الين الياباني يستأنف خسائره تحت وطأة السياسات التحفيزية لتاكايتشي وتباين إشارات البنوك المركزية
استأنف الين الياباني تراجعه في سوق العملات الآسيوية صباح يوم الاثنين مقابل سلة العملات الرئيسية والثانوية، ليعود مجددًا إلى مساره السلبي بعد توقف مؤقت في الجلسة السابقة أمام الدولار الأمريكي، مقتربًا من أدنى مستوياته خلال عشرة أشهر.
ويأتي هذا الأداء الضعيف للعملة اليابانية في ظل تصاعد المخاوف المرتبطة بنهج رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي، التي تميل إلى تبني سياسات تحفيزية توسعية تهدف إلى دعم الاقتصاد، لكنها في الوقت ذاته تزيد من الضغوط على سعر صرف الين الياباني وأسواق الفوركس العالمية.
وكان الين قد بلغ في الأسبوع الماضي مستويات متدنية تعد الأدنى منذ عدة أشهر، وسط توقعات قوية بأن بنك اليابان قد يواصل الحفاظ على سياسته النقدية الميسرة أو يتجه نحو مزيد من التخفيف، بالتوازي مع توجه الحكومة الجديدة نحو سياسة مالية توسعية تشمل برامج إنفاق وتحفيز غير مسبوقة.
هذا المزيج من السياسة النقدية المرنة والتوسع المالي يعزز المخاوف بشأن استمرار ضعف العملة اليابانية في المدى القصير والمتوسط.
وفي هذا السياق، يرى محللون أن احتمالات تدخل السلطات اليابانية في سوق الصرف الأجنبي لدعم الين لا تزال مستبعدة في المرحلة الحالية، ما لم تتجاوز الأسعار مستويات 160 ينًا لكل دولار أمريكي.
في المقابل، يترقب المستثمرون إشارات أوضح بشأن مسار تطبيع السياسة النقدية لبنك اليابان وإمكانية رفع أسعار الفائدة مستقبلاً، خاصة مع تزايد التقلبات في سوق العملات.
ورغم ذلك، شهدت العملة اليابانية قدرًا محدودًا من الدعم بعد أن صعّد مسؤولون في طوكيو من لهجتهم التحذيرية، مؤكدين أن خيار التدخل لا يزال مطروحًا في حال أصبح التراجع حادًا أو غير منظم، وهو ما ساهم في تخفيف حدة الهبوط مؤقتًا.
وفي مذكرة تحليلية، أشار محللو بنك MUFG إلى أن ضعف الين الياباني أصبح محور تركيز رئيسي للأسواق، لما له من تداعيات على عملات آسيا والأسواق الناشئة، في ظل القلق من وتيرة رفع أسعار الفائدة، وحجم الحوافز المالية الحكومية، بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية في العلاقات بين اليابان والصين.
سعر صرف الين الياباني اليوم
شهد الدولار الأمريكي ارتفاعًا بنحو 0.3% أمام الين الياباني ليصل إلى مستوى 156.80 ين، مقارنة بسعر افتتاح بلغ 156.37 ين، وهو نفس المستوى الذي سجله الزوج كأدنى نقطة خلال تداولات اليوم.
وكان الين قد أنهى تعاملات يوم الجمعة على مكاسب بلغت 0.7% مقابل الدولار، مسجلاً أول ارتفاع له خلال ست جلسات متتالية من الخسائر، مدعومًا بنشاط عمليات الشراء عند المستويات المنخفضة، بعد أن لامس في اليوم السابق أدنى مستوى له في عشرة أشهر عند 157.89 ين.
وعلى صعيد الأداء الأسبوعي، فقد الين الياباني نحو 1.2% من قيمته أمام الدولار، مسجلاً ثاني خسارة أسبوعية متتالية، متأثرًا بإعلان حزمة تاكايتشي التحفيزية التي عززت من التوقعات باستمرار السياسات التوسعية.
حزمة التحفيز الاقتصادي اليابانية وتأثيرها على سوق العملات
وافق مجلس الوزراء الياباني برئاسة ساناي تاكايتشي على حزمة تحفيز اقتصادي ضخمة بقيمة 21 تريليون ين، ما يعادل نحو 135 مليار دولار أمريكي، لتكون أول مبادرة سياسية كبرى في عهد الزعيمة الجديدة. وتهدف هذه الحزمة إلى دعم الأنشطة الاقتصادية المتباطئة، عبر إجراءات مالية توسعية تركز على تعزيز الإنفاق وتحفيز الطلب المحلي.
وتتضمن الحزمة نفقات في الحساب العام بقيمة 17.7 تريليون ين، مقارنة بـ13.9 تريليون ين في العام السابق، لتصبح بذلك أكبر حزمة تحفيز منذ جائحة كوفيد-19. كما تشمل تخفيضات ضريبية بقيمة 2.7 تريليون ين، في خطوة تعكس توجه الحكومة نحو توفير بيئة داعمة للنمو الاقتصادي حتى على حساب استقرار الين الياباني على المدى القصير.
ومن المنتظر أن تعتمد الحكومة اليابانية ميزانية تكميلية لتمويل هذه الحزمة في 28 نوفمبر الجاري، على أن تُعرض على البرلمان للمصادقة عليها قبل نهاية العام، وهو ما يعزز حالة الترقب في أسواق المال اليابانية وأسواق الصرف العالمية.
توقعات التدخل في سوق الصرف
أوضح كريستوفر وونغ، استراتيجي العملات في بنك OCBC، أن احتمالات التدخل في سوق الصرف قائمة حتى قبل الوصول إلى مستوى 160 ينًا للدولار، مشيرًا إلى أن أي تدخل محتمل قد يكون حادًا وسريع التأثير، خصوصًا في ظل شح السيولة وازدياد حساسية الأسواق للأخبار السياسية والاقتصادية.
من جانبه، قال مايكل بطرس، كبير الاستراتيجيين في StoneX، إن هناك حالة شد وجذب واضحة بين بنك اليابان والحكومة الجديدة، موضحًا أن تاكايتشي تميل إلى دعم بيئة نقدية مريحة للغاية لتعزيز النشاط الاقتصادي، ما يقلص فرص رفع أسعار الفائدة في المستقبل القريب.
وأضاف بطرس أن الأسواق قد تشهد تصعيدًا في لهجة التهديد بالتدخل بدلًا من اتخاذ خطوات فعلية برفع الفائدة، في ظل استمرار ضعف العملة اليابانية وزيادة الضغوط التضخمية.
تراجع العملات الآسيوية وضبابية السياسة النقدية الأمريكية
على نطاق أوسع، تراجعت معظم العملات الآسيوية مع بداية الأسبوع، في ظل استمرار حالة عدم اليقين بشأن توجهات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حيال السياسة النقدية في اجتماعه المقبل. وفي الوقت ذاته، أظهرت الروبية الهندية تعافيًا نسبيًا من مستوياتها القياسية المنخفضة، بدعم من تدخلات محتملة من بنك الاحتياطي الهندي.
واستقر مؤشر الدولار الأمريكي بشكل شبه كامل بعد تحقيقه مكاسب تجاوزت 1% خلال الأسبوع الماضي، كما ظلت العقود الآجلة للمؤشر في نطاق ضيق، ما يعكس حالة الترقب في الأسواق العالمية.
وارتفعت احتمالات خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من قبل الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر إلى نحو 69%، مقارنة بـ44% قبل أسبوع، وفقًا لأداة CME FedWatch، ما يعكس تغيرًا لافتًا في تسعير الأسواق لاحتمالات السياسة النقدية الأمريكية.
ويعود هذا التحول جزئيًا إلى تصريحات جون ويليامز، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، الذي أشار إلى أن تعديل السياسة النقدية قد يكون ممكنًا على المدى القريب، رغم تحذيرات مسؤولين آخرين من أن التضخم لا يزال مرتفعًا وسوق العمل قويًا بما لا يسمح بخفض الفائدة في الوقت الراهن.
أداء أبرز العملات الآسيوية
سجل زوج اليوان الصيني الخارجي USD/CNH ارتفاعًا بنسبة 0.1% ليصل إلى 7.1069، كما ارتفع زوج الدولار السنغافوري USD/SGD بنسبة 0.2% إلى 1.3052.
في المقابل، انخفض زوج الوون الكوري الجنوبي USD/KRW بنسبة 0.5% إلى مستوى 1,475.5، ليقود خسائر العملات الإقليمية، بينما استقر زوج الدولار الأسترالي AUD/USD بالقرب من مستوى 0.6464 دون تغيّر يُذكر.
أما الروبية الهندية، فقد تراجع زوج USD/INR بنسبة 0.5% بعد أن كان قد صعد بأكثر من 1% يوم الجمعة إلى مستوى قياسي بلغ 89.7200 روبية، وسط تقارير تشير إلى تدخل بنك الاحتياطي الهندي لكبح وتيرة التراجع.
وأشار محللو MUFG إلى أن البنك المركزي الهندي كان يدافع سابقًا عن مستوى 88.80، إلا أن غيابه المؤقت سمح بتفعيل أوامر وقف خسائر كبيرة أثناء اختراق هذا المستوى، قبل أن يعود التدخل لدعم العملة والحد من خسائرها.
خلاصة المقال
يظل الين الياباني تحت ضغط واضح بفعل السياسات التحفيزية والتوجهات المالية التوسعية للحكومة اليابانية، في وقت تتزايد فيه حالة عدم اليقين بشأن مسار السياسة النقدية العالمية.
وبين ترقب تدخل محتمل من السلطات اليابانية ومراقبة قرارات الاحتياطي الفيدرالي، تستمر أسواق العملات في حالة من التقلب الحذر، حيث باتت حركة الين الياباني مؤشرًا حساسًا لاتجاهات الاقتصاد الآسيوي وتوازنات السياسة النقدية الدولية.