النفط يتجه لأكبر خسارة سنوية منذ جائحة كورونا وسط فائض المعروض وزيادة إنتاج أوبك+

سجّلت أسعار النفط العالمية تراجعًا حادًا تجاوز 10% خلال عام 2025، في وقت يتجه فيه خام برنت لتكبد أطول سلسلة خسائر سنوية في تاريخه الحديث، مع اقتراب العام من نهايته تحت وطأة فائض المعروض وتباطؤ الطلب العالمي.

 

ويُعد هذا الأداء الأسوأ لسوق النفط منذ صدمة جائحة كورونا في عام 2020، في عام اتسم بتشابك العوامل الجيوسياسية والاقتصادية، من الحروب والنزاعات، إلى ارتفاع الرسوم الجمركية، وزيادة إنتاج تحالف «أوبك+»، إضافة إلى العقوبات المفروضة على روسيا وإيران وفنزويلا.

 

ويأتي هذا التراجع في ظل ضغوط متزايدة ناجمة عن توقعات بحدوث فائض كبير في الإمدادات خلال الفترة المقبلة، وهو ما ألقى بظلاله على معنويات المستثمرين واتجاهات التداول مع اقتراب دخول عام 2026.

تحركات أسعار النفط في الأسواق العالمية

على صعيد التداولات اليومية، تراجع سعر خام برنت تسليم مارس بنسبة 0.1% ليصل إلى 61.25 دولارًا للبرميل عند الساعة 6:26 صباحًا بتوقيت لندن، في حين جرى تداول خام غرب تكساس الوسيط الأميركي عند مستوى 57.87 دولارًا للبرميل، منخفضًا بنسبة مماثلة.

 

كما أظهرت البيانات أن العقود الآجلة لخام برنت تكبّدت خسائر سنوية تقارب 18%، وهو أكبر انخفاض سنوي منذ عام 2020، لتتجه بذلك إلى تسجيل خسائر للعام الثالث على التوالي. وتراجع عقد مارس آذار، الذي ينتهي أجله يوم الأربعاء، بنسبة 0.1% ليصل إلى 61.44 دولارًا للبرميل.

 

في المقابل، انخفض خام غرب تكساس الوسيط الأميركي إلى 58.04 دولارًا للبرميل، متجهًا لتسجيل خسارة سنوية بنحو 15%، ما يعكس الضغوط المتواصلة التي يتعرض لها سوق الطاقة الأميركية والعالمية على حد سواء.

ترقب لاجتماع «أوبك+» وبيانات اقتصادية ضاغطة

تركّز اهتمام المتعاملين في الأجل القريب على اجتماع مرتقب لتحالف «أوبك+»، إلى جانب تقرير صناعي أميركي جاء بنتائج سلبية، فضلاً عن استمرار التوترات الجيوسياسية في عدد من المناطق الحساسة، وهو ما زاد من حالة الحذر والترقب في الأسواق.

 

بدأت أسواق النفط عام 2025 بزخم قوي، مدعومة بفرض الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عقوبات أكثر تشددًا على روسيا في ختام ولايته، الأمر الذي أدى إلى تعطّل جزء من الإمدادات المتجهة إلى الصين والهند، وهما من أكبر مستوردي النفط عالميًا، وفق ما نقلته وكالة رويترز.

 

وتصاعدت التوترات لاحقًا مع احتدام الحرب في أوكرانيا، بعد أن تسببت هجمات بطائرات مسيّرة أطلقتها كييف في إلحاق أضرار بالبنية التحتية للطاقة في روسيا، وتعطيل صادرات النفط من قازاخستان.

 

كما شكّل الصراع الذي استمر 12 يومًا بين إيران وإسرائيل خلال يونيو حزيران تهديدًا مباشرًا لحركة الشحن عبر مضيق هرمز، ما دفع أسعار النفط إلى الارتفاع مؤقتًا بفعل المخاوف من اضطراب الإمدادات.

مخاطر جيوسياسية متراكمة

وازداد المشهد تعقيدًا مع إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرًا بفرض حصار على صادرات النفط الفنزويلية، إلى جانب تهديده بتوجيه ضربة جديدة لإيران، ما أعاد المخاوف بشأن استقرار الإمدادات من بعض كبار المنتجين.

 

غير أن هذه العوامل الداعمة للأسعار لم تصمد طويلًا، إذ عادت الأسعار إلى مسارها الهابط مع تسريع تحالف «أوبك+» وتيرة زيادة الإنتاج خلال العام، بالتزامن مع تصاعد القلق بشأن تأثير الرسوم الجمركية الأميركية في وتيرة نمو الاقتصاد العالمي ومستويات الطلب على الوقود.

فائض الإمدادات يطغى على السوق

شهد النفط تراجعًا ملحوظًا خلال 2025 مع ارتفاع الإمدادات من تحالف «أوبك+» ومنتجين من خارج التحالف، في وقت تباطأ فيه نمو الطلب العالمي. وتتوقع عدة مؤسسات، من بينها وكالة الطاقة الدولية، حدوث فائض كبير في سوق النفط خلال العام المقبل، في حين لا تزال أمانة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تحافظ على نظرة أكثر تفاؤلًا، متوقعة فائضًا محدودًا نسبيًا.

 

وعلى المدى الأبعد، يرى محللون أن الأسعار المنخفضة قد تدفع شركات الحفر إلى تقليص الاستثمارات، وهو ما قد يهيئ الأرضية لتعافٍ لاحق في الأسعار إذا ما اتسعت فجوة الإمدادات مستقبلًا.

قرارات «أوبك+» وتوقعات المعروض

وكان تحالف «أوبك+» قد قرر تعليق زيادات الإنتاج خلال الربع الأول من عام 2026، بعد أن ضخّ نحو 2.9 مليون برميل يوميًا في السوق منذ أبريل نيسان. ومن المقرر عقد الاجتماع المقبل للتحالف في الرابع من يناير كانون الثاني.

 

ويتوقع معظم المحللين أن يتجاوز المعروض حجم الطلب خلال العام المقبل بفارق كبير، يتراوح بين 3.84 ملايين برميل يوميًا وفق تقديرات وكالة الطاقة الدولية، ونحو مليوني برميل يوميًا بحسب تقديرات بنك غولدمان ساكس.

آراء المحللين: متى تتدخل «أوبك+»؟

قال مارتاين راتس، المحلل لدى مورغان ستانلي، إن حدوث انخفاض حاد في الأسعار قد يدفع تحالف «أوبك+» إلى تنفيذ تخفيضات إضافية في الإنتاج، لكنه أشار إلى أن الأسعار ربما تحتاج إلى الهبوط إلى مستويات أدنى، قد تقترب من 50 دولارًا للبرميل، قبل أن يتحرك التحالف بشكل فعلي.

 

وأضاف: «إذا استقرت الأسعار عند المستويات الحالية، وبعد تعليق زيادات الإنتاج في الربع الأول، فمن المرجح أن يواصل التحالف إلغاء هذه التخفيضات تدريجيًا».

 

من جهتها، قالت تشارو تشانانا، كبيرة استراتيجيي الاستثمار في «ساكسو ماركتس» في سنغافورة، إن القصة الحقيقية في سوق النفط لا تقتصر على فائض المعروض في مطلع 2026، بل تمتد إلى تداعيات تأجيل الاستثمارات في الوقت الراهن، والذي قد يزيد من احتمالات حدوث قفزة حادة وغير منظمة في الأسعار مستقبلًا.

 

وأضافت أن سوق النفط تدخل عام 2026 «بشخصية منقسمة بين راحة قصيرة الأجل ناتجة عن وفرة الإمدادات، وقلق طويل الأجل مرتبط بإمكانية حدوث فجوة في المعروض لاحقًا».

تطورات سياسية إضافية

على صعيد التوترات الإقليمية، أعلنت الإمارات، العضو الرئيسي في تحالف «أوبك+» إلى جانب السعودية، عن نيتها سحب قواتها من اليمن في ظل تصاعد التوتر المرتبط بالعمليات العسكرية في البلد الذي يشهد صراعًا مستمرًا.

 

وفي سياق آخر، يراقب المتعاملون تأثير الحصار الأميركي الجزئي على شحنات النفط الفنزويلية، لا سيما بعد أن كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن ضربة أميركية سرية استهدفت منشأة قال إنها تُستخدم في تهريب المخدرات، ما أثار تساؤلات حول مدى استعداد واشنطن لتصعيد الضغط على نظام الرئيس نيكولاس مادورو.

 

كما ظلت الجهود الأميركية الرامية إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا محل متابعة دقيقة، إذ أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن روسيا ستشدد موقفها التفاوضي عقب هجوم مزعوم استهدف مقر إقامة رئاسي، وهي تهمة نفاها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

تداعيات اقتصادية أوسع

أسهم تراجع أسعار النفط في تخفيف الضغوط التضخمية عالميًا، وهو ما يُعد عامل دعم لصنّاع السياسات النقدية الساعين إلى احتواء ارتفاع الأسعار. وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد خفّض أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال عام 2025، فيما أظهرت محاضر اجتماعه الأخير أن غالبية المسؤولين يرون مجالًا لمزيد من التخفيضات خلال الفترة المقبلة.

 

في المقابل، شكّل هذا الانخفاض تحديًا كبيرًا للمنتجين، ولا سيما دول «أوبك+» التي تعتمد بشكل أساسي على إيرادات النفط في تمويل إنفاقها العام. وكانت السعودية قد توقعت في وقت سابق من هذا العام تسجيل عجز في الميزانية بنحو 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى يزيد على ضعف التقدير السابق.

تداولات هادئة مع اقتراب العطلات

شهدت تداولات يوم الأربعاء نشاطًا محدودًا في أسواق النفط، في ظل غياب عدد كبير من المتعاملين مع اقتراب عطلة رأس السنة. ومن المقرر أن تُغلق معظم الأسواق المالية العالمية، بما في ذلك سوق النفط، يوم الخميس، ما يُنهي عامًا حافلًا بالتقلبات والتحديات لسوق الطاقة العالمية.

تم التحديث في: الأربعاء, 31 كانون الأول 2025 14:54
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول