تراجع أسعار النفط وسط ترقب لإنهاء الإغلاق الحكومي الأميركي وتوقعات إيجابية للطلب العالمي
انخفضت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الأربعاء بعد ارتفاعها في الجلسة السابقة، مع ترقب الأسواق لتطورات إنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، وسط توقعات بأن هذا التطور قد يعزز الطلب على الخام في أكبر اقتصاد ومستهلك للطاقة في العالم.
يأتي ذلك في وقت أصدرت فيه وكالة الطاقة الدولية تقريرها السنوي الذي يتوقع استمرار نمو الطلب العالمي على النفط والغاز حتى عام 2050، رغم التحديات المناخية العالمية.
أداء أسعار النفط اليوم
شهدت أسعار النفط تراجعاً طفيفاً خلال جلسة الأربعاء، حيث انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 0.3% لتسجل 64.96 دولاراً للبرميل، في حين تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنسبة 0.2% إلى 60.82 دولاراً للبرميل، بعد أن حقق مكاسب بلغت 1.5% في الجلسة السابقة.
ويأتي هذا التراجع وسط حالة من الترقب في الأسواق لتصويت الكونغرس الأميركي على مشروع قانون جديد لإعادة فتح الحكومة الفيدرالية وإنهاء الإغلاق الذي امتد لأسابيع، مما أثّر سلباً على الإنفاق الحكومي وثقة المستهلكين في أكبر اقتصاد في العالم.
ترقب الأسواق لتصويت الكونغرس على إنهاء الإغلاق الحكومي
من المقرر أن يصوّت مجلس النواب الأميركي، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، في وقت لاحق من اليوم الأربعاء على مشروع قانون يقضي بإعادة تمويل الوكالات الحكومية حتى 30 يناير، في خطوة من شأنها إنهاء الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة.
ويُنظر إلى إنهاء الإغلاق كعامل محفز للأسواق المالية وسوق الطاقة على حد سواء، إذ يُتوقع أن يؤدي إلى تحسن ثقة المستهلكين واستعادة النشاط الاقتصادي في قطاعات متعددة.
تحليل الخبراء: إنهاء الإغلاق سيعزز الطلب على الطاقة
قال توني سيكامور، محلل الأسواق في شركة IG، في مذكرة بحثية نقلتها وكالة "رويترز"، إن "إنهاء الإغلاق الحكومي سيعزز ثقة المستهلكين وينشّط النشاط الاقتصادي، مما يدعم الطلب على النفط الخام".
وأضاف أن تحسن المزاج الاستهلاكي وعودة الأنشطة الحكومية إلى طبيعتها قد يؤديان إلى زيادة في استهلاك الوقود والنقل الجوي، خصوصاً مع اقتراب موسم العطلات في الولايات المتحدة، حيث يُتوقع أن تشهد حركة السفر ارتفاعاً ملحوظاً بعد فترة من التباطؤ.
تأثير العقوبات الأميركية على قطاع النفط الروسي
على صعيد الإمدادات، بدأت تداعيات العقوبات الأميركية المفروضة مؤخراً على شركتي النفط الروسيتين "لوك أويل" و**"روسنفت"** تظهر بوضوح في أسواق الطاقة العالمية، مما وفر دعماً إضافياً للأسعار في بعض الجلسات السابقة.
ووفقاً لتقرير "رويترز"، فقد سعت شركة "يانتشانغ بتروليوم" الصينية في أحدث مناقصاتها للحصول على نفط غير روسي، في مؤشر على تأثير القيود المفروضة على الشركات الروسية في السوق الآسيوية.
كما أغلقت شركة "لويانغ للبتروكيماويات" التابعة لـ "سينوبك" بعض منشآتها لإجراء أعمال صيانة فنية، وهي خطوة تُعد نتيجة غير مباشرة للعقوبات الأميركية المفروضة الشهر الماضي.
ويُذكر أن هذه العقوبات تمثل أول إجراءات مباشرة تتخذها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد روسيا منذ بداية ولايته الثانية، ما يعكس تشديد واشنطن موقفها تجاه موسكو في ملفات الطاقة والسياسة الدولية.
وكالة الطاقة الدولية تتوقع نمو الطلب العالمي
في سياق موازٍ، أصدرت وكالة الطاقة الدولية (IEA) تقريرها السنوي لتوقعات الطاقة العالمية، متوقعة فيه نمو الطلب العالمي على النفط والغاز حتى عام 2050، مشيرة إلى أن العالم قد يفشل في تحقيق أهدافه المناخية إذا استمرت السياسات الحالية دون تغيير جوهري.
وبحسب التقرير، فإنه "في ظل السياسات الحكومية الحالية التي لا تشمل الطموحات الكاملة لتحقيق الحياد الكربوني، قد يصل الطلب على النفط إلى 113 مليون برميل يوميًا بحلول منتصف القرن، أي بزيادة تقدر بنحو 13% عن مستويات عام 2024".
أشارت الوكالة إلى أن الطلب العالمي على الطاقة سيرتفع بمقدار 90 إكساجول بحلول عام 2035، وهو ما يعادل زيادة بنسبة 15% عن المستويات الحالية، ما يعكس استمرار اعتماد الاقتصادات الناشئة والصناعية على مصادر الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز.
كما أوضحت الوكالة أن هذه التوقعات ليست تنبؤات ثابتة بل سيناريوهات محتملة تعتمد على السياسات الفعلية المتبعة، مضيفةً أن "في حال تبني السياسات المقترحة غير المعتمدة بعد، فإن الطلب على النفط قد يبلغ ذروته بحلول عام 2030 تقريبًا".
الجدير بالذكر أن وكالة الطاقة الدولية كانت قد توقعت خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أن يبلغ الطلب العالمي على النفط ذروته خلال العقد الحالي، وأن العالم لن يحتاج إلى المزيد من الاستثمارات في النفط والغاز إذا أراد تحقيق أهداف المناخ.
لكن الوكالة، التي يقع مقرها في باريس، واجهت ضغوطاً متزايدة من الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، في ظل تحولها نحو التركيز على الطاقة النظيفة والسياسات المناخية.
ودعا الرئيس دونالد ترامب الشركات الأميركية إلى زيادة إنتاج النفط والغاز لتعزيز أمن الطاقة ودعم النمو الاقتصادي، في تحول واضح عن نهج الإدارة السابقة.
خاتمة: مزيج من العوامل يحدد مستقبل أسعار النفط
في ضوء هذه التطورات، تبدو أسواق النفط العالمية أمام مزيج من العوامل المتباينة التي قد تؤثر على اتجاه الأسعار خلال الأسابيع المقبلة؛ فمن جهة، قد يؤدي إنهاء الإغلاق الحكومي الأميركي وتزايد الطلب على الوقود إلى تعزيز الأسعار، ومن جهة أخرى، تظل العقوبات الجيوسياسية وتقلبات السياسات المناخية عوامل ضغط يصعب تجاهلها.
ويبقى المسار المستقبلي لأسعار النفط مرتبطاً بمدى قدرة الحكومات والمؤسسات الدولية على تحقيق توازن بين أمن الطاقة العالمي ومتطلبات التحول نحو الاقتصاد الأخضر.