دلالات الرموز على العملة السورية الجديدة: سردية الهوية والذاكرة الاقتصادية في تصميم نقدي معاصر

في خطوة تحمل أبعاداً تتجاوز الإطار النقدي التقليدي، جاء إطلاق العملة السورية الجديدة بوصفه حدثاً ذا حمولة رمزية وثقافية واقتصادية عميقة، عكس توجهاً واضحاً نحو إعادة تعريف العلاقة بين النقد والهوية الوطنية.

 

فالإعلان الرسمي عن ست فئات نقدية جديدة (10 و25 و50 و100 و200 و500 ليرة) لم يكن مجرد إجراء تقني مرتبط بتسهيل التداول أو تحديث الشكل النقدي، بل مثّل مشروعاً بصرياً متكاملاً يسعى إلى إعادة وصل العملة بالذاكرة الجماعية والهوية الجغرافية والاقتصادية لسوريا.

 

وقد حرصت الجهة المصممة، كما أكد السيد الرئيس أحمد الشرع، على أن تكون هذه العملة تعبيراً صادقاً عن سوريا بكل امتداداتها، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، بعيداً عن تمجيد الأشخاص أو تكريس الرموز الفردية، ومتمسكة بدلاً من ذلك بعناصر مستمدة من الطبيعة والحياة اليومية والإنتاج المحلي، بما يجعل من النقد أداة ثقافية بقدر ما هو أداة اقتصادية.

قراءة بصرية للعملة السورية الجديدة

قدمت العملة الوطنية الجديدة قراءة بصرية شاملة للهوية السورية، تستند إلى التنوع البيئي والاقتصادي والإنساني الذي يميز البلاد.

 

فقد جاء اختيار الرموز منسجماً مع واقع الجغرافيا السورية وتاريخها الإنتاجي، بحيث تعكس كل فئة نقدية جانباً من هذا التنوع، وتقدّم سرداً بصرياً متكاملاً يوحّد بين الأرض والإنسان والعمل.

 

وتتميّز هذه الرموز ببساطتها وقربها من وجدان المواطن، فهي ليست رموزاً مغلقة أو نخبوية، بل عناصر مألوفة من الحياة اليومية، تشكّل جزءاً من الذاكرة الجمعية للسوريين. وبهذا المعنى، تتحول العملة من مجرد وسيط للتبادل إلى وسيلة تعبير عن نمط الحياة، وعن العلاقة التاريخية بين الإنسان السوري وأرضه وبيئته.

دلالات الرموز على العملة السورية الجديدة

قدمت العملة الوطنية الجديدة قراءة بصرية للهوية السورية بامتدادها الجغرافي والإنساني، من شمال البلاد إلى جنوبها، ومن ساحلها إلى باديتها، فقد جاء تصميمها معتمداً على رموز مستمدة من الطبيعة والحياة اليومية، بما يعكس تنوّع البيئات السورية وتكاملها، بعيداً عن التكلف أو الرمزية المغلقة.

 

وقدّمت هذه الرموز، البسيطة في شكلها والقريبة من وجدان المواطن، سرداً بصرياً يوحّد الجغرافيا بالموروث الثقافي والإنتاجي، ويجعل من العملة أداة تعبير عن الحياة السورية بكل تفاصيلها، لا مجرد وسيط للتداول الاقتصادي.

العملة السورية الجديدة والقديمة

فئة 10 ليرات سورية جديدة : الوردة الشامية والفراشة

10 ليرات سورية جديدة

 

حملت فئة العشر ليرات الوردة الشامية، التي تُعد رمزاً تاريخياً وثقافياً لمدينة دمشق، وتعكس عراقة المكان واستمرارية الحياة فيه عبر القرون. فالورد الجوري الدمشقي ليس مجرد عنصر جمالي، بل هو جزء من الهوية الحضارية للمدينة، ارتبط بالصمود والبقاء رغم الظروف القاسية.

 

وإلى جانب الوردة، جاءت الفراشة رمزاً للحياة والتجدد والتحول، بما تحمله من دلالات على الاستمرارية والأمل. ويعزز حضور الفراشة البعد الجمالي الطبيعي للعملة، ويكسر النمط التقليدي للرموز الصلبة، مقدماً توازناً بصرياً بين الجذور العميقة والحركة المستمرة نحو المستقبل. ويجسد الجمع بين الرمزين رسالة متكاملة: هوية راسخة تتجدد دون أن تفقد أصالتها.

فئة 25 ليرة سورية الجديدة : التوت الشامي والسنونو

25 ليرة سورية جديدة

 

تضمنت هذه الفئة رمز التوت الشامي، الذي ارتبط تاريخياً بدمشق وريفها، ويعبّر عن العلاقة الوثيقة بين الإنسان والأرض، وعن البساطة والاستمرارية في الإنتاج الزراعي المحلي. فالتوت ليس محصولاً تجارياً فحسب، بل عنصر من عناصر الحياة اليومية.

 

ويقابله طائر السنونو، الذي يحمل دلالات العودة والبدايات الجديدة، ويرتبط بمواسم الهجرة والرجوع، ما يجعله رمزاً للأمل والتجدد. ويعكس الجمع بين التوت والسنونو ثنائية الاستقرار والحركة، والجذور والهجرة، في سرد بصري يعكس تجربة المجتمع السوري ذاته.

فئة 50 ليرة السورية الجديدة : البرتقال والصدفة

50 ليرة سورية جديدة

 

جاءت فئة الخمسين ليرة لتعكس هوية الساحل السوري، من خلال رمز البرتقال الذي يمثل أحد أهم المحاصيل الزراعية في تلك المنطقة، ويعبّر عن العطاء والاستمرارية الاقتصادية والعمل اليومي. فالحمضيات تشكل ركيزة أساسية لاقتصاد الساحل ومعيشة سكانه.

 

أما الصدفة، فترمز إلى البحر المتوسط، وتحمل دلالات الحماية والاحتواء، إذ تحفظ ما بداخلها، في إشارة إلى البحر كمصدر رزق وملاذ في آن واحد. ويجسّد الجمع بين البرتقال والصدفة هوية الساحل الطبيعية والاقتصادية، ويربط العملة بمشهد الحياة والإنتاج هناك.

فئة 100 ليرة السورية الجديدة : القطن والغزال

100 ليرة سورية جديدة

 

حملت فئة المئة ليرة القطن، الذي يرمز إلى المنطقة الشرقية من سوريا، حيث شكّلت زراعته لعقود طويلة ركيزة اقتصادية أساسية. ويعبّر القطن عن العمل الزراعي المنظم، وعن الدور الإنتاجي لتلك المنطقة في الاقتصاد الوطني.

 

ويقابله الغزال، رمز الحرية والرشاقة، الذي يعكس الحياة البرية والتنوع البيئي في البادية والمناطق المفتوحة. ويجمع هذان الرمزان بين الإنسان المنتج والطبيعة الحية، في صورة متوازنة تعكس علاقة التكامل بين العمل والبيئة.

فئة 200 ليرة السورية الجديدة : الزيتون والفرس العربي

200 ليرة سورية جديدة

 

تضمنت فئة المئتي ليرة الزيتون، الذي يُعد من أكثر الرموز رسوخاً في الذاكرة السورية، ويمثل محصولاً رئيساً في الشمال والغرب والجنوب. وترمز شجرة الزيتون إلى السلام والصمود والعمل طويل النفس، وإلى الارتباط العميق بالأرض.

 

إلى جانب الزيتون، جاء الفرس العربي رمزاً للأصالة والقوة والجمال، ومرتبطاً بتاريخ البادية السورية والهوية العربية عموماً. ويعكس الجمع بين الزيتون والفرس توازناً دقيقاً بين الثبات والانطلاق، وبين الجذور والحركة.

فئة 500 ليرة سورية جديدة : القمح وعصفور الدوري

500 ليرة سورية جديدة

 

حملت أعلى الفئات القمح، بوصفه المحصول الاستراتيجي الأهم في سوريا، ورمزاً للأمن الغذائي والعمل الزراعي والاعتماد على الذات. فالقمح يعبر عن مختلف المحافظات، ويشكّل ركيزة للمعيشة والاستقرار الاجتماعي.

 

ويقابله عصفور الدوري، الطائر المألوف في المدن والأرياف، الذي يرمز إلى الحياة البسيطة والقدرة على التكيف مع مختلف الظروف. ويعكس وجوده قرب الإنسان السوري اليومي، بما يحمله من دلالات على الصبر والاستمرارية. ويجسّد الجمع بين القمح والدوري ثنائية العمل والحياة، والأساسيات التي تقوم عليها معيشة المجتمع.

 

 تحمل جميع الفئات الجديدة توقيع حاكم المصرف المركزي وسنة الإصدار (2025م – 1446هـ)، مع إضافة ميزات تقنية لحمايتها من التزوير، ورمز النسر السوري في زاوية كل عملة.

 

وبهذا الإعلان، تطوى صفحة العملة القديمة بكل ما حملته من رموز القمع والاستبداد، وتلقى في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليها، بما فيها صور الملعون حافظ وبشار التي فُرضت قسراً لعقود على جيوب السوريين، اليوم، تبدأ مرحلة جديدة تُغلق فيها أبواب الماضي، وتُستعاد فيها العملة بوصفها رمزاً للدولة لا للأفراد، وللوطن لا للطغيان.

 

في المحصلة، تكشف العملة الوطنية الجديدة عن توجه بصري يستند إلى الطبيعة والإنتاج والحياة اليومية بوصفها عناصر جامعة للهوية السورية، فمن خلال رموز مستمدة من الأرض والبيئة والإنسان، تعكس هذه الفئات تنوّع الجغرافيا والاقتصاد والثقافة، وتربط النقد بالذاكرة المحلية والمعيشة الواقعية للمواطن.

 

وبذلك، تتحول العملة من مجرد أداة للتداول إلى مساحة رمزية تعبّر عن سوريا بكل محافظاتها، وتقدّم سرداً بصرياً يوحّد بين الجذور والاستمرارية، ويجعل من البساطة والاقتراب من الحياة اليومية جوهر هذا الإصدار الجديد.

 

اقرأ أيضاً : العملة السورية الجديدة : إعادة هيكلة نقدية بحذف صفرين وبداية مرحلة اقتصادية مختلفة

تصريحات الرئيس السوري حول العملة السورية الجديدة

أكد السيد الرئيس أحمد الشرع الإثنين 29 كانون الأول، أن العملة السورية الجديدة عنواناً لمرحلة وطنية جديدة تمر بها البلاد

 

وقال الرئيس الشرع في منشور عبر صفحته بمنصة إكس: العملة السورية الجديدة تحمل دلالاتٍ عميقة عن طبيعة سوريا ومزاياها، وتعمق الثقة بسوريا وطناً يفخر به السوريون جميعاً.

 

وأكد السيد الرئيس أحمد الشرع اليوم أن تبديل العملة يمثل عنواناً لأفول مرحلة سابقة غير مأسوف عليها، مشدداً على أن هذه العملية جراحية دقيقة في مسار تحول الحالة النقدية في البلاد.

 

وأشار الرئيس الشرع خلال جلسة حوارية ضمن حفل إطلاق العملة السورية الجديدة إلى أن تحسين الاقتصاد يتركز على زيادة معدلات الإنتاج وخفض معدلات البطالة.

 

وقال الشرع: “نحتاج اليوم إلى حالة من الهدوء في استبدال العملة ولا حاجة لحالة الفزع لدى المواطن”، منوهاً إلى أن الاقتصاد السوري تعرض لكثير من الأضرار خلال السنوات الماضية.

 

وشدد الرئيس على أهمية إفساح المجال للقطاع الخاص للمساهمة في النمو الاقتصادي، مبيناً أن السياسات في القوانين الجديدة عززت الثقة تدريجياً بالاقتصاد السوري.

 

وقال أيضاً: “هناك سهولة في تداول العملة الجديدة، لا سيما أن الكثيرين يعانون من حجم العملة القديمة في عمليات البيع والشراء”، مشيراً إلى أن المواطنين كانوا مضطرين للتعامل معها رغم أنها تحمل وجوهاً قبيحة.

 

وأضاف الرئيس الشرع أن استبدال العملة سيتم بشكل تدريجي لتفادي التضخم، مؤكداً ضرورة تبني ثقافة جديدة أثناء استبدال العملة، ومنها تجريم المضاربين عليها.

 

وأوضح أن رموز كثيرة في العملة الجديدة تدل على طبيعة هذه الأرض وهي رموز مستدامة، مشيراً إلى أن الاقتصاد السوري يسير في خطوات مركزة وستظهر ثمار ذلك تدريجياً.

 

ولفت الرئيس الشرع إلى التعاقد مع الكثير من الشركات على استبدال العملة السورية الجديدة، مشدداً على ضرورة الابتعاد عن الشائعات وإثارة الفزع وأي معلومات رسمية ستصدر عن المصرف المركزي.

تم التحديث في: الثلاثاء, 30 كانون الأول 2025 13:33
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول