ارتفاع النفط بعد قصف إسرائيلي استهدف إيران متجهة لتسجيل أعلى مكاسب يومية منذ عام 2020
استفاق العالم فجر الجمعة على وقع تطور عسكري بالغ الخطورة في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن نفّذت إسرائيل سلسلة ضربات جوية استهدفت منشآت نووية وصاروخية داخل الأراضي الإيرانية، وأدّت إلى مقتل القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، وعدد من كبار الشخصيات المرتبطة بالبرنامج النووي والصاروخي الإيراني.
وقد انعكس هذا التصعيد فوراً على الأسواق العالمية، حيث شهدت أسعار النفط ارتفاعات حادة بنسبة قاربت 13%، فيما تسارع المستثمرون نحو الذهب بحثاً عن ملاذ آمن، في مشهد يعيد للأذهان توترات كبرى عرفتها المنطقة في العقود الماضية.
أسعار النفط تسجل أكبر قفزة يومية منذ عام 2020
شهدت العقود الآجلة للنفط الخام ارتفاعاً صاروخياً فجر الجمعة، بعد الأنباء عن الغارات الإسرائيلية التي هزّت أركان إيران. ارتفع خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 11.5% ليصل إلى 75 دولاراً للبرميل، بينما قفز خام برنت بنسبة 13% متجاوزاً 78 دولاراً للبرميل، في أكبر مكسب يومي منذ الانهيار الذي شهدته الأسواق في بدايات جائحة كوفيد-19 عام 2020.
وجاءت هذه القفزة لتلغي الخسائر المتراكمة التي عانى منها النفط منذ بداية العام، نتيجة التوترات التجارية العالمية المتصاعدة، وكذلك قرار تحالف "أوبك+" بإعادة تشغيل طاقات إنتاجية معطّلة بوتيرة أسرع من التوقعات.
وفي ظل تصاعد التوترات وغياب الوضوح بشأن الرد الإيراني، توجه المستثمرون نحو الذهب بحثاً عن الأمان في أوقات الأزمات، وسجلت أعلى مستوى لها عند 3444، ليقترب من مستوياته القياسية التي سجلها سابقاً 3500 هذا الارتفاع يعكس التحوّل الفوري في سلوك السوق العالمية، حيث ترتفع قيمة الأصول الآمنة مقابل تراجع شهية المخاطرة.
نتنياهو يعلن استهداف منشآت نطنز وكبار العلماء الإيرانيين
في كلمة متلفزة بعد الضربة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل نفذت "عملية عسكرية مستهدفة" ضد البرنامج النووي والصاروخي الباليستي الإيراني. وأوضح أن العملية طالت موقع التخصيب الرئيسي في نطنز، إلى جانب عدد من كبار العلماء النوويين، كما شملت أهدافاً تتعلق بقلب برنامج الصواريخ الباليستية.
وأكد نتنياهو أن "العملية ستستمر لأيام عديدة، حسب الحاجة، لإزالة هذا التهديد الذي يشكله النظام الإيراني"، معتبراً أن الضربة جاءت كإجراء دفاعي استباقي لحماية أمن إسرائيل القومي.
مقتل القائد العام للحرس الثوري الإيراني في الضربة
ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية أن القائد العام لفيلق الحرس الثوري، حسين سلامي، قد قُتل في الضربات الإسرائيلية. ويُعد سلامي من أبرز القادة العسكريين الإيرانيين ومن الشخصيات المحورية في تطوير البرنامجين النووي والعسكري لطهران، مما يجعل مقتله تطوراً نوعياً قد يدفع القيادة الإيرانية إلى رد فعل عنيف ومباشر.
صرّح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن الضربات نُفّذت بشكل أحادي من قبل إسرائيل، دون دعم مباشر من الولايات المتحدة، وأكد أن "أولويتنا القصوى حالياً هي حماية القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط".
وأضاف روبيو في بيان رسمي: "لسنا متورطين في الضربات ضد إيران. أبلغتنا إسرائيل بأنها تعتبر هذا الإجراء ضرورياً للدفاع عن النفس، ونحن نركّز على حماية جنودنا ومصالحنا الحيوية في المنطقة".
في أعقاب العملية، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس حالة الطوارئ الخاصة داخل إسرائيل، تحسباً لهجوم صاروخي أو باستخدام الطائرات المسيّرة من قبل إيران أو وكلائها في المنطقة، بما في ذلك حزب الله في لبنان أو الميليشيات المتحالفة مع طهران في سوريا والعراق واليمن.
توقعات بتصعيد إيراني: الأسواق تترقب الرد
قال آندي ليبو، رئيس شركة "ليبو أويل أسوشيتس"، إن أسواق النفط باتت قلقة من احتمال تنفيذ إيران هجمات انتقامية ضد أهداف إسرائيلية أو أميركية، مما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري شامل في المنطقة واضطرابات كبرى في إمدادات الطاقة.
وصرّح ليبو لشبكة CNBC قائلاً: "تعلم إيران أن الرئيس دونالد ترامب يركّز على خفض أسعار الطاقة. أي تحرّك من طهران يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والبنزين في الولايات المتحدة سيُعد بمثابة ورقة ضغط سياسية قد تؤذي حملة ترامب الانتخابية".
في مؤشرات واضحة على الخوف من نقص الإمدادات، تعمّقت حالة الـ Backwardation في عقود خام برنت، إذ قفز الفرق بين أقرب عقدين آجلين إلى 2.08 دولار للبرميل، مقارنة بـ92 سنتاً فقط في اليوم السابق للضربة.
كما ازداد الفارق بين عقد ديسمبر 2025 ونظيره لعام 2026 إلى أكثر من 2.35 دولار، بعد أن كان 50 سنتاً فقط، بينما سجلت تقلبات عقود خيارات النفط أعلى مستوياتها منذ ثلاث سنوات، في دلالة واضحة على ارتفاع حالة القلق والترقب لدى المستثمرين.
جيه بي مورغان يحذر من سيناريو 130 دولاراً للبرميل
أصدر بنك "جيه بي مورغان تشيس" تحذيراً من إمكانية ارتفاع أسعار النفط إلى 130 دولاراً للبرميل، في حال تدهور الوضع إلى حرب مفتوحة تشمل استهداف منشآت إنتاج وتكرير النفط في الخليج، أو إغلاق الممرات البحرية الحيوية.
من بين أكبر المخاوف المطروحة الآن في الأسواق، تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، الممر البحري الأهم لتجارة النفط العالمية، والذي يمر عبره حوالي ربع إمدادات النفط الخام العالمية يومياً. ولدى إيران تاريخ طويل في استهداف ناقلات النفط عبر المضيق، وسبق أن هدّدت مراراً بإغلاقه في حال تعرّضت لهجوم مباشر.
وقال موكيش ساهدف، رئيس أسواق النفط والسلع في شركة "رايستاد إنرجي"، إن "الطاقة الفائضة التي تمتلكها أوبك+ كفيلة نظرياً بتعويض أي فقدان في إنتاج إيران"، لكنه أشار إلى أن "التوترات في مضيق هرمز قد تجعل من الصعب الاستفادة من هذه الطاقة، بسبب صعوبة الشحن وارتفاع المخاطر".
قالت بريانكا ساشديفا، كبيرة محللي السوق في "فيليب نوفا بي تي إي" في سنغافورة: "سوق النفط ستواجه اختباراً حقيقياً اليوم، مع تقلبات ضخمة وحالة من عدم اليقين غير المسبوق". وأضافت أن تفاقم الصراع لا يزيد فقط من احتمالية تعطل الإمدادات، بل يهدد أيضاً بانتقال الأزمة إلى أسواق أخرى، من السلع إلى العملات وحتى الأسواق المالية.
خاتمة: الشرق الأوسط على حافة الانفجار والأسواق في حالة ذعر
التطورات الأخيرة تمثل تحولاً جذرياً في المشهد الجيوسياسي العالمي. الضربة الإسرائيلية لإيران، التي أسفرت عن مقتل شخصية رفيعة المستوى كحسين سلامي، تشير إلى دخول الصراع مرحلة أكثر تعقيداً وخطورة.
ومع ارتفاع احتمالية الرد الإيراني، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائها في المنطقة، تدخل أسواق الطاقة العالمية في حالة طوارئ حقيقية، وسط توقعات بتصاعد الأسعار ومخاطر انقطاع الإمدادات.
تبقى الأنظار مشدودة إلى رد الفعل الإيراني المقبل، والذي قد يحدد ما إذا كانت المنطقة تتجه نحو مواجهة إقليمية شاملة أو نحو احتواء مشروط للتصعيد.