مكاسب أسبوعية لأسعار النفط بعد عقوبات أميركية على روسنفت ولوك أويل أثارت مخاوف الإمدادات

اختتمت أسعار النفط تداولات الأسبوع الأخير من أكتوبر/تشرين الأول على مكاسب أسبوعية واضحة، رغم التراجع الطفيف الذي شهدته جلسة الجمعة 24 أكتوبر.

 

فقد أثارت العقوبات الأميركية الجديدة على شركتي "روسنفت" (Rosneft) و**"لوك أويل" (Lukoil)** الروسيتين، وهما من أكبر منتجي النفط في العالم، موجة من القلق العميق في الأسواق العالمية بشأن احتمالات تقلص الإمدادات النفطية، في وقت تشهد فيه الأسواق بالفعل تقلبات حادة بين المخاوف من فائض المعروض والضغوط الجيوسياسية المتصاعدة المرتبطة بالحرب في أوكرانيا.

 

العقوبات الأخيرة، التي جاءت ضمن حزمة من الإجراءات الاقتصادية التي تهدف إلى تضييق الخناق على موسكو وحرمانها من عائدات الطاقة الحيوية، أشعلت موجة شراء مكثفة في الأسواق، وسط توقعات بأن تؤدي إلى اضطراب مؤقت في تدفقات النفط الروسي نحو الأسواق الآسيوية، لا سيما الهند والصين.

أداء أسعار النفط في الجلسة الختامية

تراجعت أسعار النفط قليلاً عند التسوية يوم الجمعة، بعد المكاسب القوية التي سجلتها في جلسة الخميس، لكنها أنهت الأسبوع على ارتفاع ملحوظ.


فقد استقر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي (WTI) قرب مستوى 61 دولاراً للبرميل دون تغيير يُذكر، لكنه سجّل ارتفاعاً أسبوعياً بنسبة 7%، وهي واحدة من أقوى المكاسب في الأشهر الأخيرة.

 

أما خام برنت القياسي العالمي فقد تراجع 5 سنتات أو 0.08% ليغلق عند 65.94 دولاراً للبرميل، بينما انخفض خام غرب تكساس الوسيط في العقود الآجلة 29 سنتاً أو 0.47% ليبلغ عند التسوية 61.50 دولاراً للبرميل.

 

ورغم هذا التراجع الطفيف في ختام الأسبوع، فإن المكاسب الأسبوعية القوية جاءت مدفوعة بمخاوف واسعة من تراجع الإمدادات الروسية بعد إدراج شركتي روسنفت ولوك أويل على القائمة السوداء الأميركية.

العقوبات الأميركية وتأثيرها على سوق النفط العالمي

فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على شركتي روسنفت ولوك أويل الروسيتين، اللتين تمثلان معاً أكثر من 5% من الإنتاج العالمي للنفط وجاءت هذه الخطوة في إطار حملة ضغوط تهدف إلى تقويض قدرة روسيا على تمويل حربها في أوكرانيا.


العقوبات، التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وُصفت بأنها من أقوى الإجراءات الاقتصادية ضد موسكو منذ اندلاع الحرب، حيث تستهدف شريان الإيرادات الرئيس لاقتصادها.

 

وأثارت هذه العقوبات سلسلة من ردود الفعل العالمية. فوفقاً لمصادر في القطاع، أوقفت شركات النفط الحكومية الصينية مؤقتاً مشتريات النفط الروسي في خطوة احترازية لتجنّب التعرض للعقوبات الأميركية.

 

كما أشارت مصادر أخرى إلى أن شركات التكرير الهندية، التي تُعد من أكبر مشتري النفط الروسي المنقول بحراً، تستعد لتقليص وارداتها بشكل حاد خلال الأسابيع المقبلة.

 

وفي المقابل، أبدت الإدارة الأميركية استعدادها لتوسيع العقوبات في حال استمرار روسيا في سياساتها الحالية، بينما وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الخطوة بأنها "إجراء عدائي"، مؤكداً أن بلاده لن تتأثر بشكل جوهري بفضل ما تمتلكه من "شبكات بديلة وأساطيل ظلّ" قادرة على الالتفاف على القيود.

تحركات الأسواق ودور صناديق التداول الآلي

أشارت بيانات الأسواق إلى أن صناديق التداول الآلي (Algorithmic Funds) أضافت مراكز شرائية جديدة خلال الأسبوع، ما ساهم في تعزيز موجة الصعود.


وقال دان غالي، كبير استراتيجيي السلع في شركة TD Securities:

 

"ما لم نشهد صدمة هبوطية كبيرة، فإن جميع السيناريوهات الحالية ترجّح استمرار عمليات الشراء الآلي الواسعة النطاق خلال الأيام المقبلة".

وتأتي هذه التحركات في سياق زيادة المضاربات على ارتفاع الأسعار بعد أن كسر النفط سلسلة من التراجعات، مدعوماً بالعوامل الجيوسياسية والمخاوف من تقلص المعروض العالمي.

موقف أوبك واستعدادها لتعويض أي نقص في الإمدادات

في خضمّ هذه التطورات، أعلن وزير النفط الكويتي طارق الرومي أن منظمة أوبك مستعدة للتدخل لتعويض أي نقص محتمل في السوق من خلال خفض تخفيضات الإنتاج أو زيادة الإمدادات عند الحاجة، بما يضمن استقرار الأسعار وتوازن السوق.


ويأتي هذا الموقف في وقت تشير فيه تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى احتمال أن يتجاوز الإنتاج العالمي الطلب بنحو 4 ملايين برميل يومياً في العام المقبل، ما قد يؤدي إلى فائض كبير في المعروض إذا لم يتم ضبط وتيرة الإنتاج.

العقوبات الأوروبية والبريطانية تضيف مزيداً من الضغط

لم تقتصر العقوبات على واشنطن وحدها، إذ فرضت بريطانيا عقوبات مماثلة على الشركتين الروسيتين الأسبوع الماضي، في حين وافق الاتحاد الأوروبي على الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات ضد موسكو، والتي تضمنت حظراً كاملاً على واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي، إلى جانب منع التعاملات مع شركتي "روسنفت" و"غازبروم نفط".


هذه الإجراءات المتزامنة تعكس تصعيداً غربياً واسعاً يهدف إلى تكبيل قطاع الطاقة الروسي الذي يشكّل عصب الاقتصاد في موسكو.

 

العقوبات الأميركية والأوروبية دفعت عدداً من المشترين الآسيويين لإعادة تقييم مصادر إمداداتهم.


فقد أوقفت الشركات الصينية المملوكة للدولة شراء بعض الشحنات الفورية من خام "إبسو" الروسي القادم من أقصى الشرق، في حين بدأت شركات هندية كبرى مثل ريلاينس إندستريز بتكثيف مشترياتها من الخام الشرق أوسطي والأميركي لتعويض النقص المحتمل في الإمدادات الروسية.


ووفقاً لمتعاملين، فإن وتيرة الشراء من الشرق الأوسط ارتفعت بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الأخيرة، حتى قبل إعلان العقوبات الأميركية، في خطوة استباقية تحسّباً لأي اضطرابات.

تحليل هيكل الأسعار وإشارات السوق على شح الإمدادات

أظهرت منحنيات الأسعار في سوق العقود الآجلة للنفط إشارات واضحة على تزايد الضغوط على المعروض.


إذ اتسع الفارق بين العقد الأقرب لخام غرب تكساس الوسيط والعقد الذي يليه — والمعروف باسم "الفارق الفوري" أو Backwardation — ما يشير عادة إلى سوق تعاني من نقص في الإمدادات.


هذا التحول يعكس مخاوف المستثمرين من أن تؤدي العقوبات إلى تراجع فعلي في الكميات الروسية المتاحة للتصدير، رغم محاولات موسكو الالتفاف على القيود.

 

من جانبها، أكدت مصادر مقربة من الكرملين أن روسيا تمتلك خبرة طويلة في التعامل مع العقوبات الغربية، مشيرة إلى أن موسكو ستستخدم شبكتها الواسعة من التجار و"أسطول الظل" من ناقلات النفط لنقل الخام إلى الأسواق التي لا تلتزم بالعقوبات، خاصة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.


ورغم المخاطر المالية المحتملة، ترى روسيا أن تأثير العقوبات سيكون محدوداً زمنياً، خصوصاً أن العديد من الدول لا تزال تعتمد على الخام الروسي بسبب خصومات الأسعار الكبيرة التي تقدمه موسكو منذ العام الماضي.

العلاقات الأميركية – الصينية وتداعياتها على تجارة الطاقة

تتجه الأنظار إلى الاجتماع المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ الأسبوع المقبل، وسط توقعات بأن يتناول اللقاء ملف تجارة النفط بين الصين وروسيا إلى جانب الجهود المبذولة لتخفيف التوتر التجاري الممتد بين القوتين الاقتصاديتين.


ويرى محللون أن أي تقدم في هذه المحادثات قد يكون له تأثير مباشر على مسارات تدفق الطاقة العالمية، خاصة إذا تم التوصل إلى تفاهمات تتيح لبكين هامشاً أوسع في تعاملاتها النفطية مع موسكو دون الاصطدام بالعقوبات الغربية.

 

تؤكد التطورات الأخيرة أن سوق النفط العالمي يقف أمام مفترق طرق معقّد بين عوامل الدعم والضغط.


فمن جهة، تثير العقوبات مخاوف نقص الإمدادات وتدفع الأسعار للصعود، ومن جهة أخرى، تلوح توقعات الفائض في الأفق مع زيادة إنتاج أوبك+ واستمرار ضعف الطلب في بعض الاقتصادات الكبرى.


وفي ظل هذا المشهد المزدوج، يبدو أن العوامل الجيوسياسية ستبقى المحرك الأساسي للأسعار في الأمد القريب، بينما يظل ميزان العرض والطلب في حالة ترقب وانتظار لأي متغير جديد.

تحليل فني وتوقعات مستقبلية لأسعار النفط

من الناحية الفنية، يظهر على الرسوم البيانية اليومية لخام برنت وغرب تكساس الوسيط أن الأسعار تتحرك حالياً في نطاق صاعد متوسط الأجل.

  • مؤشر القوة النسبية (RSI) يتمركز قرب مستوى 63 نقطة، ما يشير إلى زخم إيجابي قوي مع احتمال محدود للتشبع الشرائي.

  • مؤشر الماكد (MACD) يواصل تقاطعاً إيجابياً فوق خط الإشارة، ما يعزز احتمالات استمرار الاتجاه الصعودي.

  • أما المتوسط المتحرك لـ50 يوماً فيتجه نحو تقاطع صاعد مع المتوسط المتحرك لـ200 يوم، وهو ما يُعرف بـ"التقاطع الذهبي" (Golden Cross)، وغالباً ما يُعتبر إشارة قوية لمزيد من المكاسب.

مستويات الدعم والمقاومة المحتملة:

  • الدعم الأول: عند مستوى 60.80 دولار للبرميل (خام غرب تكساس الوسيط)

  • الدعم الثاني: عند 59.20 دولار

  • المقاومة الأولى: عند 63.50 دولار

  • المقاومة الثانية: عند 65.90 دولار

طالما ظل السعر فوق مستوى الدعم الرئيسي 60 دولاراً، فإن النظرة الفنية تبقى إيجابية على المدى القصير إلى المتوسط، مع احتمال اختبار مستوى 66 دولاراً خلال الأسابيع المقبلة.
لكن أي كسر دون 59 دولاراً قد يفتح الباب لتصحيح هبوطي نحو منطقة 57.50 دولاراً، خاصة إذا تراجعت شهية المخاطرة أو ارتفعت المخزونات الأميركية بشكل مفاجئ.

تم التحديث في: السبت, 25 تشرين الأول 2025 10:03
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول