تراجع أسعار النفط وسط مراقبة الصراع الروسي–الأوكراني وتطورات السياسة الأميركية
شهدت أسواق الطاقة والمال العالمية يوم الثلاثاء تراجعاً ملحوظاً في أسعار النفط، بعد أن كانت قد حققت مكاسب قوية في الجلسة السابقة بلغت نحو 2%.
ويأتي هذا التراجع في ظل ترقب المتعاملين عن كثب لتطورات الصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا، وانعكاساته المحتملة على إمدادات الطاقة، إضافة إلى التوترات السياسية والاقتصادية العالمية التي تضيف مزيداً من الضبابية إلى المشهد.
كما امتد تأثير هذه التطورات إلى أسواق العملات والأسهم والذهب، في وقتٍ تتزايد فيه التوقعات بشأن توجه البنوك المركزية الكبرى نحو خفض أسعار الفائدة.
تراجع أسعار النفط بعد مكاسب قوية
انخفضت أسعار النفط في تعاملات الثلاثاء بعد أن قفزت بنحو 2% في جلسة الاثنين، مدفوعة بالمخاوف المتعلقة بتعطل الإمدادات النفطية إثر استهداف أوكرانيا منشآت طاقة روسية.
-
تراجعت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 16 سنتاً أو ما يعادل 0.23% لتسجل 68.64 دولار للبرميل بحلول الساعة 00:05 بتوقيت غرينتش.
-
كما هبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي بمقدار 16 سنتاً أو ما نسبته 0.25% لتبلغ 64.64 دولار للبرميل.
وكان الخامان قد صعدا يوم الاثنين إلى أعلى مستوياتهما في أكثر من أسبوعين، حيث تجاوزت عقود خام غرب تكساس متوسطها المتحرك لمئة يوم، في إشارة فنية تعكس قوة الدفع الصعودي الذي شهدته السوق قبل أن تعود للانحسار.
توقعات المحللين ومستويات المقاومة الفنية
أشار محللون لدى شركة IG في مذكرة بحثية إلى أن المخاطر المتعلقة بأسعار النفط تميل نحو مواصلة الارتفاع، خاصة إذا تمكنت الأسعار من الاستقرار فوق مستوى المقاومة البالغ ما بين 64 و65 دولاراً للبرميل. هذه التوقعات تؤكد أن حركة السوق لا تزال محكومة بعوامل فنية من جهة، وبالتقلبات الجيوسياسية من جهة أخرى.
وفي مذكرة أخرى للعملاء، أوضح بنك باركليز أن أسعار الخام ما زالت تتحرك في نطاق ضيق نسبياً، متأثرة بعاملين أساسيين:
-
التقلبات الجيوسياسية المرتبطة بالصراع الروسي–الأوكراني.
-
أساسيات السوق المتماسكة، حيث يظل الطلب مستقراً نسبياً، في حين يتأثر العرض بالمخاطر المحيطة بالإمدادات الروسية.
دور الصراع الروسي–الأوكراني في تحريك السوق
جاء صعود أسعار النفط في بداية الأسبوع مدفوعاً بمخاوف من تعطل الإمدادات بعد أن استهدفت أوكرانيا منشآت للطاقة داخل روسيا، وهو ما أدى إلى تعطيل عمليات معالجة النفط وتصديره، بل وتسبب في نقص البنزين ببعض المناطق الروسية.
الهجمات الأوكرانية جاءت كرد مباشر على تقدم القوات الروسية في الخطوط الأمامية واستمرار قصفها للبنية التحتية الأوكرانية من منشآت الغاز والكهرباء، مما زاد حدة الصراع وألقى بظلاله على أسواق الطاقة العالمية.
إلى جانب ذلك، زادت المخاوف مع توقعات بفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على قطاع النفط الروسي، في خطوة تهدف إلى زيادة الضغط على موسكو لإجبارها على التفاوض بشأن تسوية سياسية. وقد زاد هذا الاحتمال من هشاشة السوق وجعل المتعاملين أكثر حذراً في قراراتهم الاستثمارية.
موقف الإدارة الأميركية والتصعيد السياسي
لوّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجدداً بفرض عقوبات على روسيا في حال لم يتحقق تقدّم ملموس في المفاوضات نحو اتفاق سلام مع أوكرانيا خلال الأسبوعين المقبلين. ويُنظر إلى هذه التصريحات على أنها رسالة ضغط إضافية على موسكو، لكنها في الوقت نفسه تزيد من احتمالات حدوث توترات أوسع في سوق الطاقة العالمية، لا سيما إذا استهدفت العقوبات قطاع النفط الروسي بشكل مباشر.
بيانات المخزونات الأميركية المرتقبة
في الوقت ذاته، يترقب المتعاملون صدور بيانات معهد البترول الأميركي (API) في وقت لاحق اليوم بشأن المخزونات الأميركية. وتشير التوقعات إلى:
-
تراجع مخزونات النفط الخام.
-
انخفاض مخزونات البنزين.
-
مقابل احتمال ارتفاع مخزونات نواتج التقطير.
هذه البيانات سيكون لها دور محوري في توجيه حركة أسعار النفط خلال الأيام المقبلة، إذ تعكس بشكل مباشر وضعية العرض والطلب في أكبر اقتصاد مستهلك للطاقة في العالم.
ارتدادات عالمية: الدولار، الأسهم، الذهب، والفائدة
لم يقتصر المشهد على النفط وحده، بل امتد ليشمل أسواق المال العالمية. فقد قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإقالة ليزا كوك، عضوة مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، بدعوى مخالفات في الحصول على قروض عقارية. هذا القرار المفاجئ كانت له تداعيات واسعة على الأسواق:
-
هبط مؤشر الدولار الأميركي.
-
تراجع مؤشر نيكاي الياباني إلى أدنى مستوى له في أسبوعين.
-
انخفضت عوائد سندات الخزانة الأميركية قصيرة الأجل.
-
في المقابل، عزز الذهب مكاسبه باعتباره ملاذاً آمناً للمستثمرين وسط هذه الاضطرابات.
توقعات خفض أسعار الفائدة
على صعيد السياسة النقدية، تتوقع مؤسسات مالية كبرى مثل باركليز وبي إن بي باريبا ودويتشه بنك أن يقدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس الشهر المقبل.
وبحسب أداة فيد ووتش التابعة لمجموعة CME، فإن المتعاملين يسعّرون احتمالات هذا الخفض بنسبة تصل إلى 84%، ما يعكس ثقة الأسواق في أن التوجه نحو التيسير النقدي بات أقرب من أي وقت مضى، في ظل تباطؤ النمو العالمي وارتفاع المخاطر الجيوسياسية.
خلاصة
المشهد الحالي في الأسواق العالمية يجمع بين عوامل معقدة:
-
النفط يتأرجح بين دعم المخاطر الجيوسياسية وضغط أساسيات العرض والطلب.
-
السياسة الأميركية تضيف مزيداً من الضبابية عبر التهديد بعقوبات جديدة على روسيا وإقالة مسؤول بارز في الفيدرالي.
-
الذهب والدولار يشهدان تحركات متقابلة، حيث تراجع الدولار مقابل صعود الذهب.
-
توقعات الفائدة تزيد من حدة الترقب في الأسواق المالية.
وفي ظل هذه التطورات، تبدو الأسواق أمام مرحلة حساسة تتسم بارتفاع درجة المخاطر، ما يدفع المتعاملين إلى مراقبة كل تفصيل جديد سواء على صعيد الجغرافيا السياسية أو على مستوى السياسات الاقتصادية والنقدية.