التضخم في تركيا يتجاوز التوقعات ويفاجئ الأسواق والليرة تواصل الهبوط القياسي أمام الدولار
أظهرت بيانات رسمية صادرة يوم الجمعة 3 أكتوبر/تشرين الأول ارتفاع معدل التضخم السنوي في تركيا إلى 33.29% خلال سبتمبر/أيلول، متجاوزاً جميع التوقعات.
وجاء هذا الصعود مدفوعاً بزيادات حادة في أسعار الغذاء والإسكان والتعليم، فيما واصلت الليرة التركية الهبوط إلى أدنى مستوياتها القياسية، وسط جدل واسع حول سياسات البنك المركزي وخفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من المتوقع.
التضخم في تركيا يتجاوز التوقعات
أفاد معهد الإحصاء التركي أن معدل التضخم الاستهلاكي في سبتمبر/أيلول بلغ 33.29% على أساس سنوي، مقارنة بتوقعات عند حدود 32.5% فقط. وبهذا يسجل المؤشر أول ارتفاع منذ أن بلغ ذروته عند 75.4% في مايو/أيار 2023.
-
التضخم الشهري ارتفع بنسبة 3.23%، وهو أعلى بكثير من توقعات استطلاع «رويترز» البالغة 2.6%.
-
هذا الارتفاع يعكس ضغوطاً كبيرة على تكاليف المعيشة، ويؤكد أن مسار الأسعار لا يزال بعيداً عن الاستقرار.
العوامل الرئيسية وراء صعود التضخم
التفاصيل الرسمية تكشف أن الزيادات جاءت مدفوعة بقطاعات أساسية تمثل العبء الأكبر على المواطن:
-
الغذاء والمشروبات غير الكحولية: قفزت الأسعار بنسبة 36.1% على أساس سنوي، وبنسبة 4.6% شهرياً.
-
الإسكان: سجلت ارتفاعاً قياسياً بنسبة 51.4% سنوياً، ما جعلها العامل الأبرز في دفع التضخم.
-
التعليم: ارتفعت أسعار الخدمات التعليمية بنسبة هائلة بلغت 17.9% خلال شهر واحد فقط.
-
أسعار المنتجين المحليين: زادت بنسبة 2.52% شهرياً، لتسجل نمواً سنوياً قدره 26.59%.
هذه الأرقام توضح أن الضغوط التضخمية لا تقتصر على قطاع واحد، بل تمتد عبر عدة مجالات أساسية في حياة المواطنين.
سياسات البنك المركزي: جدل واسع حول وتيرة خفض الفائدة
أقدم البنك المركزي التركي في سبتمبر/أيلول على خفض سعر الفائدة بمقدار 250 نقطة أساس إلى 40.5%، وذلك بعد خفض سابق بمقدار 300 نقطة في يوليو/تموز.
-
هذه التحركات اعتبرها محللون أكثر جرأة مما كان متوقعاً، خاصة في ظل استمرار الضغوط التضخمية.
-
البنك المركزي لمح إلى إمكانية إبطاء وتيرة الخفض مستقبلاً، لكنه أكد أنه يراقب مسار التضخم بدقة.
انتقادات الخبراء
-
تيم آش من «بلو باي لإدارة الأصول» كتب عبر منصة «إكس» أن البنك المركزي «تسرع في خفض الفائدة، وفقد جزءاً من مصداقيته التي أعاد بناءها بصعوبة».
-
كابيتال إيكونوميكس أشارت في مذكرة بحثية إلى أن «الأرقام قد تدفع المركزي إلى مزيد من الحذر»، لكنها في الوقت نفسه توقعت خفضاً إضافياً بمقدار 250 نقطة أساس هذا الشهر.
-
أما مورغان ستانلي فتوقعت استمرار الخفض ولكن بوتيرة أبطأ، بحدود 200 نقطة أساس، ما لم تظهر مفاجآت تضخمية قوية.
الليرة التركية تنخفض لمستويات قياسية
بالتزامن مع صدور بيانات التضخم:
-
تراجعت الليرة التركية إلى مستوى قياسي جديد عند 41.685 ليرة مقابل الدولار.
-
أسهم البنوك سجلت انخفاضاً ملحوظاً بفعل الضغوط المالية ومخاوف المستثمرين.
هذا الانهيار في العملة يفاقم من حدة التضخم المستورد، حيث يؤدي ضعف الليرة إلى زيادة تكلفة الواردات، خصوصاً الطاقة والمواد الخام.
الخلفية السياسية والاقتصادية
عودة البنك المركزي إلى دورة التيسير النقدي في يوليو/تموز جاءت بعد توقف مؤقت في مارس/آذار، عقب اضطرابات الأسواق التي تزامنت مع سجن أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول وأبرز خصوم الرئيس رجب طيب أردوغان.
هذا التداخل بين السياسة والاقتصاد يضيف طبقة إضافية من الغموض حول مستقبل السياسات النقدية في تركيا.
التوقعات المستقبلية
رغم دعوات الحذر، يبدو أن الأسواق لا تزال تراهن على استمرار سياسة خفض الفائدة:
-
قد يستمر البنك المركزي في التيسير النقدي، لكن من المرجح أن تكون الخطوات المقبلة أكثر تحفظاً.
-
التضخم قد يواصل الارتفاع في الأشهر المقبلة إذا لم تتم السيطرة على أسعار الغذاء والطاقة.
-
الليرة التركية تبقى تحت ضغط شديد، ما يزيد من صعوبة تحقيق استقرار اقتصادي حقيقي.
خلاصة:
تركيا تواجه حالياً معضلة اقتصادية معقدة: تضخم متصاعد يفوق التوقعات، عملة محلية عند أدنى مستوياتها التاريخية، وبنك مركزي يمضي في خفض أسعار الفائدة بوتيرة مثيرة للجدل. ومع استمرار هذه التحديات، يبقى السؤال الأبرز: هل تستطيع أنقرة الموازنة بين دعم النمو وكبح التضخم دون التضحية باستقرار العملة والاقتصاد الكلي؟