اجتماع سوري - أمريكي رفيع في واشنطن يمهد لإعادة إدماج سوريا بالنظام المالي العالمي

في خطوة مالية غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، كشفت مصادر من مجلس الأعمال الأمريكي السوري عن اجتماع رفيع المستوى بين وفد حكومي سوري ومسؤولين من بنك “JPMorgan Chase” في واشنطن، بمشاركة حاكم مصرف سوريا المركزي ووزير المالية السوري.

 

هذا اللقاء يأتي ضمن مساعي دمشق لاستعادة مكانتها في النظام المالي العالمي وفتح قناة مالية مباشرة مع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ما يمثل تحولًا استراتيجيًا في العلاقات الاقتصادية السورية – الأمريكية بعد سنوات من العزلة والعقوبات.

تفاصيل الاجتماع السوري الأمريكي في واشنطن

أعلن مجلس الأعمال الأمريكي السوري عن عقد اجتماع رسمي في العاصمة الأمريكية واشنطن، خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بين 14 و21 تشرين الأول الجاري، جمع وفدًا حكوميًا سوريًا رفيع المستوى برئاسة وزير المالية محمد برنية وحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، مع كبار التنفيذيين في بنك “JPMorgan Chase Bank”، برعاية مباشرة من المجلس.

 

وأوضح المجلس عبر منشور رسمي على منصة “لينكد إن” أن الاجتماع جاء ضمن الجهود الجارية لإعادة دمج سوريا ماليًا في المنظومة الدولية، حيث عرض الجانبان خطة شاملة تهدف إلى استعادة الاستقرار النقدي، وإعادة بناء المصداقية المؤسسية، وتحديث السياسات المالية والضريبية، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية.

ملف الامتثال المالي: العائق الأكبر أمام الاندماج

رغم الانفتاح الجديد، أشار المجلس إلى أن مخاوف الامتثال المالي لا تزال تشكل أحد أبرز العوائق أمام إعادة الاندماج الكامل للنظام المالي السوري مع النظام المالي العالمي، نتيجة الغموض التنظيمي والمصرفي الذي يحيط بالبنوك السورية بالنسبة للمؤسسات المالية الأمريكية.

 

وفي هذا الإطار، قدّم حاكم المصرف المركزي السوري عبد القادر الحصرية عرضًا للإصلاحات الجارية لتعزيز الامتثال والحوكمة والاستقرار النقدي، مشيرًا إلى أن البنك المركزي يعمل حاليًا على تقييم شامل للفجوات التنظيمية والتشغيلية بهدف وضع خطة معالجة شاملة تتضمن تعزيز إدارة المخاطر وتطوير بروتوكولات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما يتماشى مع المعايير الدولية.

 

وأوضح المجلس أن التدابير التي يعتزم المصرف المركزي السوري تطبيقها ستكون ضرورية لاستعادة وصول البنوك المراسلة الأجنبية إلى الداخل السوري، مما سيسمح مستقبلًا بإجراء المقاصة والتحويلات المباشرة بالدولار الأمريكي داخل سوريا.


وأشار المجلس إلى أنه خلال الفترة الانتقالية، يمكن للشركات السورية إجراء معاملاتها عبر البنوك الإقليمية المعتمدة، ريثما يتم استكمال الإصلاحات المطلوبة.

مشاورات متقدمة مع مؤسسات مالية دولية

ويأتي هذا الحوار المالي السوري مع “JPMorgan Chase” بعد سلسلة من المشاورات الرسمية التي أجرتها دمشق مع وزارة الخزانة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو ما يعكس – بحسب بيان المجلس – التزام الحكومة السورية بإعادة بناء مصداقيتها المالية واستعادة علاقاتها المصرفية الدولية.

 

كما أشار المجلس إلى أن تخفيف العقوبات الأمريكية مؤخرًا فتح أمام سوريا فرصة تاريخية لاستعادة السيولة وجذب رؤوس الأموال الأجنبية، إذ سمحت وزارة الخزانة الأمريكية بإلغاء بعض لوائح العقوبات بما يمكّن الشركات الأمريكية من التعامل المالي والتجاري مع المؤسسات السورية ضمن ضوابط الامتثال.

انفتاح اقتصادي منظم وإطار تنظيمي جديد

ووفقًا لتقرير المجلس، أصدرت الحكومة السورية مؤخرًا إطارًا تنظيميًا جديدًا يسمح لمعظم القطاعات الاقتصادية بإجراء معاملات مقوّمة بالدولار الأمريكي، بشرط الالتزام الكامل بمعايير الامتثال الأمريكية.


ويمثل هذا التغيير تحولًا جذريًا في السياسة المالية السورية، ويتيح فرصًا متجددة للاستثمار والتجارة، خصوصًا في القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة والبنى التحتية والصناعات التحويلية.

 

وفي السياق ذاته، عقد وزير المالية السوري محمد برنية لقاءً في واشنطن مع مساعد وزير الخزانة الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط إيريك ماير، تناول دعم الإصلاحات السورية في المالية العامة والقطاع المصرفي، وأشار الوزير إلى أن التعاون المالي الثنائي بين دمشق وواشنطن يشهد تطورًا متسارعًا.

تشجيع أمريكي لمسار الإصلاحات السورية

أشاد بنك “JPMorgan Chase” بالمسار الإصلاحي الذي تسلكه سوريا حاليًا، داعيًا إلى استمرار التنسيق مع وزارة الخزانة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي لضمان توافق النظام المالي السوري مع معايير الامتثال العالمية.

 

وكشف المجلس الأمريكي السوري أن البنك المركزي السوري أحرز تقدمًا كبيرًا نحو إنشاء حساب لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وهو ما وصفه المجلس بأنه “خطوة تحويلية” في مسار إعادة بناء الملف الائتماني السيادي لسوريا واستعادة العلاقات المصرفية الدولية.

 

وأكد المجلس فخره بمواصلة بناء الجسور المؤسسية وتسهيل الحوار بين المؤسسات المالية السورية والأمريكية، معتبرًا ذلك جزءًا من الجهود المستمرة لإعادة دمج سوريا في النظام المالي والاقتصادي العالمي.

سوريا تسعى للحصول على منحة بمليار دولار من البنك الدولي

لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، شاركت سوريا رسميًا في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن هذا الشهر، بوفد ترأسه وزير المالية وحاكم مصرف سوريا المركزي، ما اعتبره مراقبون إشارة إلى رغبة دولية متزايدة في إعادة إدماج سوريا ماليًا.

 

وخلال لقائه مع نائب رئيس البنك الدولي لشؤون التمويل الإنمائي أكيهيكو نيشيو، أعلن وزير المالية السوري أن بلاده تسعى للحصول على نحو مليار دولار من البنك الدولي على شكل منح خلال السنوات الثلاث المقبلة، لتمويل مشاريع اقتصادية وتنموية.


وأشار الوزير إلى أن الحكومة السورية أصبحت تملك رؤية واضحة وخيارات متعددة في مجال التعاون المالي الدولي، بما يتناسب مع أولويات إعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي.

أهمية الحدث وتداعياته على الاقتصاد السوري

يشكل هذا التطور منعطفًا اقتصاديًا حاسمًا في مسار السياسة المالية السورية، إذ يمثل أول انفتاح رسمي على النظام المالي الأمريكي منذ أكثر من عقد.


إن عودة الحوار بين دمشق ومؤسسات مالية كبرى مثل “JPMorgan” والاحتياطي الفيدرالي تعكس تغيرًا في المزاج الدولي تجاه سوريا، ورغبة في إعادة دمجها في الاقتصاد العالمي تدريجيًا، مقابل التزامها بمعايير الامتثال والشفافية.

 

من شأن هذه الخطوات أن تفتح الباب أمام تحسين تدفق التحويلات المالية، واستعادة الثقة بالقطاع المصرفي السوري، إضافة إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية التي قد تسهم في تمويل مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية.


لكن في المقابل، يبقى نجاح هذه المساعي رهينًا بقدرة سوريا على تنفيذ إصلاحات حقيقية ومستدامة في النظام المصرفي ومكافحة الفساد والامتثال للمعايير الدولية.

 

بذلك، يمكن القول إن دمشق بدأت بالفعل مرحلة جديدة من إعادة التموضع المالي، تسعى من خلالها إلى تحويل الانفتاح الدبلوماسي والسياسي إلى مكاسب اقتصادية ملموسة تمهّد لعودة تدريجية إلى النظام المالي العالمي.

من هو بنك “JPMorgan Chase”؟

يُعد بنك “JPMorgan Chase & Co” أحد أضخم المؤسسات المالية في العالم، وهو أكبر بنك في الولايات المتحدة الأمريكية من حيث حجم الأصول التي تتجاوز 4 تريليونات دولار، ويُعتبر من الركائز الأساسية للنظام المالي الأمريكي والعالمي.

 

تأسس البنك بصورته الحالية عام 2000 نتيجة اندماج تاريخي بين “تشيس مانهاتن” و**“جي بي مورغان وشركاه”**، ليشكل كيانًا مصرفيًا عملاقًا يجمع بين الخبرة العريقة في التمويل والاستثمار وإدارة الأصول والخدمات المصرفية العالمية.

 

يقدّم “جي بي مورغان تشيس” مجموعة شاملة من الخدمات تشمل:

  • الخدمات المصرفية التجارية والاستهلاكية.

  • الاستثمار وإدارة المحافظ المالية وصناديق الثروة السيادية.

  • التمويل الحكومي والمشاريع الكبرى.

  • الخدمات المصرفية للشركات والبنوك المركزية حول العالم.

ويمتلك البنك شبكة عالمية واسعة تضم فروعًا ومكاتب في أكثر من 60 دولة، ويعمل فيه أكثر من 300 ألف موظف، مما يجعله لاعبًا محوريًا في الأسواق العالمية.

 

ويُعرف البنك بقدرته العالية على إدارة الأزمات المالية وتوجيه الأسواق، إذ كان له دور رئيسي في دعم النظام المصرفي الأمريكي خلال أزمة 2008، كما يُعد من أبرز البنوك التي تتعامل مباشرة مع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في تنفيذ السياسات النقدية الكبرى.

 

وفي السنوات الأخيرة، عزّز “JPMorgan Chase” حضوره في مجالات التكنولوجيا المالية (FinTech) والذكاء الاصطناعي في الخدمات المصرفية، إضافة إلى توسّعه في أسواق الشرق الأوسط وآسيا، حيث يقدم الدعم الاستشاري والتمويلي للحكومات والمؤسسات الكبرى.

 

ولذلك، يُنظر إلى مشاركته في الحوار المالي مع سوريا كإشارة على اهتمام المؤسسات الأمريكية بإعادة الانخراط المالي مع دمشق ضمن إطار رسمي ومنظم، خاصة أن البنك لا يدخل عادة في مثل هذه المشاورات إلا بتنسيق مباشر مع الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية.

ما هو مجلس الأعمال الأمريكي السوري؟

يُعد مجلس الأعمال الأمريكي السوري (U.S.–Syria Business Council) منظمة مستقلة، غير ربحية وغير سياسية، تتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقرًا لها، وتهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين سوريا والولايات المتحدة الأمريكية من خلال بناء جسور التواصل بين القطاعين العام والخاص في البلدين.

 

تأسس المجلس في إطار مساعي تشجيع الحوار الاقتصادي وإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي، ويضم في عضويته مجموعة من رجال الأعمال والخبراء الماليين والاقتصاديين من الجانبين السوري والأمريكي، إلى جانب ممثلين عن مؤسسات مالية واستثمارية عالمية.

 

ويرتكز عمل المجلس على ثلاثة محاور رئيسية:

  1. تسهيل الحوار المالي والمؤسسي بين البنوك المركزية والهيئات المالية في سوريا والولايات المتحدة.

  2. تقديم المشورة الاقتصادية والاستثمارية للمستثمرين المهتمين بالسوق السورية، وخاصة في مجالات إعادة الإعمار والطاقة والبنية التحتية.

  3. دعم الإصلاحات الاقتصادية السورية عبر التعاون مع المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتقديم المساعدة الفنية في مجالات الشفافية والحوكمة والامتثال المالي.

ويعمل المجلس كمنصة مهنية تهدف إلى تصحيح الصورة الاقتصادية لسوريا في الأوساط المالية الغربية، من خلال إبراز فرص الاستثمار المحتملة وتشجيع الشراكات التجارية القائمة على الامتثال للقوانين الدولية.

 

كما يلعب المجلس دورًا متزايدًا في تسهيل الاتصالات بين دمشق والمؤسسات المالية الأمريكية، بما في ذلك البنوك الكبرى ووزارة الخزانة الأمريكية، في محاولة لإرساء قنوات تعاون رسمية ومنظمة بعد سنوات من القطيعة والعقوبات.

 

ويؤكد مسؤولو المجلس في بياناتهم الدورية أن هدفهم الأساسي هو إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي تدريجيًا، بطريقة تضمن الامتثال الكامل للمعايير الدولية وتعزز فرص النمو الاقتصادي المستدام في البلاد.

تم التحديث في: الجمعة, 24 تشرين الأول 2025 11:11
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول