حاكم مصرف سوريا المركزي يعلن عن خطة شاملة لإعادة تنظيم سوق الذهب واستيراده وتصديره
في خطوة نوعية تعكس التوجه نحو إصلاح المنظومة الاقتصادية وتعزيز أحد أهم القطاعات الحيوية في البلاد، أعلن حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور عبد القادر الحصرية عن بدء العمل على إعادة النظر في نظام استيراد وتصدير الذهب، وتعديل القانون رقم 34 لعام 2023، بالتنسيق مع الجهات الرسمية وهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك في إطار استراتيجية شاملة لتطوير قطاع المعادن الثمينة في سورية.
تهدف هذه الخطوة إلى تحرير تجارة الذهب بشكل منظم ومدروس، وإنشاء سوق وطنية شفافة لتداول المعدن النفيس، مع إطلاق نظام ترخيص خاص بالمصافي الوطنية يضمن الالتزام بالمعايير الدولية الفنية والبيئية، ويعزز من ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بهذا القطاع.
تفاصيل الخطة: نحو تنظيم شامل لقطاع الذهب
أكد الدكتور الحصرية أن مصرف سورية المركزي قرر إعادة هيكلة نظام استيراد وتصدير الذهب بما يتيح حرية أكبر في التعامل التجاري، لكن ضمن إطار من الرقابة القانونية والشفافية المالية.
وتتضمن الخطة وضع نظام لترخيص مصافي الذهب الوطنية، بحيث تُمنح التراخيص وفق ضوابط محددة تشمل الالتزام بالمعايير الفنية، والتدقيق البيئي، والامتثال لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
كما أشار الحصرية إلى أن المصرف المركزي سيشرف بشكل مباشر على تطبيق هذه الخطة من خلال سجل وطني إلكتروني لتتبع الذهب، يتيح تتبع حركة المعدن من لحظة استيراده أو إنتاجه وحتى تصديره، مما يضمن الشفافية والمساءلة في جميع مراحل سلسلة الإمداد.
أهداف السياسة الجديدة لمصرف سورية المركزي
تقوم سياسة المصرف على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي تمثل حجر الزاوية في تطوير قطاع الذهب، ومن أبرزها:
-
دعم الإنتاج الوطني وتشجيع الاستثمار في قطاع الذهب والمجوهرات عبر توفير بيئة قانونية واقتصادية محفزة.
-
إنشاء سوق منظّمة وشفافة لتجارة الذهب داخل سورية بما يحدّ من التهريب والمضاربة، ويعيد الثقة للمستهلكين والتجار على حد سواء.
-
ترخيص مصافي وطنية للذهب تعمل وفق المعايير الفنية والبيئية الدولية، بما يضمن جودة الإنتاج والتوافق مع الأسواق العالمية.
-
تعزيز النزاهة المالية من خلال الامتثال الصارم لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ما يرفع من مصداقية النظام المالي السوري.
-
تحويل سورية إلى مركز إقليمي لصناعة الذهب والمجوهرات وربطها بالأسواق المجاورة في الشرق الأوسط وآسيا.
-
تعزيز السمعة التقليدية لسورية كبلد عُرف تاريخياً بمهارة حرفييها في صياغة الذهب والمجوهرات عالية الجودة.
-
خلق فرص عمل جديدة في قطاع حرفي مهم يسهم في تنمية الاقتصاد المحلي وتطوير الكفاءات الوطنية.
الذهب السوري بين التاريخ والمستقبل
يُعتبر الذهب جزءاً من الهوية الاقتصادية والثقافية السورية؛ فصناعة الذهب والمجوهرات في دمشق وحلب وحمص تمتلك إرثاً يمتد لعقود طويلة، ويُعرف الصائغ السوري عالميًا بدقته العالية وفنه الرفيع في التصميم والصياغة.
إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً في الإنتاج والتصدير بسبب القيود القانونية وارتفاع تكاليف التوريد والتهريب، ما أدى إلى انكماش دور هذا القطاع الحيوي.
وبإعادة النظر في نظام الاستيراد والتصدير وترخيص المصافي، يعيد المصرف المركزي الأمل بإحياء الحرفة الذهبية السورية، وتحويلها من صناعة محلية إلى قطاع اقتصادي تصديري قوي يدر عملة صعبة ويدعم ميزان المدفوعات الوطني.
الأثر الاقتصادي المتوقع على المدى المتوسط والطويل
من المتوقع أن يؤدي تنفيذ هذه السياسة الجديدة إلى نتائج إيجابية متعددة على الاقتصاد السوري، تشمل:
أولاً: دعم النمو الصناعي والاستثماري
إن تحرير استيراد وتصدير الذهب سيخلق فرصًا أكبر للشركات والمستثمرين للدخول في السوق، ما يؤدي إلى زيادة عدد الورش والمصانع المرخصة، ويعزز من القيمة المضافة المحلية عبر عمليات الصياغة والتكرير.
ثانيًا: تعزيز الإيرادات العامة
من خلال تنظيم عمليات الاستيراد والتصدير والتكرير عبر السجل الإلكتروني، يمكن للدولة أن تستعيد جزءًا كبيرًا من الإيرادات الضائعة بسبب التهريب، وهو ما يسهم في تحسين موارد الخزينة العامة.
ثالثًا: استقرار سوق الصرف والحد من المضاربة
وجود سوق منظّم للذهب تحت إشراف المصرف المركزي سيؤدي إلى تقليص الطلب غير الشرعي على الدولار، وبالتالي دعم استقرار سعر الصرف والحد من التقلبات في سوق القطع الأجنبي.
رابعًا: تحسين صورة الاقتصاد السوري خارجيًا
إن الامتثال لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يعزز من سمعة النظام المالي السوري أمام المؤسسات الدولية، ويفتح الباب أمام تعاون أوسع مع الأسواق الخارجية في تجارة المعادن الثمينة.
خامسًا: تطوير المهارات الوطنية
من خلال إنشاء مصافي وطنية معترف بها دولياً، سيُتاح تدريب كوادر محلية على أحدث تقنيات تكرير وصياغة الذهب، ما يرفع من كفاءة الحرفيين ويخلق وظائف نوعية مستدامة.
البعد التشريعي والتنظيمي: تعديل القانون 34 لعام 2023
يُعد تعديل القانون رقم 34 لعام 2023 خطوة محورية في هذا المشروع، إذ يهدف إلى مواءمة الإطار القانوني مع التطورات الاقتصادية، وإزالة العوائق التي كانت تحد من حركة الذهب عبر الحدود.
ويأتي ذلك بالتوازي مع تطوير لوائح الترخيص والمراقبة بما يضمن مرونة العمل التجاري وحماية الاقتصاد الوطني من أي ممارسات غير مشروعة.
الإشراف والرقابة: سجل إلكتروني وشفافية كاملة
سيقوم مصرف سورية المركزي بإنشاء سجل وطني إلكتروني لتتبع الذهب، يضم جميع مراحل الإنتاج والاستيراد والتكرير والتصدير.
وسيتضمن النظام الجديد أدوات رقمية تتيح التحقق الفوري من مصادر الذهب وكمياته وحركته، مما يقلل من فرص التهريب ويعزز الثقة بين الدولة والمستثمرين والمستهلكين.
كما سيُنشأ نظام ترخيص خاص بالمصافي يحدد المعايير الفنية والبيئية والمالية، ويُشرف على عملياتها بشكل مباشر لضمان الالتزام بالمعايير الدولية.
سورية كمركز إقليمي لصناعة الذهب
من شأن هذه الإصلاحات أن تضع سورية على خريطة صناعة الذهب الإقليمية إلى جانب دول مثل الإمارات وتركيا، وذلك من خلال تحويل الحرفة التقليدية إلى صناعة تصديرية متقدمة قادرة على المنافسة في الأسواق الخارجية.
ويُنتظر أن تؤدي هذه الخطوة إلى تنشيط العلاقات التجارية الإقليمية وفتح قنوات تصدير جديدة نحو أسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
خاتمة: خطوة استراتيجية في مسار التعافي الاقتصادي
تمثل خطة مصرف سورية المركزي منعطفًا استراتيجيًا في مسيرة الاقتصاد السوري، إذ تجمع بين تنظيم السوق، ومحاربة الفساد، وتشجيع الإنتاج الوطني في آنٍ واحد.
وبتحرير تجارة الذهب ووضع نظام ترخيص للمصافي الوطنية، تُفتح آفاق جديدة أمام المستثمرين والحرفيين السوريين، وتُعزز موارد الدولة، وتُسهم في بناء اقتصاد وطني قوي ومستدام يرتكز على الشفافية والمنافسة العادلة.