النفط يهوي لأدنى مستوى في أسبوعين بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران

شهدت الأسواق العالمية للنفط تحركاً دراماتيكياً في الاتجاه الهابط صباح اليوم الثلاثاء، حيث تراجعت أسعار الخام بشكل حاد إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من أسبوعين.

 

ويأتي هذا التراجع في أعقاب الإعلان الرسمي من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار شامل بين الطرفين المتنازعين إسرائيل وإيران، ما أدى إلى تهدئة المخاوف من تصعيد عسكري أوسع نطاقاً في منطقة الشرق الأوسط التي تُعد شرياناً رئيسياً لإنتاج وتصدير النفط عالمياً.

 

وكانت أسعار النفط قد ارتفعت بشكل ملحوظ في وقت سابق على خلفية تصاعد التوترات الجيوسياسية، لا سيما بعد الضربات الأمريكية على منشآت نووية إيرانية، الأمر الذي أثار قلق الأسواق من إمكانية تعطيل حركة إمدادات الطاقة، خاصة عبر مضيق هرمز الاستراتيجي.

أداء أسعار النفط

بحلول الساعة 09:25 صباحاً بتوقيت تركيا، تراجعت عقود خام برنت لشهر أغسطس بنسبة 4.33% لتسجل 67.50 دولاراً للبرميل، في حين هبطت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بنسبة 4.55% لتصل إلى 65.40 دولاراً للبرميل.

 

ووفقاً لبيانات وكالة "رويترز"، فإن الأسعار سجلت أدنى مستوى لها منذ 9 يونيو/حزيران، لتتجاوز خسائر يوم واحد أكثر من 7%، في ظل انحسار المخاطر الجيوسياسية التي كانت تغذي ارتفاع الأسعار.

 

وقد جاءت هذه الخسائر استمراراً لحركة هبوطية حادة شهدتها الأسواق يوم الإثنين، إذ فقد النفط خلال جلسة واحدة نحو 8% من قيمته، بعد أيام قليلة من صعوده إلى أعلى مستوياته في خمسة أشهر بفعل تصاعد التوترات العسكرية في الشرق الأوسط.

اتفاق وقف إطلاق نار شامل يغير المعادلة

أعلن الرئيس ترامب أن إسرائيل وإيران وافقتا رسمياً على وقف شامل لإطلاق النار، يدخل حيز التنفيذ عند منتصف ليل الإثنين بتوقيت نيويورك.

 

ونشر ترامب البيان عبر منصته "تروث سوشال"، في خطوة جاءت بعد وساطة دولية مكثفة. كما صرّح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، بأن إيران ستلتزم بالوقف الفوري لإطلاق النار شريطة توقف الضربات الجوية الإسرائيلية.

 

وتشير المعلومات إلى أن الحرب، التي استمرت 12 يوماً، ستنتهي رسمياً خلال 24 ساعة، إذا ما التزمت الأطراف بجداول التنفيذ، ما يمهّد الطريق لمرحلة جديدة من الهدوء النسبي في المنطقة.

تراجع في الملاذات الآمنة والمضاربات الجيوسياسية

لم تكن خسائر النفط وحدها، بل شهد الذهب أيضاً تراجعاً ملحوظاً، مع انحسار الطلب على الملاذات الآمنة، وهو ما يعكس تحولاً جوهرياً في نظرة المستثمرين للمخاطر الإقليمية.

 

فعلى مدار الأسبوع الماضي، كانت الأسواق تتفاعل بعنف مع كل تطور عسكري، أما اليوم فتبدو أكثر ميلاً للتفاؤل، مما يقلص الحاجة إلى التحوط ويزيد من الضغوط على السلع التي استفادت من التوتر.

وصرّح كريس ويستون، رئيس الأبحاث في "بيبرستون غروب ليمتد"، قائلاً:

 

"المتعاملون باتوا يعتقدون بشكل واسع أن خطر حدوث صدمة إمدادات في المنطقة أصبح الآن من الماضي. لقد أُعيد تقييم المشهد الجيوسياسي، وأُزيل جزء كبير من التحوطات المرتبطة بالمخاطر القصوى".

مضيق هرمز ما زال مفتوحاً

في سابقة فريدة، لم تقدم إيران على إغلاق مضيق هرمز رغم الضربات الأميركية لمنشآتها النووية. فبينما كان يُخشى أن ترد طهران بقطع طرق الملاحة، خصوصاً في وجه ناقلات النفط، اقتصر ردها على ضرب قاعدة عسكرية أميركية في قطر، دون تسجيل أي إصابات، ما اعتبره مراقبون رداً محسوباً ضمن "أدنى مستويات التصعيد".

 

ويُذكر أن مضيق هرمز تمر عبره نحو ثلث صادرات النفط العالمية المنقولة بحراً، وإبقاؤه مفتوحاً يُعتبر إشارة طمأنة قوية للأسواق.

 

انخفض الفارق الفوري لخام برنت، وهو الفارق بين الأسعار الأقرب والأبعد استحقاقاً، إلى 89 سنتاً للبرميل في نمط "الـBackwardation"، بعد أن كان قد وصل إلى 1.77 دولاراً الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من أن هذا الفارق لا يزال يعكس منحىً صعودياً للأسعار على المدى القصير، إلا أن التراجع الملحوظ فيه يشير إلى تلاشي كبير في المخاوف المتعلقة بتعطل الإمدادات.

ترامب يضغط من أجل أسعار طاقة منخفضة

لم يُخفِ الرئيس الأميركي رغبته في انخفاض أسعار الطاقة، حيث دعا وزارة الطاقة الأميركية إلى زيادة الحفر والإنتاج، في محاولة لدعم الاقتصاد المحلي والحد من الضغوط التضخمية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات.

 

وفي مقابلة عبر قناة "فوكس نيوز"، أكد نائب الرئيس جي دي فانس أن الضربات الأميركية على إيران كانت فعّالة وأوقفت الطموحات النووية الإيرانية. ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي رفيع أن طهران وافقت على وقف إطلاق النار، وهو ما ساهم في استقرار الأسواق.

زيادة متوقعة في الإنتاج ومخاوف من تخمة في المعروض

على المدى القصير، يترقب المستثمرون نتائج اجتماع تحالف أوبك+ المقرر خلال الأيام المقبلة، وسط توقعات بأن يتم الاتفاق على زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يومياً.

 

وفي هذا الصدد، قال روبرت ريني، رئيس أبحاث السلع والكربون في "ويستباك بانكينغ كورب":

 

"في الربع الثالث من العام، نتوقع ارتفاعاً في المعروض العالمي من الخام، في الوقت الذي قد يتباطأ فيه الطلب مع دخول الصيف، ما قد يدفع المخزونات للارتفاع ويضع ضغوطاً هبوطية على الأسعار، لتختبر من جديد النطاق الذي يتراوح بين 60 و65 دولاراً للبرميل".

هل تؤثر الأسعار على قرارات البنوك المركزية؟

قد يساهم تراجع أسعار النفط في خفض الضغوط التضخمية العالمية، ما يمنح البنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مزيداً من المرونة في اتخاذ قرارات تيسيرية. وقد لمح عدد من مسؤولي الفيدرالي، مثل كريستوفر والر وميشيل بومان، إلى إمكانية دعمهم لخفض أسعار الفائدة في اجتماع يوليو المقبل، إذا واصل التضخم تراجعه.

 

ختاماً: الأسواق تترقب البيانات الأميركية وآفاق الهدنة

ينتظر المستثمرون حالياً صدور تقرير معهد البترول الأميركي حول مخزونات النفط، والذي سيتبعه التقرير الرسمي من إدارة معلومات الطاقة الأميركية يوم الأربعاء. وستحدد هذه البيانات، إلى جانب مدى الالتزام الفعلي بوقف إطلاق النار، ما إذا كان الانخفاض في أسعار النفط سيتواصل، أم أن الأسواق ستعيد التسعير مجدداً بناءً على المستجدات.

 

ويبدو أن الأشهر القادمة ستحمل كثيراً من المفاجآت، سواء في السياسة أو الاقتصاد، في وقت لا تزال فيه الأسواق تتأرجح بين التفاؤل الحذر والتخوف من انتكاسات محتملة في الشرق الأوسط.

تم التحديث في: الثلاثاء, 24 حزيران 2025 09:34
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول