- الرئيسية
- الأخبار
- أخبار الاقتصاد السوري
- ما الذي تعنيه عودة نظام "سويفت" للاقتصاد السوري؟ تحليل موسّع للتأثيرات الاقتصادية والسياسية
ما الذي تعنيه عودة نظام "سويفت" للاقتصاد السوري؟ تحليل موسّع للتأثيرات الاقتصادية والسياسية

في تحوّل مفصلي يعكس بداية حقبة جديدة في السياسة المالية والاقتصادية لسوريا، أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أن بلاده بدأت خطوات عملية لإعادة تفعيل نظام التحويلات المالية العالمي "سويفت".
وتأتي هذه الخطوة بالتزامن مع رفع العقوبات الغربية عن سوريا، في سياق يُبشّر بإمكانية عودة القطاع المصرفي السوري إلى الواجهة الدولية. هذا الإعلان لا يُمثل فقط قرارًا تقنيًا ماليًا، بل يحمل في طياته تحولات استراتيجية كبرى في بنية الاقتصاد السوري، ومسار اندماجه من جديد في النظام المالي العالمي.
تفعيل نظام "سويفت" في سوريا
في تصريح رسمي يعكس تطلعات الدولة لإعادة بناء البنية التحتية المالية على أسس دولية، صرّح عبد القادر حصرية، حاكم مصرف سوريا المركزي، بأن المصرف بدأ فعليًا بالتحضيرات اللوجستية والفنية لإعادة تفعيل نظام "سويفت"، وهو ما يمثل نقلة نوعية باتجاه إعادة ربط سوريا بالنظام المالي العالمي، بعد سنوات من العزلة الاقتصادية نتيجة العقوبات الغربية التي فُرضت على دمشق منذ عام 2011.
وأكد حصرية، في مقابلة تلفزيونية بثتها وسائل الإعلام الرسمية، أن هذه الخطوة تندرج ضمن خطة شاملة لإعادة دمج القطاع المصرفي السوري في المنظومة الاقتصادية العالمية، بما يعكس نية الحكومة في إعادة هيكلة القطاع المالي وتحسين مستوى الشفافية والمصداقية في التعاملات المالية، خاصة مع الجهات الأجنبية.
وأشار إلى أن هناك اهتمامًا دوليًا متزايدًا بعودة النشاط المالي إلى سوريا، تجلّى في إبداء أكثر من 50 بنكًا عربيًا ودوليًا رغبتهم في فتح فروع لهم داخل البلاد، ما يشير إلى بداية استعادة الثقة الدولية في البيئة الاقتصادية السورية.
"سويفت" والاقتصاد السوري
نظام "سويفت" (SWIFT - Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication) يُعد البنية التحتية الأساسية للتواصل بين البنوك والمؤسسات المالية في العالم.
وبحسب محللين اقتصاديين، فإن إعادة تفعيله في سوريا لا تعني مجرد قدرة المصارف على تنفيذ التحويلات الخارجية، بل تمثل خطوة محورية لإعادة الثقة في الاقتصاد الوطني، وفتح قنوات تمويل واستثمار كانت مغلقة لعقد من الزمن.
أبرز ما يوفره نظام "سويفت" لسوريا في حال عودته الكاملة:
-
تسهيل التحويلات المالية الدولية، خاصة في قطاعي التجارة والاستيراد والتصدير.
-
إجراء تعاملات مصرفية مباشرة مع البنوك العالمية دون وسيط، ما يقلل التكاليف ويرفع الكفاءة.
-
جذب الاستثمارات الأجنبية، نتيجة تحسّن مؤشرات الشفافية والالتزام بالمعايير الدولية.
-
إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، بما يمهّد للحصول على تمويلات وقروض دولية.
-
تقليص الاعتماد على شبكات التحويل غير الرسمية، مما يقلل من مخاطر غسل الأموال والتمويل غير المشروع.
لماذا تم تعليق وصول سوريا إلى "سويفت"؟
يُذكر أن سوريا كانت ضمن قائمة الدول التي تم فصلها عن نظام "سويفت" في إطار العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري بعد اندلاع الثورة في عام 2011، وذلك بسبب ما وُصف آنذاك باستخدام النظام للقوة العسكرية ضد المتظاهرين.
وقد شكّلت العقوبات المالية حينها جزءًا أساسيًا من حملة العزل السياسي والاقتصادي لسوريا، إذ تم بموجبها:
-
منع البنوك السورية من تنفيذ التحويلات الخارجية.
-
تجميد الأصول السورية في الخارج.
-
منع المصارف الأجنبية من التعامل مع نظيراتها السورية.
-
زيادة الاعتماد على آليات غير رسمية وغير شفافة في التحويلات والاستيراد والتصدير.
وكان لهذه الإجراءات آثار كارثية على الاقتصاد الوطني، حيث تراجعت القدرة الشرائية، وارتفعت كلفة المعاملات التجارية، وانخفضت مستويات الثقة في الجهاز المصرفي السوري، واضطر المواطنون والشركات للاعتماد على السوق السوداء وشبكات غير رسمية للتحويلات.
قد يهمك : القطاعات السورية المستفيدة من رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا
عودة الثقة الدولية: دلالات اقتصادية واستراتيجية
من أبرز المؤشرات التي عبّر عنها إعلان مصرف سوريا المركزي هو وجود رغبة فعلية من البنوك والمؤسسات الدولية في العودة إلى السوق السورية، حيث أبدى أكثر من 50 بنكًا اهتمامه بالدخول إلى القطاع المصرفي المحلي ويمكن فهم هذا التوجه ضمن السياق الأوسع لعدة عوامل:
-
رفع جزئي أو كلي للعقوبات عن قطاعات اقتصادية محددة.
-
ظهور فرص استثمارية في البنية التحتية وإعادة الإعمار.
-
إعادة رسم خارطة العلاقات السياسية لسوريا مع محيطها العربي والدولي.
-
تحولات جيوسياسية دفعت بعض الدول لإعادة التفكير في موقفها من دمشق.
التحليل الاقتصادي: تكامل مالي مرتقب وإشارات إيجابية للأسواق
بحسب المحلل الاقتصادي يونس الكريم، فإن نظام "سويفت" يمثل العمود الفقري للعمليات المالية العالمية. انضمام أي بنك لهذا النظام يعني أنه أصبح جزءًا من المنظومة العالمية، ما يعزز من مصداقيته ويُعطي طمأنينة للمستثمرين والمؤسسات الدولية.
ويضيف الكريم في حديثه أن تفعيل هذا النظام يعني بدء مرحلة التكامل المالي الحقيقي مع الأسواق العالمية، وهو ما يسمح للبنوك السورية بإجراء:
-
التحويلات الدولية المباشرة.
-
استقبال الحوالات من الخارج بسرعة وأمان.
-
سداد الالتزامات الدولية.
-
الحصول على تمويل وقروض دولية بشروط أفضل.
ويرى الكريم أن هذه الخطوة تعني أيضًا بداية الخروج التدريجي من العزلة المالية الدولية، وهو ما يُعد رسالة سياسية مهمة قبل أن يكون قرارًا ماليًا، لأنه يُظهر استعداد الدولة للالتزام بمعايير الشفافية ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
شروط النجاح: إصلاحات ضرورية لمرحلة ما بعد "سويفت"
ورغم أهمية خطوة إعادة تفعيل "سويفت"، إلا أن خبراء اقتصاديين يرون أنها لا تكفي بمفردها، إذ يتطلب النجاح الكامل لهذه الخطوة سلسلة من الإصلاحات المالية والمؤسساتية، من أبرزها:
-
إصلاح القوانين الناظمة للعمل المصرفي لتتوافق مع المعايير الدولية.
-
تعزيز استقلالية البنك المركزي ومكافحة الفساد داخل القطاع المالي.
-
تحديث البنية التحتية الرقمية والرقابة المصرفية لضمان أمان التعاملات.
-
رفع القيود الداخلية عن حركة الأموال لتسهيل النشاط التجاري والاستثماري.
-
إعادة تأهيل الجهاز المصرفي وتدريب كوادره بما يتماشى مع التطورات العالمية.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير المصرفي فراس شعبو أن عودة سوريا إلى نظام "سويفت" يُعد نقطة تحول حقيقية إذا ما تم دعمها بإرادة سياسية للإصلاح، وتفعيل دور المؤسسات المصرفية العامة والخاصة في الاقتصاد الوطني.
ويشير إلى أن جذب الاستثمارات والمساعدات والقروض لا يمكن أن يتحقق فعليًا دون بنية مالية قوية وشفافة، قادرة على التفاعل مع البيئة الاقتصادية العالمية بثقة ومصداقية.
عودة سوريا إلى "سويفت" تفتح الباب أمام فرص واسعة، لكنها لا تخلو من التحديات، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
الفرص:
-
زيادة تدفق الحوالات المالية من المغتربين.
-
تسهيل حركة رأس المال والاستيراد والتصدير.
-
فتح السوق أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
-
تحفيز الشراكات المصرفية الإقليمية والدولية.
-
تحسين ترتيب سوريا في المؤشرات المالية الدولية.
التحديات:
-
استمرار بعض العقوبات التي قد تُقيّد عمل البنوك.
-
ضعف الثقة الدولية في النظام المصرفي السوري الحالي.
-
البيروقراطية وتعقيد اللوائح التنظيمية الداخلية.
-
الحاجة إلى رقابة صارمة تمنع استخدام النظام لأغراض غير مشروعة.
ويؤكد الخبير المالي والمصرفي فراس شعبو أن إعادة ربط المؤسسات المالية السورية بالمنظومة المصرفية العالمية، وعودة البلاد إلى واجهة التعاملات الدولية من خلال "سويفت"، تُعد خطوة بالغة الأهمية نحو إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي وأوضح شعبو في حديث للجزيرة نت أن هذه الخطوة:
- ستسمح بإجراء التحويلات المالية بشكل مباشر، من دون الحاجة إلى وسطاء أو ما يُعرف "بالتحويل الأسود".
- ستخفّض من تكلفة التحويلات، خصوصًا في بلدان مثل تركيا والعراق ودول المهجر.
- ستسرّع الإجراءات المالية وتقلل من المخاطر.
- ستُحسّن كفاءة التجارة الداخلية، وتخفض تكاليف التجارة الخارجية.
- ستسهم في دعم جوانب اقتصادية مهمة، أبرزها زيادة التدفقات المالية الأجنبية، وتعزيز احتياطيات مصرف سوريا المركزي، إلى جانب تسهيل حركة أموال المستثمرين.
- ستحفز قطاعات حيوية مثل الصناعة والزراعة والتجارة.
وأشار إلى أن هذا التطور سينعكس إيجابًا على بيئة العمل والاستثمار في سوريا، إذ يفضل المستثمرون والشركات الدولية التعامل مع دول تمتلك نظامًا مصرفيا متصلا بالنظام المالي العالمي، معتبرًا أن هذه العودة مؤشر على بداية عودة سوريا إلى "سكة النظام العالمي".
ورغم أهمية هذه الخطوة، شدد شعبو على أنها غير كافية بمفردها لجذب الاستثمارات أو إصلاح الاقتصاد، موضحًا أن المطلوب هو بناء الثقة بالمؤسسات المالية، وإعادة هيكلة الاقتصاد، مشيرًا إلى أن "سهولة الدخول إلى السوق السورية والخروج منها" تُعد عنصرًا أساسيا لطمأنة المستثمرين.
وانتقد شعبو واقع القطاع المصرفي السوري الحالي، قائلا إن "أكثر المصارف السورية لا يتجاوز رأسمالها 10 ملايين دولار"، معتبرًا أن "هذا لا يكفي لتُعد هذه المؤسسات بنوكًا حقيقية بالمعايير الدولية، بل بالكاد تصلح كمكاتب صرافة".
تعريف نظام سويفت
نظام "سويفت" أو جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT – Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication)
هو شبكة اتصالات مالية دولية آمنة تُستخدم لنقل المعلومات والتعليمات الخاصة بالمعاملات المالية بين البنوك والمؤسسات المالية حول العالم. تأسست الجمعية في عام 1973 ويقع مقرها الرئيسي في بلجيكا، وهي تُعد العمود الفقري للبنية التحتية المالية العالمية الحديثة.
الوظيفة الأساسية لنظام سويفت
لا يقوم نظام سويفت بتحويل الأموال فعليًا، بل يعمل كوسيط لنقل رسائل مالية مشفّرة وآمنة بين البنوك، تحتوي على تفاصيل المعاملات مثل أوامر التحويلات البنكية، خطابات الاعتماد، تسويات الأوراق المالية، والتعليمات الخاصة بالتمويل التجاري.
آلية عمل سويفت
-
لكل بنك أو مؤسسة مالية مسجلة في النظام رمز تعريف فريد يُعرف باسم رمز سويفت أو رمز BIC (Bank Identifier Code).
-
عندما يرغب بنك ما في إرسال أموال إلى بنك آخر، يستخدم نظام سويفت لإرسال رسالة تحتوي على تفاصيل العملية (المبلغ، الطرف المستفيد، رقم الحساب، البنك المستقبل، إلخ).
-
يتم تشفير الرسائل وتأمينها عبر شبكة SWIFT لضمان السرية وسرعة التنفيذ.
المزايا الرئيسية لنظام سويفت
-
الأمان العالي: يتم تشفير جميع الرسائل لضمان حماية البيانات المالية الحساسة.
-
السرعة والموثوقية: يوفر النظام وسيلة سريعة ومعتمدة لإجراء التحويلات الدولية.
-
التغطية العالمية: يربط أكثر من 11,000 مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة حول العالم.
-
التوحيد القياسي: يعتمد رموز ورسائل موحدة لتسهيل التفاهم بين الأنظمة المصرفية المختلفة.
استخدامات نظام سويفت
-
التحويلات البنكية الدولية (Wire Transfers)
-
تسوية المدفوعات بين البنوك المركزية
-
إصدار خطابات الاعتماد والضمانات المصرفية
-
تبادل بيانات الأوراق المالية والتسويات الاستثمارية
الدور الجيوسياسي لنظام سويفت
نظراً لأهميته الاستراتيجية، أصبح سويفت أداة ضغط اقتصادي فعالة. فمثلاً، يُستخدم استبعاد دولة أو بنوك معينة من النظام كنوع من العقوبات الاقتصادية الدولية، كما حدث مع إيران وروسيا. هذا الاستبعاد يعزل المؤسسات المالية عن النظام المصرفي العالمي ويعيق قدرتها على تنفيذ المعاملات الدولية.
الفرق بين SWIFT وأنظمة تحويل الأموال الأخرى