المعادن النفيسة الأخرى
في أسواق المعادن النفيسة الأخرى:
-
الفضة الفورية تراجعت بنسبة 0.5% إلى 46.68 دولاراً للأوقية.
-
البلاتين انخفض بنسبة 1% إلى 1,574.25 دولاراً.
-
بينما البلاديوم ارتفع بنسبة 1.1% ليصل إلى 1,417.30 دولاراً للأوقية.
هذه التحركات المتباينة تعكس حالة الحذر والترقب التي تسود الأسواق قبل القرارات النقدية المنتظرة، والتي قد تحدد اتجاهات أسعار المعادن الثمينة خلال الأسابيع المقبلة.
التحليل الفني لأسعار الذهب
من الناحية الفنية، تشير المؤشرات الحالية إلى أن الذهب يواجه مرحلة تصحيح هبوطي مؤقتة بعد الارتفاعات الحادة التي شهدها خلال الأسابيع الماضية.
-
مؤشر القوة النسبية (RSI) يتحرك حالياً قرب مستوى 47 نقطة، مما يشير إلى اقتراب السوق من منطقة الحياد، دون إشارات واضحة على تشبع بيعي أو شرائي.
-
أما مؤشر تقارب وتباعد المتوسطات المتحركة (MACD) فيُظهر إشارات سلبية طفيفة مع تقاطع خط الإشارة للأسفل، مما يدعم احتمالات استمرار الضغط الهبوطي على المدى القصير.
-
من ناحية المتوسطات المتحركة، لا يزال السعر يتحرك أعلى المتوسط المتحرك لـ200 يوم (حول مستوى 3,850 دولار)، وهو ما يبقي الاتجاه العام طويل الأجل في إطار صاعد، رغم التراجعات الحالية.
مستويات الدعم:
-
الدعم الأول عند 3,900 دولار للأوقية.
-
الدعم الثاني عند 3,850 دولار (يمثل المتوسط المتحرك طويل الأجل).
-
الدعم الثالث الأقوى عند 3,780 دولار في حال كسر المستويات السابقة.
مستويات المقاومة:
-
المقاومة الأولى عند 4,000 دولار للأوقية (المستوى النفسي الرئيسي).
-
المقاومة الثانية عند 4,080 دولار.
-
المقاومة الثالثة عند 4,180 دولار والتي تمثل القمة السابقة قبل التراجع الأخير.
وبناءً على هذه المعطيات، يرى المحللون الفنيون أن الذهب قد يواصل التذبذب ضمن نطاق جانبي بين 3,900 و4,050 دولار قبل أن يستعيد زخمه الصعودي في حال تأكدت إشارات التيسير النقدي من الفيدرالي الأميركي، أو تجددت التوترات التجارية والجيوسياسية العالمية.