أسعار الفضة تسجل مستوى قياسيًا جديدًا مدفوعة بتزايد الإقبال على الملاذات الآمنة
شهدت أسعار الفضة العالمية ارتفاعًا استثنائيًا خلال تعاملات يوم الأربعاء، لتسجل مستوى قياسيًا جديدًا، مدفوعة بتزايد الإقبال على الملاذات الآمنة في ظل تصاعد المخاوف المتعلقة بأداء الاقتصاد الأمريكي وآفاق السياسة النقدية خلال المرحلة المقبلة.
ويأتي هذا الصعود القوي في وقت تتزايد فيه مؤشرات تباطؤ سوق العمل الأمريكي، ما أعاد إلى الواجهة توقعات خفض إضافي لأسعار الفائدة، وعزز من جاذبية المعادن النفيسة وعلى رأسها الفضة.
الفضة عند أعلى مستوى في تاريخها
ارتفعت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 3.9% لتصل إلى 66.28 دولار للأوقية، بعدما لامست خلال الجلسة نفسها مستوى قياسيًا جديدًا عند 66.52 دولار، متجاوزة للمرة الأولى في تاريخها حاجز 66 دولارًا للأوقية ويعكس هذا الأداء القوي حالة من الزخم الاستثماري الكبير في سوق الفضة، مدعومًا بعوامل اقتصادية ومالية وصناعية متداخلة.
وجاء هذا الارتفاع اللافت بعد صدور بيانات الوظائف الأمريكية التي أظهرت علامات واضحة على ضعف سوق العمل، ما عزز التوقعات باتجاه الاحتياطي الفيدرالي إلى اتباع سياسة نقدية أكثر تيسيرًا خلال العام المقبل وتُعد هذه البيئة مواتية بشكل تقليدي للمعادن التي لا تدر عائدًا، مثل الذهب والفضة، إذ يقل فيها العبء البديل لحيازة هذه الأصول.
وفي هذا السياق، أوضح كونال شاه، رئيس قسم الأبحاث في شركة «نيرمال بانغ» للسلع في مومباي، أن سوق الفضة تمر حاليًا بحالة ضغط حاد على مراكز البيع، في ظل نقص الاستجابة المتوقعة من جانب المعروض.
وأشار شاه إلى أن إدراج الولايات المتحدة للفضة ضمن قائمة المعادن الحيوية لم ينعكس حتى الآن على زيادة الإمدادات، ما زاد من اختلال التوازن بين العرض والطلب.
وأضاف شاه أن أي دولة تخطط للتوسع بقوة في مجالات مراكز البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي ستحتاج إلى كميات متزايدة من الفضة، نظرًا لدورها المحوري في الصناعات الإلكترونية والطاقة المتجددة.
ولفت إلى أن الاتجاهات الحالية في السوق قد تدفع أسعار الفضة إلى اختبار مستوى 70 دولارًا للأوقية على المدى القريب، إذا استمرت عوامل الدعم الحالية دون تغيير.
ولم تقتصر مكاسب يوم الأربعاء على الفضة وحدها، إذ سجلت المعادن النفيسة الأخرى، وعلى رأسها الذهب والبلاتين، ارتفاعات ملحوظة. غير أن الفضة حافظت على أدائها المتفوق مقارنة ببقية المعادن، مستفيدة من مجموعة واسعة من الإشارات الإيجابية الخاصة بها، سواء من حيث الطلب الصناعي أو الاستثماري.
وتتموضع الأسواق حاليًا على سيناريو محتمل لعجز في إمدادات الفضة بحلول عام 2026، في ظل نمو الطلب العالمي على المعدن الأبيض، لا سيما بعد تصنيفه كمعدن حيوي من قبل الحكومة الأمريكية في وقت سابق من هذا العام. وقد ساهم هذا التصنيف في زيادة جاذبية الفضة لدى المستثمرين والمؤسسات، باعتبارها أصلًا استراتيجيًا في سلاسل التوريد المستقبلية.
كما عزز المتداولون الباحثون عن الملاذات الآمنة مراكزهم في الفضة، نظرًا لما يوفره المعدن من استقرار قريب من الذهب، ولكن بتكلفة دخول أقل بكثير. وقد دعمت هذه المعادلة أسعار الفضة بشكل كبير خلال عام 2025، حيث ارتفع المعدن بأكثر من 100% منذ بداية العام، في أداء يُعد من الأقوى بين السلع العالمية.
وتزايد الطلب على الأصول الآمنة بعد صدور مجموعة مختلطة من البيانات الاقتصادية الأمريكية يوم الثلاثاء، وعلى وجه الخصوص بيانات الوظائف غير الزراعية وارتفاع معدل البطالة. ويتركز اهتمام المستثمرين حاليًا على بيانات مؤشر أسعار المستهلكين المرتقبة، والتي من شأنها تقديم إشارات أوضح حول مسار التضخم في أكبر اقتصاد في العالم.
بيانات سوق العمل الأمريكي تعيد إشعال رهانات خفض الفائدة
وجاء هذا الصعود القوي أيضًا عقب إعلان مكتب إحصاءات العمل الأمريكي أن الوظائف غير الزراعية سجلت نموًا طفيفًا يفوق التوقعات خلال شهر نوفمبر، بالتزامن مع ارتفاع معدلات البطالة. وصدرت هذه البيانات متأخرة بسبب إغلاق حكومي سابق، ما زاد من حساسية الأسواق تجاه نتائجها.
وبحسب التقرير، أضاف الاقتصاد الأمريكي 64 ألف وظيفة في القطاعات غير الزراعية خلال نوفمبر، متجاوزًا توقعات الاقتصاديين التي كانت تشير إلى إضافة نحو 40 ألف وظيفة فقط. في المقابل، ارتفع معدل البطالة إلى 4.6% خلال نوفمبر، مقارنة بـ 4.4% في سبتمبر، وذلك بعد إلغاء تقرير أكتوبر.
إلى جانب ذلك، نشر مكتب إحصاءات العمل إحصاءً مختصرًا لشهر أكتوبر أظهر انخفاضًا في عدد الوظائف بمقدار 105 آلاف وظيفة. ورغم عدم وجود تقدير رسمي سابق، إلا أن خبراء الاقتصاد كانوا يتوقعون تراجعًا في التوظيف بعد الزيادة المفاجئة التي بلغت 119 ألف وظيفة في سبتمبر، ما عزز المخاوف بشأن استدامة زخم سوق العمل.
من جانبه، أشار براين لان، المدير الإداري لشركة «غولد سيلفر سنترال»، إلى أن بيانات البطالة قدمت دعمًا مباشرًا للمعادن النفيسة، وأسهمت في إضعاف الدولار الأمريكي. وأوضح أن هذا الوضع دفع المستثمرين إلى البحث عن فئات أصول بديلة قادرة على تحقيق عوائد أفضل، وتوفير أدوات تحوط فعالة في مواجهة تصاعد المخاطر الاقتصادية.
ترقب بيانات التضخم ومسار الفائدة الأمريكية
تتجه أنظار المستثمرين الآن إلى بيانات مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة، والمقرر صدورها يوم الخميس، يعقبها مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي يوم الجمعة، وهو المقياس المفضل للتضخم لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي. ومن المتوقع أن تلعب هذه البيانات دورًا محوريًا في تحديد توقعات الأسواق بشأن مسار السياسة النقدية خلال الفترة المقبلة.
وكان الاحتياطي الفيدرالي قد نفذ الأسبوع الماضي ثالث وآخر خفض لأسعار الفائدة خلال العام الجاري بمقدار 0.25 نقطة مئوية. وقد فُسرت تصريحات رئيسه جيروم باول المصاحبة للقرار على أنها أقل تشددًا من المتوقع، ما عزز رهانات الأسواق على مزيد من التيسير النقدي.
ولا يزال المتعاملون يتوقعون تنفيذ خفضين إضافيين للفائدة بواقع 0.25 نقطة مئوية لكل منهما خلال عام 2026. وتُعد هذه البيئة داعمة بشكل تقليدي للأصول التي لا تدر عائدًا، مثل الذهب والفضة، خاصة في ظل تراجع العوائد الحقيقية وازدياد حالة عدم اليقين الاقتصادي.
التحليل الفني للفضة
وفقًا لآراء عدد من المحللين الفنيين في المؤسسات العالمية، فإن اختراق الفضة لمستوى 65 دولارًا للأوقية يؤكد دخول المعدن في موجة صعود قوية مدعومة بزخم شرائي مرتفع. وتشير المؤشرات الفنية، مثل متوسطات الحركة ومؤشر القوة النسبية (RSI)، إلى حالة تشبع شرائي نسبي، لكنها لا تزال ضمن نطاق صحي طالما استقرت الأسعار فوق مستويات الدعم الجديدة عند 63–64 دولارًا.
ويرى محللو وكالات دولية أن الحفاظ على التداول أعلى هذه المستويات قد يفتح المجال لاختبار منطقة 68–70 دولارًا على المدى القريب، في حين يُعد أي تراجع تصحيحي محدود فرصة لإعادة بناء المراكز الشرائية طالما بقي الاتجاه العام صاعدًا.