الفضة تحافظ على مكاسبها قرب مستويات تاريخية وسط اختناقات هيكلية في المعروض

واصلت أسعار الفضة الحفاظ على مستويات مرتفعة تاريخياً خلال تعاملات يوم الاثنين، رغم تعرضها لضغوط تصحيحية محدودة، في ظل بيئة استثمارية معقدة تجمع بين اختلالات هيكلية في جانب المعروض، وتصاعد غير مسبوق في الطلب الصناعي والاستثماري، إلى جانب تحولات جيوسياسية ونقدية كبرى.

 

وسجل سعر الفضة الفوري ارتفاعاً بنحو 0.7% ليصل إلى 79.68 دولاراً للأونصة، بعد أن تراجع من أعلى مستوى تاريخي له عند 83.62 دولاراً للأونصة في وقت سابق من الجلسة، في حركة تعكس عمليات جني أرباح طبيعية بعد موجة صعود حادة، دون أن تغير من الصورة العامة الصعودية للسوق.

أداء استثنائي منذ بداية العام يتجاوز الذهب

منذ بداية العام الجاري، حققت الفضة قفزة سعرية هائلة بلغت نحو 181%، متجاوزةً أداء الذهب بشكل واضح، في انعكاس لتحول هيكلي في تقييم المعدن داخل الأسواق العالمية. وجاء هذا الأداء مدفوعاً بعدة عوامل جوهرية، في مقدمتها:

  • تصنيف الفضة معدناً استراتيجياً وحيوياً في الولايات المتحدة

  • تراجع الإمدادات العالمية بشكل حاد

  • انخفاض المخزونات إلى مستويات تاريخية متدنية

  • ارتفاع الطلب الصناعي، لا سيما في قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا

  • قوة التدفقات الاستثمارية الباحثة عن التحوط من التضخم واضطرابات الأسواق

وفي المقابل، واصل الذهب تسجيل مكاسب استثنائية خلال عام 2025، مرتفعاً بنحو 72% حتى الآن، بعد أن نجح في تحطيم سلسلة متواصلة من المستويات القياسية، مدعوماً بتوقعات خفض الفائدة وتراجع الثقة بالعملات الورقية في بيئة عالمية تتسم بعدم اليقين.

ضغوط تصحيحية بفعل جني الأرباح وتراجع المخاطر الجيوسياسية

قال تيم ووترر، كبير محللي الأسواق في شركة «كي سي إم تريد»، إن التراجع الأخير في أسعار الذهب والفضة جاء نتيجة مزيج من عمليات جني الأرباح قصيرة الأجل، إلى جانب تقدم المحادثات السياسية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام.

 

وأوضح ووترر أن هذه التطورات السياسية أسهمت في تهدئة المخاوف الجيوسياسية مؤقتاً، ما انعكس على انخفاض الطلب على الأصول الآمنة، دون أن يعني ذلك انتهاء الاتجاه الصعودي طويل الأجل، مشيراً إلى أن الضغوط الحالية تندرج ضمن إطار تصحيحات صحية في مسار صاعد أوسع.

آفاق مستقبلية: الذهب نحو 5000 دولار والفضة إلى 100 دولار

أشار ووترر إلى أن وصول الذهب إلى مستوى 5000 دولار للأونصة خلال العام المقبل يُعد هدفاً واقعياً وقابلاً للتحقق، في حال اتجه رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي المقبل إلى سياسة نقدية أكثر ميلاً للتيسير.

 

وأضاف أن خفض أسعار الفائدة، واستمرار الطلب الصناعي القوي، إلى جانب النقص المزمن في المعروض، قد يدفع أسعار الفضة إلى مستوى 100 دولار للأونصة خلال عام 2026، وهو سيناريو بات يحظى بقبول متزايد بين المؤسسات الاستثمارية الكبرى.

تراجع جماعي للمعادن النفيسة رغم بقاء الاتجاه العام داعماً

شهدت المعادن النفيسة تراجعاً جماعياً خلال تعاملات يوم الاثنين، في ظل تهدئة مؤقتة لموجة الإقبال على الملاذات الآمنة:

  • الذهب الفوري انخفض بنسبة 0.4% إلى 4512.30 دولاراً للأونصة بحلول الساعة 04:26 بتوقيت غرينتش، بعد أن لامس مستوى قياسياً بلغ 4549.71 دولاراً يوم الجمعة.

  • العقود الأميركية الآجلة للذهب تسليم فبراير تراجعت بنسبة 0.4% إلى 4535.10 دولاراً للأونصة.

  • البلاتين انخفض بنسبة 1.5% إلى 2421.35 دولاراً للأونصة بعد تسجيله مستوى قياسياً عند 2478.50 دولاراً.

  • البلاديوم تكبد خسائر حادة بلغت 6% ليصل إلى 1807.59 دولاراً للأونصة، في انعكاس لضغوط تصحيحية بعد مكاسب قوية.

السياسة النقدية الأميركية تظل داعماً رئيسياً للمعادن

لا تزال الأسواق العالمية تتوقع خفضين في أسعار الفائدة الأميركية خلال العام المقبل، مع ترقب صدور محضر اجتماع ديسمبر لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بحثاً عن إشارات أوضح حول مسار السياسة النقدية.

 

وتُعد بيئة انخفاض الفائدة عاملاً داعماً للأصول غير المدرة للعائد، وعلى رأسها الذهب والفضة، نظراً لانخفاض تكلفة الفرصة البديلة، ما يعزز جاذبيتها كأدوات تحوط واستثمار طويل الأجل.

الصين تشعل فتيل أزمة محتملة في سوق الفضة العالمي

ابتداءً من 1 يناير/كانون الثاني 2026، تبدأ الصين تنفيذ قرارات جديدة تُخضع صادرات الفضة لنظام تراخيص صارم يمنح الأولوية للشركات الكبيرة والمعتمدة من الدولة، والتي يبلغ حدها الأدنى من الإنتاج 80 طناً.

 

وبموجب هذه القرارات:

  • تُقيَّد صادرات الشركات الصغيرة والمتوسطة

  • تُفرض شروط ترخيص أكثر صرامة

  • ينتهي عملياً عصر التصدير الحر للفضة الصينية

وتأتي هذه الخطوة في وقت تُعد فيه الصين ثاني أكبر منتج عالمي للفضة بعد المكسيك، بإنتاج بلغ 110.1 مليون أونصة في 2024.

عجز هيكلي ممتد ومخزونات تاريخياً منخفضة

يعاني سوق الفضة العالمي عجزاً هيكلياً للعام الخامس على التوالي، إذ بلغ الطلب العالمي في 2025 نحو 1.15 مليار أونصة، مقابل معروض لم يتجاوز 1.03 مليار أونصة، وفق بيانات معهد الفضة.

 

كما أظهرت بيانات حديثة أن المخزونات في المستودعات المرتبطة ببورصة شنغهاي للعقود الآجلة تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2015، ما فاقم المخاوف من حدوث أزمة حقيقية في الإمدادات.

تحذيرات من إعادة تسعير حادة واضطراب في سلاسل الإمداد

قال تشارلز هنري مونشو، رئيس قسم الاستثمار في شركة SYZ السويسرية، إن الفضة تدخل حالياً مرحلة اختناق تاريخي غير مسبوق، في ظل تحول هيكلي عميق عقب قرار الصين.

 

من جهته، حذر دانيال فيغاريو، المدير المالي التنفيذي والمستثمر في المعادن الثمينة، من أن السوق قد يشهد إعادة تسعير كبيرة قد تتراوح بين 100 و500 دولار للأونصة في أسوأ السيناريوهات، ما قد يؤدي إلى اضطرابات واسعة في سلاسل الإمداد العالمية.

 

أشار فيغاريو إلى أن كل أونصة فضة فعلية يقابلها حالياً نحو 356 عقداً ورقياً، محذراً من أن طلب 1% فقط من حاملي هذه العقود التسليم الفعلي قد يؤدي إلى انهيار كامل في السوق.

الفضة: العمود الفقري للصناعات العالمية والتحول الأخضر

تُعد الفضة مكوناً أساسياً في أكثر من 10 آلاف استخدام صناعي، وتدخل بشكل مباشر في:

  • الألواح الشمسية

  • السيارات الكهربائية

  • الإلكترونيات المتقدمة

  • تقنيات التحول الأخضر

وفي هذا السياق، علّق الملياردير الأميركي إيلون ماسك على قرار الصين قائلاً:
«هذا ليس جيداً.. الفضة ضرورية في العديد من العمليات الصناعية».

 

وبحسب بيانات معهد الفضة، يشكل الطلب الصناعي نحو 60% من إجمالي الطلب العالمي في 2025، ما يجعل أي اختلال في الإمدادات عاملاً ذا تأثير عميق على الاقتصاد العالمي.

تم التحديث في: الاثنين, 29 كانون الأول 2025 16:28
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول